شهادات جديدة تؤكد وقوع انتهاكات صارخة في معتقل غوانتانامو

اتهامات باستخدام المحققين التبريد والأغلال لانتزاع الاعترافات بالانتماء للقاعدة وطالبان

TT

قدم ما لا يقل عن عشرة من السجناء الحاليين والسابقين في المعتقل العسكري الأميركي في خليج غوانتانامو بكوبا بشكاوى يزعمون فيها تعرضهم لانتهاكات مماثلة لتلك التي وصفها موظفون في مكتب المباحث الفيدرالية في وثائق نشرت مؤخرا. وكانت الحكومة الأميركية قد نفت مثل هذه الإدعاءات من قبل. غير أن مزاعم التعذيب اكتسبت مصداقية عبر تقارير موظفي المكتب، وفقا لما يقوله محامو الدفاع عن المعتقلين.

وفي إفادات علنية بعد إطلاق سراحهم وفي وثائق قدمت إلى المحاكم الفيدرالية، قال السجناء إنهم تعرضوا للضرب قبل وأثناء عمليات الاستجواب، و«قيدوا بأغلال» وهم جلوس على الأرض، وتعرضوا الى سوء المعاملة كجزء من ارغامهم على الاعتراف بأنهم أعضاء في تنظيم «القاعدة» أو حركة طالبان.

بل ان بعضا من محاميي السجناء اعترفوا بأنهم كانوا في البداية متشككين فيما قاله موكلوهم. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى عدم توفر ما يكفي من الأدلة على أن السجانين في خليج غوانتانامو مارسوا ذلك النمط من الانتهاكات الذي كشف عنه في سجن أبو غريب. ولكنه في يوم الاثنين الماضي نشر اتحاد الحريات المدنية الأميركي مذكرات مكتب المباحث الفيدرالي التي حصل عليها عبر قانون حرية المعلومات حيث يصف موظفو المكتب مشاهداتهم أو حصولهم على معلومات عن اساءة خطيرة في معاملة السجناء.

وقال برنت ميكوم ، المحامي من واشنطن عن أحد السجناء، إنه «لا يوجد الآن شك في أن هؤلاء الأشخاص تعرضوا لتعذيب. وعندما بدأنا العمل في هذه القضية كنت أتساءل عما إذا كان هذا كله يمكن أن يكون حقيقة. ولكن كل ادعاء سمعته قد أكدته الوثائق الحكومية ذاتها».

وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن الجيش يقوم بتحقيق مستمر في المزاعم المتعلقة بالتعذيب ويأخذ الادعاءات الممكنة التصديق على محمل الجد. ويقول المسؤولون والمحامون عن وزارة الدفاع إن الجيش كان حذرا من ممارسة الانتهاك بحق السجناء وتقيد بالمعاهدات الخاصة بالتعامل مع السجناء الأعداء «الى الحد الممكن» خلال الحرب.

ويصف السجناء الذين تحدثوا علانية عن التعذيب في خليج غوانتانامو معسكر السجن الذي تجري فيه الانتهاكات باعتبار ذلك وسيلة متعمدة لمساعدة المحققين وكعقاب على الأعمال التي سببت الضيق لحراس السجن. ويقولون إن العسكريين ضربوهم وركلوهم، بينما كانت توضع أغطية الرأس عليهم والقيود المحكمة في أرجلهم وتركوهم في درجات حرارة تصل لحد التجمد، ثم في حرارة عالية، وجعلوهم يقفون على أقدامهم لفترات طويلة متكررة، وعرضوهم عراة حول السجن بينما كان أفراد من الشرطة العسكرية يلتقطون الصور.

وفي بعض الادعاءات، زعم السجناء أنهم هددوا بانتهاكهم جنسيا. وكتب السجين البريطاني مارتن موبانغا، وهو احد من توكل عنهم المحامي ميكوم، الى شقيقته قائلا إن أفراد الشرطة العسكرية الأميركية كانوا يعاملونه كأنه مومس.

وتزعم مجموعة من السجناء البريطانيين ممن أطلق سراحهم بأن عددا من السجناء الشباب أبلغوهم بأنهم اغتصبوا وانتهكوا جنسيا بعد أن أخذهم الحراس إلى أقسام معزولة في السجن. وقالوا إن شخصا جزائريا «أرغم على مشاهدة شريط فيديو يعرض سجينين يرتديان البدلة البرتقالية أحدهما يمارس الجنس مع الآخر، وأبلغ بأن ذلك يمكن أن يحدث له ما لم يتعاون».

وإدعى السجين السوداني ابراهيم أحمد محمود القوصي، الذي يزعم أنه كان يقوم بمهمة موظف مختص بدفع الرواتب في تنظيم «القاعدة»، في ملفات المحكمة إن المحققين في خليج غوانتانامو لفوا السجناء بالعلم الاسرائيلي. وفي رسالة إلكترونية مؤرخة في 16 أغسطس (آب) الماضي أفاد موظف في مكتب المباحث الفيدرالي بمشاهدته أحد السجناء جالسا في غرفة استجواب «وقد لف بعلم اسرائيلي، وكانت هناك موسيقى صاخبة وأضواء تبهر البصر».

وقد ورد الكثير من المزاعم في ملفات المحاكم الفيدرالية كنتيجة لقرار مميز من المحكمة العليا اتخذ في يونيو (حزيران) الماضي وأعطى سجناء خليج غوانتانامو الحق في الاعتراض على سجنهم في المحكمة. وقدم ما يزيد على 60 من اصل 550 سجينا اعتراضات. وقد ظل بعضها في القاعدة البحرية الأميركية لفترة تقرب من ثلاث سنوات.

وقال معظم بيك، السجين البريطاني الذي اعتقل أول مرة في مصر وأبقي في السجن الانفرادي بخليج غوانتانامو منذ فبراير (شباط) 2003، في رسالة له مؤخرا الى المحكمة إنه تعرض الى الضرب بصورة متكررة وكان يسمع «الصرخات المرعبة لزملائه السجناء وهم يواجهون طرق تعذيب مماثلة». وقال انه شهد موت اثنين من السجناء بعد ان ضربهم العسكريون الأميركيون.

أما فيروز عباسي، البريطاني الذي ألقي القبض عليه في أفغانستان، قد قضى في السجن الانفرادي مدة زادت على السنة. وادعى انه في اليوم ذاته الذي يقول فيه المسؤولون الأميركيون إنه «اعترف» بالتدريب كمفجر انتحاري في «القاعدة» كان السجانون يعذبونه بوحشية لدرجة كان لابد من معالجة جراحه في مستشفى السجن.

ويقول مسؤولون حكوميون إنهم لا يعرفون ما يشير اليه السجين بيك. وتوصلت محكمة عسكرية الى أن معالجة عباسي الطبية لم تكن ذات صلة باعترافه.

وفي حالات أخرى رفض الجيش الأميركي الإدلاء بأية تصريحات بشأن مزاعم تفصيلية عن الانتهاكات. ولهذا فانه من المستحيل معرفة ما إذا كان ما ادعاه السجناء قد حدث بالفعل. وفي الأشهر الأخيرة قالت الحكومة إن بيك وعباسي ومئات من السجناء الآخرين اعترفوا للمحققين بأنهم كانوا مقاتلين في طالبان أو «القاعدة»، ولكن المحامين المدافعين عنهم يقولون إن أقوال موكلهم قد انتزعت منهم قسرا. وقالت غيتانجالي غوتيريز، محامية عباسي وأحد المحامين الأوائل التي صرح لها بزيارة خليج غوانتانامو، إنها مقتنعة بأن موكلها وآخرين كانوا يواجهون خطرا كبيرا على أيدي الجيش الأميركي عندما رأتهم.

وكانت الادعاءات العلنية الأولى بشأن التعذيب الأميركي في خليج غوانتانامو قد طرحت من جانب ثلاثة بريطانيين من تيبتون بانجلترا. فقد أطلق سراح شفيق رسول، 27 عاما، وآصف اقبال وروهيل احمد (كلاهما 22 عاما) بدون توجيه تهم اليهما في مارس (آذار) الماضي تحت ضغط من الحكومة البريطانية. وفي أغسطس الماضي قدموا ومحاموهم تقريرا ضم 113 صفحة حول معاملتهم حيث شبهوها بانتهاكات السجناء التي جرت في سجن أبو غريب في العراق.

وقال الكولونيل ديفيد ماكويليامز، المتحدث باسم القيادة الأميركية الجنوبية، المسؤولة عن السجن إن «الادعاء بأن السجناء تعرضوا الى سوء معاملة جسدية أو ضرب او تعذيب عارية عن الصحة تماما. فمنذ البداية اتخذنا اجراءات اضافية لمعاملة السجناء ليس انسانيا فقط وانما ايضا بحذر استثنائي. ونحن لا نستخدم أي نوع من الاكراه أو أساليب الايذاء الجسدي».

ورفض بعض السجناء الذين كلفوا محامين للدفاع عنهم المشاركة في إعادة النظر العسكرية في قضاياهم في خليج غوانتانامو وطالبوا، بدلا من ذلك، اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتحقيق في مزاعمهم بشأن الانتهاكات.

وتلك هي حالة ممدوح حبيب السجين الأسترالي في خليج غوانتانامو. ويقول المحامون المطلعون على قضيته وسجناء بريطانيون إن حبيب كان في «حالة كارثية» عندما وصل الى كوبا. فمعظم أظافره غير موجودة، وعندما كان ينام في السجن كان ينزف من أنفه وفمه وأذنيه بصورة متكررة، ولكن المسؤولين الأميركيين هناك حرموه من العلاج، وفقا لما قاله سجناء بريطانيون اطلق سراحهم في تقرير لهم. وقال زملاؤه السجناء إن حبيب طلب من الأطباء مساعدته ولكنهم قالوا «اذا تعاونت مع المحققين فإن بوسعنا عندئذ تلبية طلبك».

وقال جوزيف مارغيليز، محامي حبيب، انه لا يمكن ان يدلي بتفاصيل لأن السجلات سرية. وقال انه سيقدم ادعاءات حبيب في المحكمة.

وقال مارغيليز «الأمر لم يعد مقتصرا على ادعاءاتي حول التعذيب، أو ادعاءات موكلي، وانما معلومات مكتب المباحث الفيدرالي. وقد تعين على الرئيس بوش التصريح علنا: يبدو الآن ان التعذيب يستمر في غوانتانامو ولن نعتمد على هذه الاعترافات التي انتزعت قسرا».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»