الشرع: المشروع الأصلي للقرار 1559 سقط في التصويت وكان يطالب سورية بانسحاب فوري من الأراضي اللبنانية

تساءل عما إذا كانت القوات السورية في لبنان«أجنبية» أم «أخوية»

TT

أكد وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، في كلمة ألقاها أمس في افتتاح مؤتمر فروع الجبهة الوطنية التقدمية (الائتلاف السياسي الحاكم في سورية)، أن آفاق السلام في المنطقة، رغم الدعوات المتكررة لاستئناف المفاوضات، مسدودة، محملا إسرائيل مسؤولية ذلك لأنها تغلق باب السلام أمام الجميع، بمن فيهم أكبر حلفائها الولايات المتحدة، سواء كانت الولايات المتحدة قابلة بهذا الموقف الإسرائيلي ـ وهو شيء سلبي للغاية ـ أو أنها ترفض هذا الموقف الإسرائيلي ولا تستطيع أن تلزم إسرائيل باستئناف عملية السلام، مما يسجل انتقاصا من مصداقية الولايات المتحدة وعجزها عن أن تفي بتعهداتها كدولة عظمى وكراعية لعملية السلام منذ مطلع التسعينات. وفي هذا الإطار، قال الشرع إن سورية لم تتخل عن وديعة رابين، وهذه الوديعة هي عهدة لدى الولايات المتحدة، ولا يستطيع أحد في الإدارة الأميركية أن يتخلى عن هذه الوديعة من جانب واحد، إلا إذا أرادت الولايات المتحدة أن تضرب عرض الحائط بمصداقيتها، حتى في ما يتعلق برعايتها لعملية السلام.

وقال الشرع «إن الجانب الإسرائيلي هو من يضع شروطا مسبقة على سورية. وهذه الشروط لا علاقة لها بالسلام، بل هي إحدى نتائج السلام، فعندما يطالبون بتفكيك المقاومة والانسحاب مثلا من لبنان تنفيذا للقرار 1559، وعندما يطالبون بنزع أسلحة الدمار الشامل، كل هذه الأمور تأتي كنتيجة للمفاوضات وليس كشرط مسبق عليها، في حين أن سورية لا تضع شروطا مسبقة، وإنما تقول إن متطلبات السلام التي من دونها لا يمكن أن يستطيع الإنسان التفاوض، هي: إذا كانت الأرض لن تعود، فعلى ماذا تفاوض؟»، مضيفا أن «الطرف الآخر يقول إنه كلما تفاوضنا يجب أن نعود إلى نقطة الصفر».

لذلك اعتبر الشرع أن مثل هذه المفاوضات ستكون عبثية لا جدوى منها، الهدف منها التفاوض من أجل التفاوض، وليس التفاوض من أجل الوصول إلى حلول، وقال:«أما نحن عندما نقول إننا نتمسك بوديعة رابين والبناء على ما تم إنجازه، وعودة الأرض إلى خط الرابع من يونيو (حزيران) عام 67، ومبدأ الأرض مقابل السلام، فهذه ليست شروطا مسبقة، وإنما هي جزء أساسي من متطلبات السلام». وعن القرار 1559، قال الشرع: «إن هذا القرار لم يوضح كثيرا في وسائل الإعلام، وانه أريد لهذا القرار والخلفيات التي سبقته وواكبته أن تكون بعيدة عن الأضواء وعن الأحاديث الدبلوماسية، وربما ولد هذا القرار في ظروف شبيهة بظروف اتفاق «سايكس ـ بيكو» عام 1916، الذي لم يعلم به أحد إلا بعد مرور عام أو أكثر عليه. ولكن القرار 1559 لم تمر أيام إلا وعلمنا به. وأنا هنا لا أقصد القرار 1559 بنصه الحالي، فقد كان مشروع القرار خطيرا جدا ولا يقارن بخطورة القرار 1559، ولم يصدر لأنه لم ينجح في مجلس الأمن لعدم حصوله على الأصوات الكافية، وحين يقول بعض الإعلاميين في بيروت أو إسرائيل أو واشنطن أو باريس، أو يقول من هم خصوم وليس الأصدقاء أن سورية تقف متحدية المجتمع الدولي إذا لم تنفذ القرار 1559، هذا الكلام غير دقيق وغير صحيح، فمشروع القرار في الأصل لم يصدر وسقط في التصويت داخل مجلس الأمن وبطريقة سرية واتصالات دبلوماسية هادئة لم يعلم بها من هم خارج مجلس الأمن، ومشروع القرار في الأصل، والذي لم ينجح، هو الذي كان يطالب سورية بالانسحاب الفوري وبتحميل سورية إجراءات إضافية إذا لم تنفذ خلال شهر واحد هذا الانسحاب. والمشكلة هي أن كوفي أنان حين بنى تقريره بناه على مشروع القرار الذي لم ينجح ولم يبنه على القرار الذي صدر بالإجماع تحت رقم 1559 والمتداول بيننا. وحتى في وسائل الإعلام يفسرون أحيانا مضمون هذا القرار الذي لا يتحدث عن سورية ولا يشير إلى سورية، وكأنهم يتحدثون عن مشروع القرار الذي لم ينجح والذي بنى أنان تقريره بالخطأ عليه. وباعتقادي أن هذه الخطيئة يجب ألا ترتكب من أعلى هيئة سياسية في العالم، معنية بالأمن والسلم الدوليين، لكن هذا حصل وعلينا أن نكون منتبهين إلى أن ما يقصد أحيانا في بعض المقالات والتصريحات، ومنها أميركي، تقول إن سورية تقف في مواجهة المجتمع الدولي، هذا غير صحيح، فنحن لا نقف في مواجهة المجتمع الدولي، بل على العكس، فالمجتمع الدولي لم يقبل ما طلبته فرنسا وأميركا في مشروع القرار الأول، ونحن من حيث المبدأ مع سيادة لبنان وسلامة أراضيه ووحدة ترابه واستقلاله، ولا يوجد أكثر من ذلك في هذا القرار الذي لا يتحدث عن سورية أساساً بل عن انسحاب قوات أجنبية، ولا نريد أن ندخل في جدل هل سورية قوات أجنبية أو غير قوات أجنبية في لبنان، نحن نتركها للبنانيين الذين هم يقررون ويقدرون إن كانت سورية موجودة في لبنان كقوات أجنبية أو قوات أخوية، وإن ما يحكم العلاقات بين سورية ولبنان هو اتفاق الطائف والاتفاقات الموقعة بين البلدين الشقيقين سورية ولبنان. واتفاق الطائف يتضمن نصوصا صريحة وواضحة لكل الأطراف المعنية بتنفيذها». وأضاف الشرع «المؤسف في هذا الإطار أن هناك بعض الأقلام التي تتمسك بمضمون مشروع قرار لم ينجح، وهناك نقطة أخرى تتعلق بهذا المشروع الذي لم ينجح والقرار الذي صدر هو أنه تمت مناقشة الأول وأقر الثاني قبل أن يمدد للرئيس اللبناني اميل لحود». واستعرض الشرع العلاقات السورية ـ الفرنسية، «منذ أن أمر الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول بوقف إمداد إسرائيل بالأسلحة الفرنسية في اليوم التالي من حرب يونيو (حزيران) 1967، احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على سورية ومصر والأردن، وهذا موقف لا يمكن أن ننساه لفرنسا. واستمرت سورية تثق ثقة عمياء بالسياسة الفرنسية، وخاصة حين طالبت سورية الفرنسيين بالمساهمة في عملية الإصلاح الإداري في سورية». وقال: «كان مفاجئا لسورية ذلك الموقف الفرنسي حين ذهبت فرنسا إلى مجلس الأمن، من دون وجود شكوى لبنانية أو سورية أو وجود أي مشكلة حادة مستعصية على الحل أو وجود ذريعة للذهاب إلى مجلس الأمن».

وأشار الشرع إلى أنه «لدى لقاء الرئيسين جاك شيراك وجورج بوش، قيل إن شيراك طلب من بوش انسحاب سورية من لبنان، لكننا لم نأخذ هذا الكلام على محمل الجد». وقال الشرع إنه التقى نظيره الفرنسي في شرم الشيخ وكان اللقاء إيجابيا جدا، وانه شرح له خلفيات القرار 1559، «فكان ذلك مفاجئا للوزير الفرنسي أن تكون تلك الخلفيات معروفة لدينا»، مما جعله يعتبر أن هذا اللقاء كسر الجليد بين دمشق وباريس، و«يمكن القول وبكل صراحة ان الخارجية الفرنسية لم تكن في كامل الصورة في هذا الموضوع».