ناج من الكارثة: وقفنا نراقب بفضول الموجات العاتية وفجأة اختفى كل شيء

ألف شخص قتلوا في ملعب لكرة القدم واجلاء المستشار الالماني السابق هلموت كول من سري لانكا * السعودية تقدم 10 ملايين دولار لمساعدة الضحايا

TT

روى باولو كوتينو، وهو صحافي برتغالي كان قريبا من مدينة فوكت التايلاندية السياحية مع أسرته عندما اجتاحتها الاحد امواج المد البحري الهائلة «طوتنا دوامة في جوفها، وبدا لنا الامر وكأنه لن ينتهي أبدا». وكتب كوتينو، المقيم في ماكاو بالصين، في بريد إلكتروني الى رئاسة تحرير صحيفته، نشرته وكالة الأنباء البرتغالية «ها أنا أتمكن أخيرا من الاتصال بكم. أنا وزورا وجيل (طفلاه) في المستشفى. كل شيء على ما يرام، لكننا منهكون». واضاف: «جرفتنا دوامة وطوتنا في جوفها. وبدا الامر وكأنه لن ينتهي ابدا. لم نكن نعرف ما الذي ينتظرنا. وبدا الأمل في البقاء على قيد الحياة يتضاءل».

وكان كوتينو يتنزه صباح الاحد على شاطئ كاو لاك، الذي يبعد 70 كلم عن فوكت شمالا، مع زوجته وطفليه عندما كانت أول موجة هائلة من عدة موجات تتشكل قرب الشاطئ. وروى السائح البرتغالي: «شاهدنا البحر يتراجع بضعة امتار في الوقت الذي بدأت تتكون فيه موجة عالية بيضاء، أخذ الكل على الشاطئ يراقبها بفضول اكثر منه خوف». وأضاف: «هذا يفسر بالتأكيد ما شعرنا به من أمان زائف»، موضحا ان العديد من الأشخاص اقتربوا من المياه، لكن فجأة سرعان ما اجتاحت موجة عملاقة الشاطئ لعدة امتار جارفة ومدمرة كل ما في طريقها، مما أدى الى اختفاء كل المباني والاكواخ المحيطة. وعندها حاولت أسرة كوتينو الاحتماء بكوخ خشبي، الا ان دوامة مائية سحبتها وطوتها في جوفها. وتابع: «زورا بقيت الى جانبي... لكننا لم نعد نرى جيل وبليندا. وبعد ساعات عثرنا على الصغير جيل في المستشفى». أما بليندا فهي واحدة من خمسة برتغاليين مفقودين لا يزال البحث عنهم مستمرا.

وقد قدمت السعودية امس 10 ملايين دولار مساعدات اغاثة عاجلة للمنكوبين في المنطقة.

الى ذلك تم إجلاء المستشار الألماني السابق هلموت كول على متن مروحية عسكرية من منطقة غالي بسريلانكا، حيث كان محتجزا منذ أن ضرب المد البحري، الناتج عن الزلزال ذلك البلد. وأرسلت القوات الجوية مروحية إلى المنزل، الذي يقيم فيه كول في تالبي، إحدى ضواحي غالي، وانزلته في قاعدة جوية مجاورة في كاتوكوروندا جنوب كولومبو. ونقل بعد ذلك الى المستشفى في سيارة.

وقد تضاءلت الآمال أمس في العثور على سائحين مفقودين في بعض اكثر منتجعات آسيا شعبية بعد يومين من تعرض سواحل المحيط الهندي لموجات المد القاتلة. والاغلبية الساحقة من الضحايا في الهند واندونيسيا وسري لانكا وتايلاند وماليزيا وجزر المالديف من السكان المحليين، غير أن مئات الاجانب الذين كانوا يستمتعون بعطلة عيد الميلاد لقوا حتفهم. وقالت ديبي بيتس، 39 عاما، من ساري في جنوب بريطانيا، انها كانت تتناول الافطار في الفندق الذي كانت تقيم به في منتجع اهونجالا في سري لانكا حين وقعت اول موجات المد. وأضافت: «كانت المياه تدور حول الفندق وكان هناك أثاث وأشخاص يصرخون وكانوا يفرون بحياتهم بالمعنى الحرفي للكلمة». وقالت للصحافيين في مطار هيثرو بلندن «كان هناك زجاج يتهشم وكانت القوة مرعبة. كان هناك أشخاص في الأسفل يقذفون من الابواب. كان الخوف من المجهول، وكنا محظوظين للغاية». وما زالت المعلومات حول مصير السائحين نادرة، حيث تكافح السلطات من أجل التعامل مع الدمار الذي خلفته أمواج المد التي وصل ارتفاعها الى عشرة امتار سببها زلزال قوته تسع درجات قبالة ساحل اندونيسيا، وهو اكبر زلزال يشهده العالم خلال 40 عاما. وكثير من القتلى اطفال، بينهم الاسترالية ميلينا هيبيل التي تبلغ من العمر ستة أشهر والتي انتزعت من أذرع أبويها في فوكيت في تايلاند. وقال مسؤولون استراليون، ان ستة استراليين، بينهم طفلان ومراهق قتلوا في تايلاند. وذكرت وسائل اعلام في سنغافورة أن اثنين من سنغافورة قتلا، أحدهما في فوكيت والآخر في سري لانكا.

وفي طوكيو، قالت الحكومة انه تأكدت وفاة يابانيين اثنين في فوكيت، أحدهما ابن دبلوماسي ياباني، عمره ثمانية أعوام. وأضافت أن مصير 19 كانوا بين نحو 1300 ياباني في رحلات في المنطقة لم يتأكد بعد.

وانهالت المكالمات الهاتفية على الخطوط الساخنة التي أقامتها وزارات الخارجية وشركات السياحة من الاقارب والسلطات القلقة التي سارعت للتأكد من سلامة مئات السائحين الذين لم تسمع أخبار عنهم. وقالت مجموعة «اكور» للفنادق التي تتخذ من فرنسا مقرا أول من أمس، انه ليست لديها أخبار حتى الان عن نحو 500 سائح وموظف في فندق سوفيتل التابع لها على شاطئ كاو لاك في جنوب تايلاند. وأضافت المجموعة أن نحو 350 سائحا و250 موظفا كانوا بالفندق حين اجتاحته الامواج العملاقة يوم الاحد. وقد يرتفع عدد القتلى والمفقودين من السائحين حيث ان هذه ذروة الموسم السياحي في المكان الذي يحظى بشعبية في قضاء الاجازات لمن يسعون الى الهروب من كآبة الجو في الشمال. وقالت وسائل إعلام بريطانية، انه من المعتقد أن عشرة آلاف بريطاني كانوا يقضون اجازاتهم حين دمرت أمواج المد الشواطئ الهادئة.

وقال لويد دينيسون، 25 عاما، الذي يقيم في مدينة قريبة من لندن، وكان في فوكيت في تايلاند، «كنا مستلقين في الفراش حين سمعنا كل هذا الصراخ. كان هناك ناس يركضون في الشارع، تتبعهم المياه. ثم اكتسحت الدراجات النارية ثم السيارات. كانت فوضى. وكأن نهرا يتدفق بسرعة كبيرة للغاية». وقال مسؤول استرالي ان هناك ما يقدر بنحو سبعة آلاف استرالي في المناطق المتأثرة، معظمهم في تايلاند.

وفى اندونيسيا، يرقد نحو ألف شخص قتلوا عندما اصابت أمواج المد المنطقة وهم يشاهدون حدثا رياضيا. وقال محمود عزاف الذي فقد أطفاله الثلاثة في موجة المد «كنت في الملعب كحكم، وفجأة جاءت الامواج ـ ونجاني الله ـ علقت بفرع شجرة». فيما قال رجل الاعمال السري لانكي، واي. بي. ويكرامسينج، وهو يفحص انقاض متجره لمعدات الغطس في بلدة جالي المدمرة «هذا أسوا يوم في تاريخنا... ليتني مت. لا جدوى من البقاء على قيد الحياة». أما في الجزر الهندية النائية التي تعرضت الى مأساة كبيرة، فقد بدأ عمال الاغاثة أيضا في الوصول الى جزر اندامان ونيكوبار المعزولتين قرب مركز الزلزال ولم يعثروا الا على 500 ناج من سكان جزيرة تشورا التي كان يقطنها 1500 نسمة. وقال س. فاسوديفا راو، نائب رئيس الشرطة في المنطقة، في اتصال هاتفي مع «رويترز» من العاصمة بورت بلير «اعتقدنا أن الجزيرة كلها غرقت في المياه. الا أننا وجدنا 500 ناج». ولم يسمع أحد شيئا أبدا منذ يوم الاحد من جزر كثيرة كان يقطنها الالاف منها نيكوبار العظمى التي هي الاقرب الى مركز الزلزال قبالة جزيرة سومطرة الاندونيسية. وتقول الشرطة انه تم التأكد من مقتل ثلاثة الاف شخص، ويعتقد أن الفين آخرين قتلوا في سلسلة جزر تقع الى أقصى الشرق على الحدود مع اندونيسيا وميانمار، حيث يعيش بعض من أكثر القبائل الهندية بدائية. وتعرضت الجزر لسلسلة من الهزات المعتدلة. وأظهرت لقطات تلفزيونية حطام قاعدة جوية في جزيرة كار نيكوبار، حيث تقول السلطات ان نحو مائة من افراد القوات الجوية وعائلاتهم يقيمون هناك، هم في عداد القتلى أو المفقودين بعدما اجتاحت المنطقة موجات عاتية يزيد ارتفاعها عن المباني المؤلفة من طابقين.

وقال ماهيش اباساني، المتحدث باسم القوات الجوية في نيودلهي، بعد العودة من جولة لتفقد الاوضاع «هناك المئات والمئات من المفقودين. الاضرار فادحة». ولا يمكن الوصول الى كثير من الجزر سوى عن طريق الزوارق او بالهليكوبتر، وبعضها يحتاج الوصول اليها للإبحار لعدة أيام لتقديم العون. وقال وزير الداخلية الهندي شيفراج باتيل، ان العدد الكبير للمفقودين يعني أن حصيلة القتلى في الهند من المرجح أن تزيد كثيرا، وأضاف في مؤتمر صحافي بمدراس عاصمة ولاية تاميل نادو التي تضررت كثيرا «الموقف قاتم للغاية. وفي الوقت الذي لا نستطيع فيه إعادة الذين ماتوا للحياة، الا أنه يمكننا ويتعين علينا ان نحاول مساعدة أولئك الذين نجوا». وقتل 3670 على الأقل في ولاية تاميل نادو، وأغلب القتلى نساء وأطفال من عائلات الصيادين الفقراء. وقد اجتاحت المياه قرى صيادين بالكامل. وقال كولاندا فيلو في كودالور، أحد أسوأ المناطق تضررا، والواقعة على بعد 170 كيلومترا جنوب مدراس «لا أعتقد أن ابني وابنتي خرجا سالمين وسط هذا الدمار». وتابع وهو يقاوم دموعه خارج مخيم إيواء أقامته الحكومة «الا أنني آمل وأصلي من أجل ان نجد على الأقل جثتيهما كي نستطيع أن نلقي عليهما نظرة اخيرة وندفنهما بطريقة لائقة».