أوكرانيا تعاود محاولات انتخاب رئيسها للمرة الثالثة وسط مخاوف الانقسام والسقوط في دوامة العنف

المحكمة العليا الأوكرانية تبطل بعض بنود قانون الانتخابات الجديد

TT

يتوجه الاوكرانيون اليوم الى صناديق الاقتراع، في محاولة جديدة لانتخاب رئيس جديد لبلدهم، بعد فشلهم في تحقيق ذلك على مدى جولتين، كادت الاخيرة منهما في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تقود البلاد الى حرب اهلية.

ورغم كل الوعود من المرشحين المتنافسين فيكتور يانوكوفيتش وفيكتور يوشينكو بنهاية سلمية لهذه الازمة التي تعدت حدود الدولة الاوكرانية، وطالت الكثير من علاقات الشرق والغرب، فإن اخطار انقسام البلاد والمخاوف من احتمالات تكريس المواجهة تخيم في الافق وما تزال تقض مضاجع الكثيرين من ابنائها.

الاحاديث الجانبية مع المشاركين في آخر اللقاءات الانتخابية لكل من المرشحين في العاصمة الاوكرانية كييف تكشف الكثير من ملامح الانقسام ما يعيد الى الاذهان بعضا من مشاهد الامس. فلم تكن اوكرانيا تاريخيا في حدود الحاضر التي انضوت بين اراض روسية واخرى رومانية وثالثة بولندية ورابعة مولدوفية. ولذا فان هناك من المؤشرات التاريخية ما يقول ان حدود الحاضر نتاج حراك تاريخي توقف نسبيا مع مطلع القرن العشرين بعد انضمام اوكرانيا الى الاتحاد السوفياتي التي كانت احد اهم اركانه مع كل من روسيا وروسيا البيضاء.

واقع اليوم يقول بأن نتائج انتخابات اليوم لن تحسم خلافات الامس على نحو «تبدو معه اوكرانيا في امس الحاجة الى قيادة من نوع جديد تقدم العام على الخاص بعيدا عن التشدد والتطرف ومخاوف السقوط في شرك «لعبة الشرق والغرب»! وكانت اللقاءات الانتخابية للمرشحين يانوكوفيتش ويوشينكو، والتي توقفت امس بحكم القانون، استعدادا لانتخابات اليوم، كشفت عمق الهوة بين انصار كل منهما رغم كل الوعود بضرورة تضافر الجهود من اجل اوكرانيا موحدة. كما ان واقع ما بعد انتخابات الجولة الثانية في نوفمبر الماضي، يقول بنجاح المعارضة في فرض عدم الشرعية اطارا لتحركات الدولة ومؤسساتها الدستورية واستقطاب الخارج عنصرا رئيسيا يحدد الكثير من ملامح الموقف السياسي في اوكرانيا. ولعل ذلك يمكن ان يفسر مخاوف البعض من احتمالات مواجهة جديدة قد يتزعمها انصار يانوكوفيتش الذين يقولون بأنه يخوض انتخابات اليوم من مواقع اكثر ضعفا عن ذي قبل على عكس منافسه الذي يتصرف وكأنه الرئيس الشرعي المنتخب فعلا. وكان ثمة من تناقل اخبارا تقول باستعداد انصار يانوكوفيتش لمواجهة احتمالات اعلان فوز مرشح المعارضة يوشينكو. قالوا انهم لجأوا الى قيادة اسطول البحر الاسود التي وافقت على امدادهم بالاسلحة والذخيرة.

وحين تهاوت أركان هذه الاشاعة في اعقاب لقاء جرى بين القائم بأعمال وزير الدفاع الكسندر اومولتشوك ونائب قائد الاسطول الادميرال الكسندر تاتارينوف، ظهرت اخرى تقول ببدء تشكيل فصائل الدفاع الشعبي في كل من دوفيتسك وسيفاستوبول في جنوب شرقي اوكرانيا استعدادا للزحف على كييف في حال اعلان فوز يوشينكو.

نائب رئيس فريق اركان يوشينكو وعضو مجلس الرادا الكسندر سريتياكوف اعترف بوجود خطة وضعها عسكريون موالون لمرشح المعارضة تحدد خطوات الهجوم والاستيلاء على مقار السلطة وتقليل الخسائر البشرية في حال استخدام الطرف الآخر القوة.

وفيما تزداد نبرة الهجوم على السلطة ورموزها من جانب فيكتور يانوكوفيتش، يتحول خصمه يوشينكو صوب مهادنة موسكو التي قال بأنها ستكون اولى المحطات في جولته الخارجية بعد فوزه، وليس في حال فوزه، على حد قوله. فلا احد يستطيع ان يشكك في احتمالات هذا الفوز، وهناك من يستشهد في معرض ذلك بتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي كشفت عمليا تراجعا غير مباشر وعدم يقين في فوز من سبق وراهنت موسكو على فوزه. وكان بوتين قد اشار صراحة الى استعداده للقاء يوشينكو.

وفي الوقت الذي يعاود فيه البعض من انصار يانوكوفيتش في جنوب شرقي اوكرانيا التهديد بالانفصال يطرح مرشح هذه المنطقة يانوكوفيتش ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة في صدر اولويات برنامجه، وان اشار الى اهمية التفكير في الفيدرالية الاقتصادية مع منح الاقاليم اكبر قدر من الصلاحيات، وهو ما يغيب عن برنامج خصمه يوشينكو الذي يطرح اولوية تمويل البرامج الاجتماعية وخفض الضرائب. وحول العلاقة مع كل من الشرق والغرب يحاول كل من الطرفين مغازلة الآخرين ممن يقفون على مقربة. ففيما يقول يوشينكو بضرورة اقامة علاقات وثيقة مع موسكو التي ستكون الاولى في سلسلة زياراته الخارجية يشير يانوكوفيتش الى اهمية المزيد من التعاون مع الاتحاد الاوروبي، وكل القوى غربية كانت او شرقية، وان اشار الى ضرورة الحيلولة دون تدخل القوى الخارجية في شؤون اوكرانيا.

لكن الواقع طالما اكد في اوكرانيا وفي غيرها ان الشعارات الانتخابية ليست دائما القول الفصل والعلامة الفارقة في نشاط المرشحين في حال فوزهم ما يجعل الابواب مفتوحة امام الاحتمالات كافة.

وأبطلت المحكمة العليا الاوكرانية أمس بعض بنود قانون الانتخابات الجديد، فيما تشهد البلاد تعبئة دولية لا سابق لها للسهر على نجاح عملية الاقتراع وضمان عدم حصول تزوير في الانتخابات المقرر ان تبدأ اليوم. ودعا الرئيس الاوكراني ليونيد كوتشما المرشحين للرئاسة الى مصالحة.

وقضت المحكمة الدستورية الاوكرانية أمس ببطلان بعض التعديلات التي أدخلت على قانون للانتخابات لسد ثغرات عمليات تحايل هيمنت على الانتخابات الرئاسية في الشهر الماضي.

وصدر الحكم قبل أقل من 24 ساعة من فتح باب الاقتراع في جولة اعادة لانتخابات شهدت تلاعبا، وربما يتسبب في بعض الارباك مع قرب انتهاء حملة شرسة شابها تبادل للاهانات.

لكن رئيس المحكمة قال ان كل البنود الاخرى في القانون أجيزت وانه يعتقد بأن الاقتراع الجديد سيؤدي الى انتخاب رئيس شرعي.

ونقل عن رئيس المحكمة ميكولا سيليفون قوله للصحافيين «المحكمة الدستورية وضعت اللمسات الاخيرة ومن ثم يمكن اجراء الانتخابات استناداً الى الدستور... لكن لن يتمكن أحد من القول ان الرئيس المنتخب غير شرعي أو أنه انتخب بطريقة غير دستورية».

وتحدى رئيس الوزراء الاوكراني وفريقه بنود القانون الجديد الذي هو جزء من تشريعات أقرها البرلمان من أجل اجراء انتخابات اليوم. ونقلت وكالة «انترفاكس» عن بيان له اشار فيه الى ان المحكمة قضت بأن بنود القانون التي تحرم الناخبين طريحي الفراش من الادلاء بأصواتهم في المنازل تنتهك الحقوق المدنية وهي غير دستورية.

وقال القاضي ميكولا سيليفون ان «المحكمة رأت ان التعديل الذي يمنع اي مواطن باستثناء المعوقين من الدرجة الاولى من التصويت في المنزل مخالف للدستور». واضاف ان «قرار المحكمة الدستورية نهائي ولا يمكن استئنافه بأي شكل».

وقد اصدرت المحكمة قرارها بعد شكوى تقدم بها فريق مرشح الرئاسة فيكتور يانوكوفيتش الذي فاز في الدورة السابقة قبل ان يلغيها القضاء بسبب ما رافقها من عمليات تزوير.

وكانت التعديلات التي تحد من عمليات التصويت في المنزل والتي أسفرت عن العديد من المخالفات في 21 نوفمبر الماضي، اقرت في البرلمان في الثامن من ديسمبر (كانون الاول) قبل ان يصادق عليها الرئيس ليونيد كوتشما.

وينص القانون على ان الناخبين الذين يريدون التصويت في منازلهم لاسباب صحية عليهم الحصول على تصريح من اللجنة الانتخابية قبل الساعة الثانية عشرة وعشرين دقيقة بالتوقيت المحلي من أمس السبت.

ودعا الرئيس الاوكراني كوتشما ليل الجمعة ـ السبت المرشحين للانتخابات الى التعاون من اجل تحقيق مصالحة الشعب الاوكراني المنقسم بسبب هذا الاقتراع «التاريخي».

وقال كوتشما في كلمة بثها التلفزيون «من المهم جدا ان يجد المرشحان للرئاسة وبمعزل عن نتيجة الاقتراع، القوة لمد يد التعاون»، مؤكدا ان ذلك «مبادرة ضرورية للشعب الاوكراني الذي لا يمكن تقسيمه».

واثارت الانتخابات الرئاسية التي ستجري اليوم في خضم «الثورة البرتقالية»، اهتماما لا سابق له في البلدان الغربية التي أرسلت الى اوكرانيا عددا قياسيا من المراقبين تفاديا لوقوع عمليات تزوير انتخابية.

ووصل اكثر من 12300 مراقب اجنبي من أوروبا وأميركا وبلدان الاتحاد السوفياتي سابقا، الى اوكرانيا للسهر على حسن سير الانتخابات الرئاسية بعد ان ألغى القضاء نتائج الجولة الثانية في نوفمبر بسبب ما تخللها من عمليات تزوير.

وأرسلت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا نحو ألف مراقب للاشراف على «الجولة الثالثة»، بينما أرسلت كندا وحدها 500 آخرين.

وأوضح جان بيار أوليه من الوكالة الكندية للتنمية الدولية التي تمول البعثة التي ارسلت بطلب من الجالية الاوكرانية «تلقينا اكثر من أربعة آلاف طلب من عدة انحاء كندا للمشاركة في هذه المهمة التي يقودها رئيس الوزراء الكندي السابق جون تورنر».

وسترسل المعارضة عشرات الآلاف من المتطوعين الى مكاتب الاقتراع الاوكرانية الـ33 الفا.

وقالت ان عمليات تزوير يمكن ان تحدث رغم تشكيل لجنة انتخابية مركزية جديدة اكثر «شفافية» والتعديلات التي ادخلت على القانون الانتخابي للحد من عمليات التزوير.