جثث القتلى تعوق إغاثة الناجين.. والضحايا بلغوا 55 ألفا وسط مخاوف متزايدة من «مجاعة»

الزلزال غير خريطة آسيا وأدى إلى اهتزاز الأرض حول محورها وتحريك جزر سومطرة 20 مترا

TT

تضاعفت خلال ساعات أعداد ضحايا المد البحري القاتل الذي ضرب جنوب آسيا، وقال مسؤولون آسيويون إن عدد الضحايا في البلدان الآسيوية السبعة الأكثر تضررا من المد البحري والزلزال، بلغ ظهر أمس نحو 55 ألف قتيل، غير أنهم حذروا من أن العدد قد يرتفع بسبب الأعداد الكبيرة للمفقودين، خاصة في الجزر الهندية، مما يجعله أحد اسوأ الكوارث الطبيعية على الأطلاق.

إلى ذلك قال خبراء أميركيون في علم طبقات الأرض، إن الزلزال، الذي ضرب سومطرة، شمال إندونيسيا وبلغت قوته 9 درجات بمقياس ريختر، أدى إلى اهتزاز الأرض حول محورها وتحريك جزر سومطرة بسبب شدته. وقال الخبير في المعهد الجيولوجي الأميركي كين هودنوت، إن الزلزال الذي يقع مركزه على بعد 250 كيلومترا جنوب شرق سومطرة، أدى إلى إزاحة الجزر الأصغر في المنطقة إلى حوالي عشرين مترا. وتابع «الزلزال غير خريطة المنطقة، واستنادا إلى نماذج زلزالية يمكننا القول إن بعض الجزر الصغيرة في جنوب غرب سواحل سومطرة، تحركت عشرين مترا باتجاه الجنوب الغربي». وأوضح أن الرأس الشمالي الغربي لسومطرة يمكن أن يكون تحرك باتجاه الجنوب الغربي حوالي 36 مترا. ورأى هودنوت أن الطاقة التي تحررت بالتقاء الصفيحتين، أدت على الأرجح، إلى اهتزاز الأرض حول محورها. وأضاف «يمكننا كشف التحركات الطفيفة جدا للأرض، وأعتقد أنها اهتزت في مدارها عندما وقع هذه الزلزال بسبب الكمية الهائلة من الطاقة التي تحررت».

وقالت المصادر إن تضاعف أعداد الضحايا بهذا الشكل الكبير خلال ساعات قليلة، يكشف أن الحجم الحقيقى للمأساة أكبر من أن يحدد الآن، وأوضحت أن حجم الخسائر الإنسانية والمادية لن يتكشف إلا بعد عدة أيام. وأعلنت إندونيسيا وحدها أن عدد القتلى في أراضيها ارتفع إلى 27 الف، واستمر عدد الضحايا في صفوف السياح الأجانب في الارتفاع أيضا، وأكدت السلطات في تايلاند أن أكثر من 700 أجنبي قتلوا في هذا البلد. وبذلت الأمم المتحدة والصليب الأحمر جهودا لتنسيق المساعدات الدولية التي ترسل إلى المناطق المنكوبة في محاولة لمواجهة «كارثة غير مسبوقة»، بحسب تعبير مسؤول في الأمم المتحدة، نظرا لعدد الدول التي طالها الزلزال. وتحدثت معلومات أولية من الساحل الشمالي الغربي لجزيرة سومطرة الإندونيسية، التي كانت الأقرب إلى مركز الزلزال الذي وقع الأحد الماضي، عن كارثة حقيقية في المنطقة وخصوصا عن دمار ثمانين في المائة من مدينة مولابو. وقال مسؤولون محليون لجأوا إلى مزرعة تقع على تلة «إذا لم تصل المساعدات خلال يومين أو ثلاثة سنواجه مجاعة كارثية تؤدي إلى موت عدد كبير من الأشخاص».

وعقد في جنيف بسويسرا اجتماع بين حكومات الدول المانحة والدول المتأثرة بالمد البحري وهيئات الإغاثة لبحث طرق الإغاثة والمساعدة، خاصة أن أعداد المشردين مرتفعة جدا ويعانون من أوضاع إنسانية مأساوية بسبب عدم وجود مياه صالحة للشرب أو ادوية أو مأوى أو أطعمة. وقالت المتحدثة باسم الصليب الأحمر ماري فرنسواز بوريل في جنيف أمس، أن «عدد المشردين يقدر بمليون في سري لانكا و29 ألفا في تايلاند».

وفي الهند تم إحصاء 8500 قتيل حتى الآن، بينهم 4500 في ولاية تاميل نادو، وأربعة آلاف في جزر اندامان ونيكوبار الهندية الواقعة في خليج البنغال قرب مركز الهزة. وتحدث الرئيس الهندي اي. بي. جاي عبد الكلام، عن «كارثة وطنية». وما زال نحو 30 ألف شخص مفقودين في جزر اندامان ونيكوبار. وفي سري لانكا وصل عدد الضحايا إلى نحو 18 ألف قتيل وألفي مفقود، وأعلنت الحكومة والجيش أنه تم إحصاء 10588 جثة بينها جثث 70 أجنبيا. وذكرت عناصر من حركة تمرد «تاميل ايلام»، أنه أحصي 1372 قتيلا في المناطق الشمالية من الجزيرة التي يسيطر عليها الحركة، وألفي مفقود. وفي تايلاند نشرت السلطات حصيلة موقتة تقدر بنحو 1500 قتيل، بينهم 790 سائحا أجنبيا. وقال نائب وزير الداخلية سوتام سانغبراتوم «بحسب الأرقام الأخيرة أحصينا أكثر من 1500 قتيل بينهم 200 تايلاندي والباقون أجانب». وأضاف «لكن حسب ما رأيت قد ترتفع هذه الحصيلة».

وعلى الصعيد ذاته، أفادت تقديرات لوكالات سفر بأن 1600 سائح سويدي ما زالوا مفقودين في تايلاند. أما في ماليزيا فقد قتل 65، وفي بورما 90، وفى المالديف 55، وفى الصومال وتنزانيا قتل 40 و10 على التوالي. أما الدول الغربية التي فقدت رعايا لها نتيجة المد البحري، فهي بريطانيا (15)، وايطاليا (13)، والنرويج (13)، والسويد (نحو 10)، والولايات المتحدة (8)، والفلبين (8)، واستراليا (6)، وفرنسا (6). واعتبر آلاف السياح في عداد المفقودين أو لم يتسن الاتصال بهم بسبب الفوضى السائدة في بعض المناطق.

وذكرت مصادر طبية أن حجم الدمار الهائل أعاق حتى الآن أي عمليات جدية لإغاثة الناجين، مشيرة إلى أن التحدي الأول أمام هيئات الإغاثة هو إجلاء آلاف الجثث من شوارع البلدان المنكوبة لمنع تفشى الأمراض، وإخلاء الطريق أمام تحرك عربات الإغاثة الإنسانية. وذكرت المصادر أن عشرات الجثث تكدست في شوارع مدينة خاو لاك الساحلية التايلاندية، ممددة على الأرض أو معلقة فوق الأشجار أو طافية مع الركام والألواح الخشبية في أحواض السباحة في هذا المنتجع السياحي الفاخر شمال فوكيت، الذي ملأته رائحة الموت بعد أن ضربته موجات المد العاتية من قاع المحيط الهندي، وأحدثت به خسائر أتت عليه كليا، بحسب شهود العيان. وقد رفض المسؤولون في الفندق الذين ما زالوا تحت وطأة الصدمة، التحدث إلى وسائل الإعلام.

وما زالت بعض الجثث تطفو ويحاول الجنود التقاطها مستخدمين عصيا طويلة. والى جانب مجمع سوفيتل، هناك مجمع آخر لم يتضرر كثيرا، وهو «ميريديان خاو لاك»، وقال مدير المجمع إن «قرابة عشرة سياح مفقودون الآن، قيل لي انه تم العثور على بعضهم أحياء، وأعتقد أن هناك من خمسة إلى ستة قتلى». وفي مكان آخر شاحنات صغيرة تعبر شوارع المدينة تنقل عشرات الجثث، بينما انتشر المسعفون والجنود وهم يضعون أقنعة بيضاء على أنوفهم وأفواههم ويضعون قفازات برتقالية، فيما ينتشلون جثثا بدأت بالتحلل من بين الوحول أو من بين الأشجار أو من داخل الأبنية المنهارة. وعلى امتداد أربعة أو خمسة كيلومترات على طول الساحل وبعمق كيلومترين في الداخل، تحولت المدينة إلى ركام ودمار، ولم يعد هناك مبنى واحد يصلح للسكن، وتحولت الابنية التي لا تزال قائمة إلى ما يشبه الأصداف الفارغة العملاقة. وعلى الرغم من أن المدينة تبعد 400 متر عن الشاطئ، فقد انتزعت الأمواج كل ما كان في طريقها من أرصفة وأشجار وأعمدة كهرباء أو هاتف، وبلغت حتى الطوابق العلوية، وانتشرت الوحول في كل مكان وغطت كل أجزاء المدينة، وعلى الطرقات حافلات تغوص حتى السقف في الحفر الموحلة، ويتعذر التأكد ما إذا كانت بداخلها أي جثث. وأوضح مدير فندق الميريديان «سيتطلب الأمر ستة أشهر لإعادة بناء ما تهدم، لكنني أعتقد أن السياحة ستعاني لفترة طويلة». وقد بدأت أعمال التنظيف في المدينة رغم كل مظاهر الدمار، وبدأت أعمدة جديدة تنتصب في الشوارع التي بدأت الوحول تختفي منها على أمل عودة التيار الكهربائي ومعه الحياة مجددا إلى المدينة التي كانت تضج بالحياة.

إلى ذلك، أفادت مصلحة الارصاد الاسترالية أن أمواجا عالية تصل إلى متر واحد، لوحظت على طول الساحل الغربي لاستراليا بعد موجات المد العاتية. ومن ناحيتها، قالت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية أمس، إن زلزالا قوته 9.4 درجة ضرب أقليم نيجاتا في شمال اليابان، والذي تعرض لزلزال مدمر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ولم تصدر السلطات تحذيرا من موجات مد مصاحبة، كما لم ترد تقارير عن وقوع إصابات أو أضرار.