في إطار لعبة القط والفأر الجارية مع المهاجمين الذين يستغلون سياسة توظيف العمال المحليين

العسكريون الأميركيون يشددون إجراءات الأمن في قواعدهم في العراق

TT

يدرك القادة العسكريون الأميركيون جيدا أن المتمردين العراقيين يستغلون سياسة توظيف العراقيين في قواعدهم العسكرية، لكنهم يقولون إن هذه السياسة لن تتوقف، متجهين في المقابل نحو تشديد الإجراءات الأمنية في هذه القواعد. وقد كشفت ثغرات السياسة الأميركية في 21 ديسمبر (كانون الأول) عندما قام انتحاري عراقي يرتدي الزي العسكري بتفجير حمولته من المتفجرات في قاعة للطعام بإحدى القواعد الرئيسية في الموصل، مما أدى إلى قتل 22 شخصا من ضمنهم 14 من الجنود الأميركيين.

وقد صارت الإجراءات الأمنية أكثر تشددا منذ ذلك اليوم في قاعات الطعام في بعض المعسكرات، إذ يطلب مسؤولو الأمن إبراز البطاقات الثبوتية ويمنعون الدخول بأية أحمال على الظهور. ويقول المسؤولون إنهم يراجعون الإجراءات بصورة دائمة لمنع أية هجمات مشابهة في المستقبل، ولكنهم يقولون إن تسرب المتمردين إلى القواعد لا يمكن إيقافه. قال اللفتنانت كولونيل دان ويلسون، نائب مدير العمليات الجارية في فرقة المارينز الأولى: «إنهم يحاولون التسلل إلى القاعدة بأكثر من طريقة، فيلتقطون الصور، ويصورون أفلام الفيديو، ويرسمون الخرائط، ويحتجزون الأفراد الذين يخرجون من القاعدة لتخويفهم وابتزازهم، وإجبارهم على تزويدهم بالمعلومات حول وجود المرافق المختلفة داخل القاعدة، وفي حالة الرفض فإنهم يعذبونهم حتى يستجيبوا. ونحن نعرف أن كل ذلك يحدث بصورة نشطة ودائمة».

ويشبّه المسؤولون حماية قواتهم بلعبة القط والفأر مع المتمردين العراقيين، فهم يغيرون تكتيكاتهم دائما لتناسب التغييرات التي يجريها المتمردون العراقيون. واستغل المتمردون كذلك ميل الولايات المتحدة الى إعطاء دور أكبر لقوات الأمن العراقية، ومعاملتهم كأنداد وإعطائهم الفرصة للقيام بمهامهم لوحدهم من دون مساعدة من الأميركيين. ومع أن العراقيين العاملين في القاعدة يخضعون للفحص، إلا أن الأميركيين يعترفون بأنهم لا يفتشون القوات العراقية داخل القاعدة العسكرية، وأن هذه المهمة تترك لقادتهم العراقيين. وقال ويلسون: «نحن لا نفحص القوات العراقية بصورة منهجية ومنتظمة، بل نترك ذلك لحكومتهم. وهناك عنصر ثقة يجب أن يتوفر بينهم وبين المارينز الذين يعملون معهم». وقال ويلسون إن مسؤولين عسكريين رفيعي المستوى طلبوا من قادة القواعد مراجعة قواعد سلامة القوات، ولكن سياسة تشغيل العراقيين في القواعد لن تتغير. ومع أن ويلسون رفض الدخول في أية تفاصيل حول طبيعة الأفكار المتداولة لتعزيز إجراءات السلامة، إلا أنه قال إن مثل هذه الأفكار يجري تداولها حاليا.

ولكن ثمة تغييرات ظاهرة مع ذلك. فالجنود صاروا يحرصون على إبراز بطاقاتهم أثناء فترة تناول الوجبات. ولا يسمح بارتياد حوض السباحة بمعسكر الفلوجة إلا لأولئك الذين يحملون بطاقات وزارة الدفاع. وتوظف كثير من القواعد الأميركية العشرات من العراقيين وغيرهم من المتعهدين لقيادة الشاحنات وللعمل بالإنشاءات والنظافة. ويصاحب فرق العمل العراقية في العادة، حرس تعينه سلطات القاعدة. ويقيم بعض العراقيين في القاعدة ولا يخبرون أسرهم بأماكن عملهم خوفا عليهم من عمليات الانتقام. وليس أمام هؤلاء خيارات واسعة نسبة لانعدام فرص التشغيل. وقال فني كهرباء اسمه محمد يعمل بمعسكر الفلوجة: «كل الناس خائفون بالطبع. هؤلاء الناس مجرمون، ويمكن أن يفعلوا كل ما يخطر بالبال من أجل إيذاء الناس. ولكننا لا يمكن أن نعثر على وظيفة جيدة إلا في مثل هذه الأماكن».

وقال محمد إنه وزملاءه، يعيشون في القاعدة، بعد أن جاءوا من بغداد. ونظرا لبعد الموقع عن بغداد فإن الأخبار حول عملهم هناك لم تتسرب إلى الخارج. وقال إن العراقيين يتزاحمون طلبا للوظائف في هذه القواعد لأنهم لا يملكون بديلا. وقال: «يعتمد عيشنا حاليا، في العراق، على الأميركيين. وهذا هو أفضل خيار أمامنا».

وقال العمال الذين معه إنهم بشكل عام راضون عن الطعام الذي يقدم لهم في القاعدة. وقالوا إنهم يحبون اللحم والدجاج، فضلا عن الصودا التي تزدحم بها الثلاجات في كل قاعات الطعام بالمعسكر.

يعبر الجنود الأميركيون عن ريبة شديدة تجاه العمال العراقيين داخل المعسكر. وقالوا جميعا إنهم يعتقدون بأن المقاولين ينقلون المعلومات إلى المتمردين بعد خروجهم من هناك. ولكن اللفتنانت غيلبرت يقول إن هذا لن يغير من سياسة التجنيد. وقال غيلبرت:«توظيف العناصر المحلية يساعد الاقتصاد. وهذا هدف نريد أن نحققه. نريد للاقتصاد العراقي أن يزدهر. ونريد أن يحصل العراقيون على الوظائف، وعلى الأموال وأن يتمكنوا من الوقوف على أرجلهم في زمن ليس ببعيد؟».

وقال إن إغلاق المعسكرات أمام العراقيين سيكون بمثابة «إغلاق الأميركيين كل أبوابهم بفعل الخوف والإضراب عن الذهاب إلى أي مكان. نحن هنا. وهم يعرفون أننا هنا، ونحن نعرف أنهم هناك. وهذه كلها بعض من حقائق الحياة».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)