الاستخبارات الغربية حددت نوع طائر سمع في شريط لابن لادن وتأكدت من مكان اختبائه بعد الاستعانة بخبراء في الجيولوجيا والنباتات

«سي. آي. إيه» درست علاقة محتملة بين حمل زعيم «القاعدة» خنجراً في أحد أشرطته وتفجير «كول»

TT

اكدت وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي. آي. ايه) امس صحة الرسالة الصوتية التي بثت اول من امس منسوبة الى اسامة بن لادن. فقد قال مسؤول اميركي طلب عدم الكشف عن اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية: «نحن واثقون انه صوت بن لادن».

وكان تسجيل اول من امس، السادس ضمن التسجيلات الصوتية والمرئية لابن لادن منذ سبتمبر (ايلول) الماضي، وتضمن مادة اكثر من السابق، مما يمنح محللي (سي آي ايه) فرصة اكبر لدراسة التسجيل والبحث عن مفاتيح حول زعيم «القاعدة».

وتركزت الجهود الخاصة بدراسة تصريحات بن لادن الجديدة حول بحث ما يريد زعيم «القاعدة» ايصاله من رسائل. لكن مسؤولي الاستخبارات الاميركيين قالوا انه مع كل شريط جديد، تتكثف الجهود لكشف الآثار التي ربما تكون تركت بدون قصد وتتعلق بمكان اختباء بن لادن وصحة التسجيل. وتضاعفت الجهود مع تخصيص ميزانية اكبر لهذا المجال منذ وقوع هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001. ولم يتحقق الا نجاح ضئيل في هذا المجال، حسبما قال مسؤولون استخباراتيون سابقون مطلعون على تلك الجهود، وحتى قتل بن لادن او اعتقاله، فان نتائج تلك الجهود ستظل مجهولة.

كذلك شغّلت وكالة «سي. آي. ايه» بعض الجيولوجيين وعلماء النباتات، لتحديد طبيعة صخور او اشجار برزت كخلفية في بعض اشرطة فيديو بن لادن.

وقامت الوكالة بتكبير صور الخرائط المستخدمة كخلفيات لبعض اشرطة الفيديو. ودرس المحللون احتمال ان يكون حمل بن لادن خنجراً في احد اشرطته كان مرتبطاً بالهجوم الذي تعرضت له المدمرة الاميركية «كول» في اليمن عام 2000. وظل علماء النفس والاطباء العاملون مع «سي. آي. ايه» يدرسون مظهر بن لادن وتصرفاته بحثا عن مفاتيح تكشف عن حالات نفسية شاذة او مرضية محتملة. وهذه المساعي ليست حكرا على الاستخبارات الاميركية بل ان السلطات الالمانية تعتقد انها سمعت طائرا يزقزق في واحدة من تسجيلات بن لادن الصوتية التي صدرت هذه السنة، واستعانت ببعض خبراء الطيور لتشخيص فصيلة هذا الطائر، حسب ما جاء في تقارير اعلامية المانية. وتم تحديد الطائر، وفق ما ذكر مصدر مقرب من التحقيق، الا ان ذلك لم يساعد في القبض على بن لادن.

وقال مايكل شيوار الذي غادر «سي آي ايه» في الآونة الاخيرة والذي كان يعمل ضمن فريق تعقب بن لادن: «انه مثال جيد على اهتمام الناس بالجوانب السطحية في الشريط، بينما الامر الاكثر اهمية هو ما يقوله بن لادن لا ما يرتديه من ملابس». لكن شيوار اعترف بان «هناك رغبة كبيرة جدا للتأكد من ان كل عنصر تم استغلاله تماما».

ويقارن البعض بين ما يجري في هذا المجال مع ما كان يجري اثناء الحرب الباردة حينما كان ظهور الزعيم العلني شديد التخفي يعقد جهود المحللين وهم يبحثون عن مفاتيح تتعلق بالسياسة الداخلية السوفياتية.

وقال روجر كريسي احد المسؤولين السابقين عن محاربة الارهاب ان فحص اشرطة بن لادن «تشبه كثيرا ذلك العمل الذي كان يقوم به الخبراء في شؤون الكرملين. فبدلا من السعي لتحديد من يقف الى جنب بريجنيف (احد رؤساء الاتحاد السوفياتي السابقين) وما اذا كان سيحتل الزعامة مستقبلا، نحن نحاول الآن ان نجد معنى من الاشرطة».

وقال مسؤولون في «سي. آي. ايه» ان المعلومات التي تم الحصول عليها من اشرطة الفيديو، وبينها تلك المتعلقة بمكان اختباء بن لادن، حددت بأنه موجود في المنطقة الحدودية بين باكستان وافغانستان. كذلك كانت بعض الاشرطة مفيدة في دعم تقارير صادرة من جهات اخرى حول صحة بن لادن. لكن بطريقة ما، فان هذا المشروع يتميز بشكل خاص بتفاؤل اكبر من الفعالية. واعطى بن لادن ومساعدوه الكبار حجما معتبرا من المواد عبر تسجيلاته لمراجعتها. وظل زعيم «القاعدة» يصدر اشرطة منذ اواخر السبعينات من القرن السابق. ومنذ هجمات سبتمبر اصدر بن لادن 18 رسالة على شكل تسجيل صوتي او فيديو. وقال مسؤولون اميركيون ان عدد المرات التي ظهر فيها ايمن الظواهري بلغت 30 مرة. وكان المعدل ان شريطاً واحدا صدر كل ستة اسابيع لاحد قادة «القاعدة».

وقال خبراء ان «القاعدة» ادركت اهمية الدعاية التي تقدمها الاشرطة حتى قبل هجمات 11 سبتمبر، حيث انها ظلت تستخدم تقنيات عالية في انتاج اشرطتها. والكثير من الاشرطة اصدرتها مؤسسة «سحاب» التي يعتقد انها اللجنة الاعلامية في «القاعدة».

وكانت رسائل بن لادن الاخيرة «تتعامل بشكل اقل مع هجمات محددة واكثر مع هدف اظهار ان القاعدة ما زالت موجودة»، حسبما قال مسؤول من (سي. آي. ايه) طلب عدم كشف هويته.

وفي التسجيل الذي اذاعته قناة «الجزيرة» القطرية اول من امس اشاد بن لادن بالاصولي الاردني ابو مصعب الزرقاوي الذي اصبح الوجه القيادي للتمرد في العراق. وقالت قناة «الجزيرة» ان المتحدث في الشريط دعا الى استهداف انابيب نقل النفط وزرع الألغام وقتل كل من يعمل مع قوات الاحتلال في العراق. وفي جزء آخر من الشريط ناشد المسلمين بمقاطعة الانتخابات، مثل انتخابات الرئاسة الفلسطينية المقررة الشهر المقبل. وفي واشنطن قال متحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية انه بصرف النظر عما اذا كان التسجيل الصوتي لاسامة بن لادن او شخص آخر فإنه يعتبر «رسالة الى الارهابيين» ومحاولة «من القتلة لنشر الشر». وكان تسجيل صوتي لاسامة بن لادن مدته 74 دقيقة قد ظهر في 16 ديسمبر (كانون الاول) الجاري على موقع اصولي على شبكة الانترنت حث فيه بن لادن على استهداف المنشآت النفطية في الخليج. وكانت وكالة «سي. آي. ايه» قد اخضعت اشرطة التسجيلات الصوتية التي يعتقد انها لابن لادن الى تحليل باستخدام برامج كومبيوتر خاصة من خلال مقارنتها بتسجيلات سابقة تم التأكد من انها لاسامة بن لادن. وقال خبراء في اجهزة الاستخبارات انه لم تكن هناك تسجيلات مزيفة لاسامة بن لادن حتى الآن، لكنهم اشاروا الى ان بعض التسجيلات الصوتية التي تعرض على اعتبار انها جديدة تحتوى على بعض الأجزاء الواردة في تسجيلات صوته سابقة له.

ويلاحظ ان التسجيلات المصورة بالفيديو التي ظهر فيها بن لادن منذ 11 سبتمبر، لم تتعد ثلاث دقائق فقط، بما في ذلك تسجيل بثته قناة «الجزيرة» قبل ايام فقط من انتخابات الرئاسة الاميركية الاخيرة. ويعتقد الخبراء ان اسامة بن لادن كان يهدف فيما يبدو من خلال التسجيل الاخيرة الى الظهور كمسؤول وسياسي، اذ ظهر وهو يرتدي عباءة بدلا عن الزي العسكري الذي ظهر به في تسجيلات سابقة، كما تغيرت لهجة بن لادن الحادة وخطابه العنيف الى وصفات للسياسة الخارجية للغرب. ويبدو ان الخلفية البنية اللون وراء اسامة بن لادن ومنصة القراءة أمامه قد صممتا كي تضفيا طابعا رسميا على المشهد بكامله، رغم ان المشهد لم يحتو على أي اشارة تدل على مكان وجود بن لادن. ويرى مسؤولون ان هذه اول مرة يبدو فيها اسامة بن لادن حذرا للغاية. ففي التسجيلات المصورة التي ظهرت عقب هجمات 11 سبتمبر، ظهرت بعض العلامات التي تساعد على تحديد المنطقة الجغرافية التي يحتمل ان يكون موجودا فيها في ذلك الوقت. ويقول ضابط سابق في وكالة «سي. آي. ايه» ان هذه العلامات المذكورة لم تحدد الموقع بدقة ولكن هناك مؤشرات قد تساعد على ذلك مثل تشكيلات الصخور التي ظهرت في شريط سابق. وكان عدد من تسجيلات الفيديو لاسامة بن لادن قد احتوى على بعض لمحات لبيئة المحيطة. من ضمن هذه التسجيلات الاشرطة التي احتوت على لقطات من مراسم زفاف نجل بن لادن، بالاضافة الى شريط آخر يظهر فيه بن لادن وهو يمشي مع ايمن الظواهري في منطقة منحدر صخري، إلا ان هذا الشريط، الذي بث في سبتمبر 2003، صور فيما يبدو قبل شهور من تاريخ بثه.

واضافة الى علماء الجيولوجيا والنباتات، استفادت وكالة (سي. آي. ايه) من ضباط خدموا في افغانستان وباكستان ويعرفون طبيعة وتضاريس المنطقة الحدودية التي يعتقد ان اسامة بن لادن مختبئ فيها. وقال شيوار ان تلك الجهود لم تثمر أي فائدة. وأضاف ان خبراء جيولوجيا يعملون مع الوكالة رفعوا تقارير مفصلة حول الصخور التي شوهدت في تسجيل الفيديو الذي ظهر فيه بن لادن، إلا ان هذه الصخور، طبقا لحديث شيوار، تشكل جزءا من مجموعة من الأنواع المختلفة من الصخور المنتشرة في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان. إلا ان شيوار يعتقد ان هذه الاشرطة احتوت على مؤشرات مهمة تتعلق بصحة اسامة بن لادن. وأوضح ان الشريط الذي بث في سبتمبر 2003 وظهر فيه اسامة بن لادن وهو يحمل عصا بيده اليمنى ولا يحرك يده عززت الاحاديث التي دارت حول اصابة بن لادن في معارك تورا بورا اواخر عام 2001. ويعتقد شيوار ايضا ان اشرطة الفيديو ساعدت على تبديد شكوك اخرى حول اسامة بن لادن، اذ توصل اطباء وكالة «سي. آي. ايه» الى عدم وجود دليل على ان اسامة بن لادن مصاب بمرض في الكلى. وعلى الرغم من ان وكالة «سي. آي. ايه» لجأت في بعض الأحيان الى متخصصين من خارجها للمساعدة في تحليل وتقييم اشرطة تسجيلات اسامة بن لادن، فإن الكثير من المتخصصين والخبراء يعملون في اقسام تابعة للوكالة. فعلى سبيل المثال، يعمل بـ«مركز التحليل الطبي والسيكولوجي» فريق من الاطباء وخبراء عمل النفس لتقديم تقييم وتحليل حول الصحة الجسدية والنفسية لقادة العالم والمطلوبين.

وقال مسؤولون سابقون وحاليون في وكالة الاستخبارات المركزية انهم لا يعتقدون ان اسامة بن لادن يستخدم هذه الاشرطة لتوجيه رسائل مشفرة لعناصر شبكة «القاعدة» لأنه ليس هناك تأكيد على ان هؤلاء يشاهدون شاشات التلفزيون في الوقت الذي يبث فيه الشريط، على حد قول شيوار، الذي وجه في كتابه بعنوان «مبالغات امبريالية» انتقادات للسياسة الخارجية للولايات المتحدة وجهود مكافحة الارهاب. ويشير شيوار الى ان ما لفت انتباه بعض المحللين الذين حللوا تسجيلات سابقة لاسامة بن لادن عقب تفجير المدمرة الاميركية «كول» بميناء عدن في اكتوبر 2000 هو ظهوره في بعض المشاهد وهو يلبس الخنجر اليمني التقليدي، اذ يعتقد هؤلاء ان حمل بن لادن الخنجر اليمني ربما كان اشارة الى عناصر «القاعدة» في اليمن لتنفيذ خططهم المرسومة. وقال مسؤولون سابقون في «سي آي ايه» ان الوكالة فشلت في تتبع مصدر اشرطة التسجيلات التي تتسلمها قناة «الجزيرة» ووسائل إعلام اخرى بسبب اتباع «القاعدة» وسائل غاية في السرية في باكستان وأماكن اخرى لإفشال أي محاولات متابعة ورصد. ويرى كريسي، المسؤول السابق لمكافحة الارهاب بالبيت الابيض، ان شبكة «القاعدة» تعمل بنجاح في الجانب المتعلق بالأمن، مؤكدا ان اختراقها لا يزال التحدي الرئيسي اليوم كما كان عليه الحال قبل 11 سبتمبر.