يوشينكو رئيسا لأوكرانيا: «مستقبل البلاد ليس مرتبطا بموسكو ولا بواشنطن ولا بأوروبا أو بولندا»

أنصاره احتفلوا قبل إعلان فوزه.. وخصمه يانوكوفيتش يتعهد قيادة معارضة قوية

TT

لم تكن مراكز الاقتراع قد اغلقت ابوابها بعد، حين راح انصار فيكتور يوشينكو يحتفلون بفوزه في انتخابات الاعادة «الثالثة». وفيما كانت الموسيقى تصدح عالية في ميدان الاستقلال وسط العاصمة والذي صار رمزا لانصار «الثورة البرتقالية» عقدت زعيمة تجمع «الوطن» يوليا تيموشينكو، احد اهم اركان التحالف الموالي ليوشنيكو واكثرها تشددا، مؤتمرا صحافيا قالت فيه: ما دام انه الرئيس «الروسي» فلاديمير بوتين لم يهنئ فيكتور يانوكوفيتش بعد، فان ذلك يعني ان امور يوشينكو «تسير على ما يرام».

وقال يوشينكو امام الاف من انصاره: «الخبر الاول: لقد فزنا»، واضاف «علينا ان نحمي هذا الفوز. علينا ان نبقى معا على الدوام... اليوم بدأ عام سياسي جديد في اوكرانيا... هذه بداية حقبة جديدة وبداية ديمقراطية عظيمة جديدة». ورد المتظاهرون بالتصفيق والهتافات.

واضاف فيما وقفت الى جانبه زوجته وهي ترتدي ملابس برتقالية اللون، ومعاونوه وقد صبغ بعضهم شعره باللون البرتقالي ايضا، «طيلة 14 سنة كنا مستقلين، والآن اصبحنا احرارا». وبعدما دعا انصاره الى «تعزيز الحرية المكتسبة» قال ان «مستقبل البلاد ليس مرتبطا لا بموسكو ولا ببولندا ولا باميركا ولا باوروبا... ان مستقبل اوكرانيا يتوقف علينا فقط» قبل ان يدعو كل الاوكرانيين الى ان «يشمروا عن سواعدهم» من اجل خدمة بلدهم.

ورغم ان اجواء العاصمة الاوكرانية كانت تشير الى ثقة انصار يوشينكو بفوزه، راح انصار غريمه يانوكوفيتش يروجون لغير ذلك على اعتبار ان كييف ليست كل اوكرانيا، فيما شكك بعض المشرفين على حملته الانتخابية في نتائح استطلاعات الرأي التي اظهرت تقدم يوشينكو بنسبة تزيد عن ستين في المائة عن يانوكوفيتش الذي حصل على نسبة تقترب من 38 في المائة، بحسب الاستطلاع ذاته. ولم تكن هذه الارقام بعيدة عن تلك التي بدأت تصدر تباعا عن اللجنة المركزية للانتخابات التي اعلنت صباح امس وبعد فرز نسبة 98.39 في المائة من اصوات الناخبين تفوق يوشينكو بنسبة 52.62 في المائة وحصول يانوكوفيتش على نسبة 43.98 في المائة.

وكشفت الخريطة الانتخابية الاوكرانية في شكل جلي الانقسام الواضح الذي تمثل في حصول يوشينكوعلى غالبية الاصوات في كل من غرب اوكرانيا ووسطها، بينما ظل جنوب شرقي البلاد على موقفه المؤيد ليانوكوفيتش وان تراجعت نسبة المناصرين له تحت تأثير الدعاية الناجحة لخصمه في هذه المناطق. ولعل ذلك يبدو واضحا ايضا في تحول عدد من مؤيدي يانوكوفيتش في الجولتين الانتخابيتين السابقتين الى فريق يوشينكو وابتعاد آخرين عن الساحة السياسية مؤقتا، ومنهم سيرجي تيجيبكو قائد حملته الانتخابية حاكم البنك المركزي الذي كان استقال من منصبه في اعقاب اعلان نتائج الجولة الثانية وظهور الخلافات على نتائجها، وآنا جيرمان سكرتيرته الصحافية التي تحولت للعمل في الصحافة.

وكان لافتا في العاصمة الاوكرانية امس ايضا مبادرة عدد من ممثلي فريق يانوكوفيتش الى تهنئة يوشينكو بالفوز قبل اعلان اللجنة المركزية للانتخابات نتائجها الاولية.

ولعل هذه التغييرات في المواقف والميول يمكن ان تكون تفسيرا لمبادرة يانوكوفيتش بعقد مؤتمر صحافي بسرعة مباشرة بعد اعلان اغلاق مراكز الاقتراع وقبل اعلان اي من النتائج الاولية.

وكان واضحا ان يانوكوفيتش يبدو قريبا من الاستسلام للهزيمة من خلال ما قاله عن انه لن يتعاون لاحقا مع يوشينكو وانه سيتحول الى المعارضة الحاسمة، وان اشار الى انه سيصمد وسيقاوم بكل السبل لتأكيد فوزه بهذه الانتخابات. ولم تمض سوى ساعات معدودة حتى ظهر مؤيدوه قرب مقر حملته الانتخابية يلوحون براياتهم الزرقاء متشحين بالاشرطة ذات اللونين الازرق والابيض التي تؤكد تأييدهم ليانوكوفيتش. لكن ما ان تقترب منهم لتبادل الحديث او استيضاح موقفهم من النتائج الاولية حتى تغدو على يقين من يأسهم وحزنهم على ضياع فوز الجولة الثانية، لكن احدا منهم لم يكشف اي ميول عدوانية او رغبة في انتهاج موقف مماثل لما سبق واتخذه انصار يوشينكو لاستعادة ما قالوا انه فوز سُلب منهم. وخمس دقائق فقط بين هذه الجموع قليلة العدد تكفي لجمع الكثير من المعلومات التي هي خليط من الاشاعات والاخبار عن اسباب انهيار مواقع يانوكوفيتش. منها ما يقال عن الخلاف العميق الذي دب بين يانوكوفيتش والمليونير التتاري رنيات احمدوف الذي اعتبر الممّول الرئيسي لحملته الانتخابية. ومنها ايضا ما يقال عن تبادل اللكمات بين يانوكوفيتش واحمدوف وبين يانوكوفيتش وآخرين ممن اتهمهم بالتقاعس وممالأة خصمه يوشينكو الذي يبدو انه نجح في استمالة الكثيرين من ممثلي السلطة الرسمية التي كان يانوكوفيتش رمزها الاول بصفته رئيسا للحكومة الاوكرانية. وكان الكسندر اموليتشينكو، عمدة كييف، اول من اعلن صراحة انحيازه ليوشينكو حين سمح لانصاره باحتلال وسط العاصمة واقامة مخيماتهم في اكبر شوارعها وحظر تدخل الشرطة للحيلولة دون حركة المتظاهرين وما قاموا به لحصار المؤسسات الرسمية.

واذا كان عدد من انصار يانوكوفيتش يحاولون اليوم تبرير هزيمتهم التي كانت متوقعة بوقوع الكثير من الانتهاكات وحالات التزوير، فإن الواقع يقول بأن هذه الخروقات لم تكون لتؤثر على مسار الحملة الانتخابية في وقت يعتزم فيه آخرون الطعن في النتيجة استنادا الى قرار المحكمة الدستورية الصادر قبل موعد الانتخابات بأقل من 48 ساعة في شأن احقية المرضى والمقعدين من الدرجة الاولى بالتصويت في مكان اقامتهم. وفي تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» عن احتمالات الطعن في نتائج الانتخابات استنادا الى قرار المحكمة الدستورية في هذا الشأن، قالت يوليا تيموشينكو، ان القرار لم يكن ليؤثر على النتيجة وان اي قرار قضائي لا يمكن ان ينال من ارادة الشعب. وان اشارت الى اعتزازها بالقضاء الاوكراني في ضوء ما صدر عن المحكمة العليا من قرارات ابطلت نتائج الجولة الثانية. وعن علاقة اوكرانيا بروسيا في الفترة المقبلة، أكدت تيموشينكو «ضرورة قيام علاقات متكافئة ليس فيها مكان للشقيق الاصغر او الاكبر»، وانتقدت تصريحات الرئيس بوتين التي اكد فيها استعداده للتعاون مع يوشينكو على ان يتخلص من العناصر المعادية لروسيا بين اعضاء فريقه.

وفي الاطار نفسه، لم يسارع الرئيس بوتين مثلما فعل في الجولة السابقة، الى تهنئة الرئيس الاوكراني الجديد، في الوقت الذي كان فيه ميخائيل ساكاشفيللي، رئيس جورجيا رمز «الثورة الوردية» او «ثورة الزهور»، اول من بادر بتهنئة يوشينكو، فيما اعرب صراحة عن سعادته بنجاح الثورة البرتقالية في العاصمة التي شهدت الكثير من سنوات صباه ابان دراسته في معهد كييف للعلاقات الدولية.

وفي اول رد فعل صريح على فوز يوشينكو اعترف تاراس تشيرنوفيل، رئيس الحملة الانتخابية ليانوكوفيتش، بالهزيمة. وقال ان فوز يوشينكو يفتح الباب امام ظهور معارضة فاعلة قد تفيد كثيرا لدى تشكيل التحالفات والقوى استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة في عام 2006. وإذ اشار الى ان العملية الانتخابية لم تكن تتسم بالشفافية فيما شهدت الكثير من الانتهاكات الديمقراطية، قال ان يوشينكو تراجع عن الكثير من التزاماته التي تعهد بها امام حلفائه الجدد بعد الجولة الاولى مما قد يفضي الى انفراط عقد تحالفاته مع الكسندر موروز زعيم الحزب الاشتراكي وتحول الاخير الى صفوف المعارضة وهو الذي بدونه لم يكن يوشينكو ليحقق مثل هذا الفوز.

وكانت يوليا تيموشينكو كشفت ايضا احتمالات التراجع تجاه الكثير من قرارات الخصخصة التي صدرت ابان عهد الرئيس ليونيد كوتشما. وقالت بضرورة استعادة الدولة للعديد من المؤسسات والمصانع التي آلت الى عدد محدود من الاثرياء الجدد بأثمان لا تتناسب مع قيمتها الحقيقية.

وتحفظت على التعليق على احتمالات فوزها بمنصب رئيس الحكومة الاوكرانية الذي توقعه لها الكثيرون، وقالت ان هناك عددا من الاتفاقات مع يوشينكو تنظم عملية التعاون لاحقا، من دون الاشارة الى موقعها في فريق الرئيس الجديد.

وكانت موسكو اعربت عن عدم ارتياحها لاحتمالات تولي تيموشينكو مثل هذا المنصب في الوقت الذي اتهمتها فيه مصادر قريبة من الكرملين بالتطرف وطالبت النيابة الروسية العامة باعتقالها عبر الانتربول لاتهامها في قضايا رشوة وفساد تتعلق بمسؤولين في وزارة الدفاع الروسية.

ورغم ان موسكو الرسمية لم تعلن تهنئتها بعد فقد بادر ممثلوها في فريق المراقبين الدوليين للاشراف على الانتخابات بالإعراب عن ارتياحهم لانتهاء العملية الانتخابية. وقالت ليوبوف سيسكا النائبة الاولى لرئيس مجلس الدوما، ان الشعب الاوكراني حدّد خياره في شكل ديمقراطي، فيما اعربت عن سعادتها بانتهاء ما وصفته بالماراثون الانتخابي. اما ديمتري روجوزين رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «رودنيا» في مجلس الدوما المعروف بعلاقته الوثيقة مع الكرملين فقد اشار الى ان ما جرى من تجاوزات خلال انتخابات الاحد الماضي لم يكن ليؤثر على النتيجة العامة وهو ما يمكن اعتباره اشارة واضحة الى فريق يانوكوفيتش بعدم جدوى الطعن في مشروعية النتيجة.

وفي الوقت الذي يعرب فيه ممثلو اليمين الروسي بزعامة يوريس ينتمسوف عن سعادتهم بالنتيجة التي اعتبروها هزيمة للكرملين، تتخذ القيادة الاوكرانية الجديدة موقفا مرنا تجاه سياسات موسكو.

وتحدث كثيرون من فريق الرئيس الجديد عن رغبة صادقة في اقامة علاقات متكافئة مع روسيا ما يفتح الباب امام احتمالات علاقات نوعية مغايرة بين الطرفين. وكان فيكتور يوشينكو سبق وقال ان موسكو ستكون اولى محطات قطار زيارته الخارجية عقب الاحتفالات الرسمية بتنصيبه في يناير (كانون الثاني) العام المقبل.