جدل في الأوساط الأميركية حول إدراج «حزب التحرير» ضمن قائمة المنظمات الإرهابية

مؤسستان محافظتان تدعوان لضمه في القائمة السوداء والمتحفظون يقولون إن الخطوة ستحوله إلى «قاعدة أخرى»

TT

إنها جماعة اصولية تدعو المسلمين لتنفيذ عمليات انتحارية ضد «الكفار» الأميركيين وقتل اليهود، وتدعو علنا لتغيير كل الحكومات القائمة في منطقة الشرق الأوسط وتبديل الخلافة بها، كما تشجب «الحملة الأميركية لقمع الإسلام». وقد تم حظر هذه المنظمة في كل البلدان العربية إضافة إلى تركيا وباكستان وروسيا وفي آسيا الوسطى حيث اعتقل المئات من أعضائها. كما حظرت المنظمة في ألمانيا بسبب «دعمها لاستخدام العنف كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية»، حسبما جاء على لسان ناطق باسم وزارة الداخلية الألمانية.

لكن إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش التي حددت أكثر من 390 منظمة وفردا باعتبارهم «إرهابيين عالميين» تجنبت إضافة هذه المنظمة بالتحديد الى القائمة السوداء. وقد أصبحت كيفية التعامل مع «حزب التحرير الإسلامي» مركز حوار داخل وخارج إدارة بوش بين أطراف تعطي وزنا أكبر لوعد الرئيس بتحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير على حساب ضرورات محاربة الإرهاب.

ويضغط حاليا معهدان محافظان للدراسات الاستراتيجية هما «مركز نيكسون» و«ومؤسسة هيريتيدج» على الإدارة الأميركية لاعتبار «حزب التحرير» منظمة إرهابية، بينما تعترض منظمات عديدة مثل «هيومن رايتس ووتش» و«منظمة الأزمات الدولية» التي مقرها بروكسل وخبراء من مؤسسة «كارنيجي» ومعهد «بروكينغز» على خطورة الاقدام على هذه الخطوة على اعتبار أنها ستزيد من التطرف.

واجرت زينو باران من «مركز نيكسون» سلسلة من الحلقات الدراسية هذا العام في أنقرة وواشنطن لتسليط الضوء على أهداف الحزب الثورية وتكتيكاته. وحاججت باتجاه عدم حماية هذا التنظيم من منطلق الدفاع عن حريتي التدين والتعبير. وقالت باران: «هذا الحزب ليس تنظيما دينيا، إنه حزب سياسي يستخدم الدين كأداة» وهو يتحرك صوب العنف.

لكن آخرين يحاججون ضد وضع هذا التنظيم ضمن القائمة السوداء. وقالت أكاسيا شيلدز رئيسة الباحثين في مركز آسيا الوسطى التابع لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، ومقره نيويورك: «لن يفيد استهداف تنظيم سلمي مسلم. يجب أن يكون هناك تمييز بين المسلمين الذين نختلف معهم مع أولئك المسلمين المتورطين بالعنف».

وعلى الرغم من شعاراته وخطبه النارية عبر موقعه على الإنترنت، فإن «حزب التحرير الإسلامي» لا يدعو لاستخدام العنف علنا كوسيلة للوصول إلى الحكم، ولم يثبت تورطه في أنشطة إرهابية، حسبما قال مسؤولون من الخارجية الأميركية.

وللحزب أتباع كثيرون في آسيا الوسطى وبعض المسؤولين الأميركيين يقولون إن أي قرار بادراجه ضمن المنظمات الارهابية، يمكن أن يحوله إلى تنظيم مماثل لـ «القاعدة»، وهذا ما سيقوض جهود الولايات المتحدة لتشجيع ظهور منظمات إسلامية معتدلة في المنطقة.

وهذه القضية قد تتعقد أكثر بسبب علاقة الولايات المتحدة بأوزبكستان التي سمحت للأميركيين باستخدام إحدى قواعدها الجوية لشن حملات عسكرية ضد «القاعدة» داخل البلد المجاور لها: أفغانستان. وعلى الرغم من أن «حزب التحرير الإسلامي» محظور داخل أوزبكستان فإنه أصبح الحزب الأساسي المعارض للحكومة العلمانية في أوزبكستان. وبالنسبة لبعض منظمات حقوق الإنسان الأميركية، فإن الحزب أصبح رمزا للنضال من أجل الحريات الدينية والسياسية ضد حكومات قمعية من هذا النوع.

وقال مسؤول رفيع من الإدارة الأميركية طلب عدم الكشف عن هويته، إن التطرف الإسلامي في آسيا الوسطى هو «خطر متزايد وجاد لم يتم حتى الآن تقييمه على حقيقته من قبل الناس في هذه المنطقة». وسمى حزب التحرير بـ «المصنع» المنتج لأفكار متطرفة لكنه قال إنه ما زال غير مقتنع بضرورة اعتباره ضمن التنظيمات الإرهابية. واضاف نفس المسؤول: «هم يقولون إنهم يريدون الإطاحة بالحكومات العلمانية، وإنه أمر مقبول استهداف مبان بالطائرات، لكنهم يزعمون أنهم ضد العنف. إنهم يستخدمون لغتنا ضدنا. إنه من الصعب الامساك بدليل ضدهم».

وتهدف استراتيجية الإدارة الأميركية في جزء منها إلى السعي لإقناع زعماء دول آسيا الوسطى للسماح بالمنظمات الإسلامية المستقلة والمعتدلة للعمل بشكل شرعي. لكن القادة الأوزبكيين قالوا إنهم لم يجدوا أي شيء معتدل في أهداف «حزب التحرير الإسلامي». وقال ذخر الدين حسن الدينوف مستشار الرئيس إسلام كريموف في مؤتمر نظمه «مركز نيكسون» بواشنطن في أكتوبر (تشرين الاول) الماضي: «إنه أمر أساسي حظر كل التنظيمات الدينية الراديكالية التي تولد ايديولوجيتها الإرهاب الدولي».

وقال مسؤول حكومي أميركي رفيع «إنه لغز معقد بالنسبة للحكومة الأميركية. فنمط خطاب المنظمة رديء حقا. والسؤال المطروح هو: هل لديهم الحق في التمتع بحرية التعبير؟».

وظلت الحكومات العربية تطرح نفس هذا السؤال بخصوص هذا الحزب منذ تأسيسه قبل 52 عاما. فقد تشكل هذا التنظيم عام 1952 على يد القاضي الفلسطيني تقي الدين النبهاني الذي عاش في القدس الشرقية التي كانت تحت السلطة الأردنية. وجاء ذلك التشكيل بعد انشقاقه عن «الإخوان المسلمين». ورفضت السلطات الأردنية الاعتراف بالحزب وأوقفت عددا من قادته فأجبرته على العمل السري وهو ما زال ينتشر ببطء عبر العديد من مناطق العالم الاسلامي. ولهذا الحزب فروع في ما بين 30 الى 40 بلداً ابتداء من اندونيسيا وانتهاء بالدنمارك. وينشط الحزب خصوصاً بين طلبة الجامعات ومرتادي المساجد.

وتورط «حزب التحرير الإسلامي» في محاولتي انقلاب في الأردن ومصر قبل تخليه عن العنف في منتصف السبعينات. وعندما توفي النبهاني عام 1978، تسلم القيادة فلسطيني آخر هو عبد القديم زلوم، وهو أكاديمي تخرج من جامعة الأزهر في القاهرة وظل زعيما للحزب حتى وفاته في أبريل (نيسان) 2003. ويرأس الحزب حاليا الشيخ عطا عبد الرشتا وهو أكاديمي إسلامي فلسطيني، ولا يعرف عنه الكثير بما في ذلك مكان إقامته.