جاسوس أميركي سابق: رئاسة الـ«سي آي إيه» رفضت خطة سهلة لاغتيال بن لادن بالسودان لجهلها بخطورته

سيارتان.. ومسدس كاتم للصوت.. وأقنعة سوداء كانت أدوات تنفيذ العملية

TT

* كشف ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه) خطة لاغتيال أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، عندما كان في السودان. وقال إن رئاسة الوكالة رفضت الخطة لأنها «لم تكن تعرف مدى خطورة بن لادن، ولا نواياه المستقبلية نحو الولايات المتحدة». وكشف الضابط النقاب عن أن ضباط الاستخبارات سكنوا بالقرب من منزل بن لادن في حي الرياض بالعاصمة السودانية، ورصدوا تحركاته، والتقطوا مئات الصور له. وأكد الضابط السابق، في سلسلة من المقابلات الصحافية والتلفزيونية مؤخرا، أنه شخصيا وقف أمام بن لادن وجها لوجه أكثر من مرة. وفي مذكراته التى دونها في كتاب صدر مؤخرا باسم «اصطياد ابن آوى» يكشف ضابط السي آي آيه السابق الكثير من أسرار وخفايا المتابعة الأميركية لزعيم تنظيم القاعدة.

وقال بيلي ووغ، الذي عمل مع القوات الأميركية الخاصة ومع وكالة الاستخبارات في فيتنام وأفغانستان، إنه عمل في السودان لثلاث سنوات خلال تلك الفترة، وإنه، بالاضافة إلى مراقبة بن لادن، راقب الإرهابي الفنزويلي الماركسي كارلوس، واشترك في إجراءات اعتقاله ونقله الى فرنسا.

وكان ووغ أول ضابط تكلفه الاستخبارات المركزية بمراقبة بن لادن الذي لم تكن تعتبره شخصا خطيرا. وقال له مدير مكتب الاستخبارات في الخرطوم (الذي يتخفى تحت صفة سياسية في السفارة): «راقب بن لادن.. نحن لا نعرف عنه أشياء كثيرة، ولا نعرف ماذا يريد. لكننا نعرف أنه ثري، ونعتقد أنه يرأس منظمة اسمها القاعدة، وأن نشاطاتها تبدو مريبة». وكانت تلك أول مرة يسمع فيها ووغ باسم «القاعدة».

* ما أسهل الاغتيال

* وقال ووغ البالغ من العمر خمسة وسبعين سنة ويعيش في ولاية فلوريدا، إن خطة اغتيال بن لادن «كانت سهلة» بسبب المعلومات الكثيرة التي جمعها الجواسيس الأميركيون عنه، وعن تصرفاته وتحركاته، وبسبب الخرائط الكثيرة التي رسموها لمنزله، ومواقع شركاته، والشوارع التي كان يسلكها.

واقترحت الخطة استئجار سيارتين، واحدة تتبع سيارة بن لادن، والثانية تأتي من الاتجاه المضاد. وعند اصطدام الثانية بسيارة بن لادن عمدا، يخرج الشخص المكلف بتنفيذ عملية الاغتيال من السيارة الأولى، ويطلق النار على بن لادن مستخدما مسدسا إم بي 5 مزودا بكاتم للصوت. وحسب الخطة، يرتدي الاميركيون المشتركون في العملية الاقنعة السوداء التي زودتهم بها وكالة الاستخبارات لتسهيل تجسسهم وسط السودانيين. وتكلف كل قناع آلاف الدولارات، وصنعته شركة منتجات وحيل سينمائية في هوليوود. ومن مزايا هذا القناع أنه يمنع معرفة الشخص الذي يضعه إلا عند الاقتراب منه.

ويشير الضابط السابق في السي آي إيه إلى أن مدير مكتب الاستخبارات الاميركية في جنوب افريقيا قد زارهم ذات مرة، وطلب القيام بجولة في شوارع الخرطوم. وارتدى كل شخص قناعا أسود اللون، لكن الضيف لم يكن معتادا عليه، فاختنق ثم تقيأ، وكاد يبكي، لكنه لم يقدر على خلع القناع حتى لا يكتشف انه غير سوداني.

لكن ووغ كان يخلع القناع، حسب قوله، ليركض في شوارع حي الرياض لمسافة ثمانية كيلومترات، مرتين كل اسبوع، ويقترب من منزل بن لادن. ولهذا كان سهلا على بن لادن وحرسه الافغان ان يعرفوا انه اميركي.

* القناع الأسود

* ويحكي ووغ أنه حدث ذات مرة أن صوب حارس أفغاني بندقية أتوماتيكية نحوه وهو يركض. وكان الحراس الأفغان يتابعون ركضه، ويحاولون التجسس عليه. وكانوا يحاولون، أيضا، التخفي بارتداء ملابس سودانية، ولكن الذقون والملامح الافغانية كانت تميزهم عن السودانيين.

وفي الأوقات الأخرى كان ووغ يرتدي القناع الاسود، ويستقل سيارة روسية قديمة ليتعقب سيارة بن لادن المرسيدس البيضاء موديل 300، التي كان يقودها بنفسه، ورقمها 0990 . كان ووغ يغادر السودان مرة كل ستة أسابيع على سبيل التمويه والإفلات من مراقبة رجال الاستخبارات السودانية. لكنه كان يعتقد بأنه هذه المراقبة ليست فعالة. وقال إن سيارة فريق منهم «كانت تتبع سيارتي حتى أدخل مبنى السفارة الاميركية. وعندما أخرج، أراهم نائمين، فأدق على باب السيارة لأوقظهم، وأقول لهم باللغة العربية: أنا خرجت».

وقال: «كنا نجري تمرينات في الصحراء إلى الغرب من الخرطوم، للهروب بسياراتنا في حالة الطوارئ (لتنقلهم طائرات هليكوبتر من هناك). وحاول رجال الاستخبارات السودانية معرفة ما نفعل، وكانوا يتابعوننا، لكنهم فشلوا لأننا عرفنا الصحراء أكثر منهم».

* إغراء بالمرسيدس

* وكان ووغ حذرا وهو يصور بن لادن لأن حكومة الرئيس عمر البشير الإسلامية منعت دخول الكاميرات «حتى لا يصور الأجانب مناظر اللاجئين البائسين في شوارع الخرطوم».

لكن ترتيبات خاصة بين السفير الاميركي في الخرطوم ومدير مكتب الاستخبارات في السفارة سهلت دخول الكاميرات في الحقيبة الدبلوماسية. وبدأت الاستخبارات الاميركية تهتم بالتصوير بشكل أكبر بعد أن أصبحت الخرطوم مركز تحركات شخصيات مثل الشيخ (المصري) عمر عبد الرحمن، والناشط الفلسطيني أبو نضال، وقادة الجماعة الإسلامية المصرية، وحركة حماس الفلسطينية، وحزب الله اللبناني، ومنظمات جزائرية وإيرانية أخرى. وقال ووغ إن هؤلاء جذبتهم تصريحات حسن الترابي، الزعيم الاسلامي الذي شارك البشير في الحكم، ورفع شعار «أسلمة أميركا وتعريب إفريقيا».

ووصف ووغ البشير بأنه أقل تطرفا من الترابي، وعارض تحويل الخرطوم إلى مركز «للارهابيين والمجرمين الدوليين». لكن إيران كانت ترسل إلى البشير «سيارة مرسيدس في كل مرة يعارض فيها الترابي، حتى يوافق. وعندما يعارض الترابي مرة أخرى، ترسل سيارة مرسيدس جديدة.. وهكذا».

* تحت عيون الكاميرا

* سكن ووغ لفترة مع جواسيس أميركيين في منزل من ثلاثة طوابق في حي الرياض الذي سكن فيه بن لادن. وكان زعيم القاعدة قد اشترى عدة منازل وسكن في واحد يتكون من ثلاثة طوابق. واستعمل غيره لاغراض أخرى، مثل حفظ معدات شركة الانشاء، وسكن الحراس والعمال، ومكان للتجمع والصلاة. واستعمل ووغ منزلا تستأجره السفارة الاميركية بالقرب من مكان صلاة بن لادن. ووضع على سطح المبنى كاميرات عملاقة تصور بن لادن وهو يصلي، ثم وهو يخطب في أنصاره بعد الصلاة. وكان عدد هؤلاء يتراوح بين عشرين وثلاثين شخصا، وصورهم ووغ وهم ينصتون إليه باهتمام وتركيز.

وعرف ووغ أن بن لادن كان يعيش مع زوجاته الأربع وعدد كبير من الاولاد والبنات. لكنه لم يتمكن من مشاهدة أي واحد من هؤلاء، أو التقاط صور لهم.

* بن لادن كان محظوظا

* وحسب أقوال ضابط المخابرات الأميركي السابق فإن زعيم القاعدة كان يصلي الصبح في منزله ثم يغادره مبكرا الى مكتبه لمتابعة أعمال شركاته في ضواحي الخرطوم. وكان يزور البنك العربي في شارع علي عبد اللطيف كل يوم في التاسعة صباحا. وبعد صلاة الظهر يعود الى منزله ليتناول الغداء ثم ينام.

وقال ووغ إن بن لادن «كان واثقا بنفسه، بدليل أنه فتح حسابا باسمه في البنك العربي. وكانت رئاسة الاستخبارات المركزية تعرف رقم حسابه، لكنها كانت تريد معلومات عن الذين يتعاون معهم».

وقال ووغ إن بن لادن «كان محظوظا لأن الاستخبارات المركزية في ذلك الوقت لم تكن تملك تكنولوجيا مراقبة الناس على الأرض بواسطة أقمار فضائية ، كما تفعل الآن. وإلا كانت قد تابعته وصورته حتى داخل منزله، وكانت قد تمكنت من متابعته وصورت تحركات سيارته من الفضاء».

ولهذا اكتفى ووغ بتصوير بن لادن من بعد. وفكر في وضع ميكروفون في سيارة بن لادن، لكنه وجد ذلك أمرا مستحيلا. وحاول معرفة نوع جهاز اللاسلكي الذي كان يستعمله بن لادن، لكنه فشل. ولو كان ضابط الاستخبارات الأميركي قد نجح في ذلك، كان سيرسل المعلومات الى رئاسة الاستخبارات المركزية لصناعة جهاز مماثل للتنصت على بن لادن.

* محاولة ينقصها التخطيط

* ويتذكر ووغ يوم تمرد مساعدان سعوديان على بن لادن، وهجما على مسجد في شمال أم درمان، وقتلا خمسة عشر خلال الصلاة اعتقادا منهما بأن بن لادن كان معهم. وعندما لم يجداه هناك، ذهبا الى منزله في حي الرياض، واشتبكا مع الحراس الافغان الذين قتلوهما.

وكان ووغ في ذلك اليوم في منزل الجواسيس الاميركيين، بالقرب من منزل بن لادن، عندما شاهد السعوديين يسرعان بسيارتهما. وشاهدهما عندما أطلقا النار على مركز شرطة قريب، وقتلا شرطيين سودانيين.

ولاحظ ووغ ان الشرطة السودانية لم تقدر على كشف محاولة السعوديين، ولا على القبض عليهما خلال المسافة من مسجد أم درمان الى منزل بن لادن في الخرطوم.

وقال ووغ ان السعوديين لم يخططا لاغتيال بن لادن تخطيطا كافيا.

وقال: «لو كانت رئاسة الاستخبارات المركزية قد طلبت مني اغتيال بن لادن، كان يمكنني أن أقتله بنفسي، وبسهولة».