الفلتان الأمني ووتيرة جرائم القتل يصلان حداً غير مسبوق في غزة

جرائم يرتكبها قتلة معروفون تقيد ضد مجهول

TT

سد الافق طابور السيارات المتكدسة أمام الاشارات الضوئية في تقاطع شارعي الوحدة وصلاح الدين في قلب مدينة غزة. عندما نفد صبرهم، ترجل اصحاب السيارات لاستيضاح الامر، فوجدوا ما لم يكن بالحسبان. فقد كان عدد من اصحاب البسطات في المكان ينهالون على احد افراد الشرطة بالضرب المبرح.

كان الشرطي السيئ الحظ يصرخ مستغيثاً، من دون أن يحرك زملاؤه ساكناً من أجل إنقاذه من بين ايدي اصحاب البسطات المعربدين.

وعند استقصاء الأمر تبين أن الذي دفع اصحاب البسطات للاعتداء على هذا الشرطي كان مجرد تجرؤه على مطالبتهم بتغيير أمكنة بسطاتهم، لأنها ببساطة شديدة تعيق حركة السيارات في الشارع.

أحد مراكز الشرطة يبعد أمتارا فقط عن التقاطع الذي تعرض فيه هذا الشرطي للاعتداء، لكن أياً من افراد الشرطة داخل المركز لم يراجع اصحاب البسطات، الذين ظلوا يعربدون ويقطعون الشارع حتى بعد أن اشبعوا الشرطي ضرباً.

هذا المشهد يشي فقط بجزء يسير من حالة الفلتان الأمني الذي يرزح تحته قطاع غزة منذ عدة أشهر ووصل حداً لا يمكن تصوره او قبوله. فالأجهزة الأمنية، فضلاً عن جميع مؤسسات حفظ القانون والقضاء في القطاع، فقدت هيبتها تماما، ناهيك من انها لا تبدي اهتماماً جدياً بالتدخل لوقف ما يجري.

كثير من جرائم القتل التي يُعرف منفذوها تقيد ضد «مجهول» فقط لأن القاتل ينتمي الى عائلة كبيرة، لا يمكن لجهاز أمني أن يسائلها، كما لا يمكن لشخص أن يشهد ضد ابنائها. أفراد احدى العائلات قتلت أخيرا ثلاثة اشخاص، ورغم معرفة القتلة الا انهم لا يزالون طلقاء احرارا.

جرائم القتل أصبحت تتم لأتفه الاسباب. فقبل شهر استيقظت غزة على جريمة نكراء. فقد قام رجل في الخمسين من العمر، متزوج واب لعدد من الابناء والبنات، بقتل قريبته الشابة المدرسة أمام ناظري طالباتها وزميلاتها وزملائها، لأنها رفضته وتزوجت من قريب آخر لها.

الى جانب عمليات القتل التي تتم بدون أي مسوغ، فقد ساعدت حالة الفلتان الأمني على عودة جرائم الثأر. فقبل اسبوعين كان شاب يحمل مدفعاً رشاشاً ويسير في شارع فهمي بك المتفرع عن شارع عمر المختار، الذي يشق المدينة الى نصفين، فانبرى له شخص من الخلف وخطف منه المدفع، وبعد ذلك أطلق على رأسه الرصاص، فأرداه قتيلاً أمام ناظري المئات، ومن بينهم رجال الشرطة المدججون بالسلاح. ليتبين لاحقا أن قتل هذا الشاب جاء على خلفية الأخذ بالثأر.

حقيقة انتماء الكثير من الشباب الفلسطيني الى الاجهزة الأمنية ساعد على تفاقم مشكلة الفلتان الأمني، فليس بالوارد أن يقوم أي من الاجهزة الأمنية بمراجعة أي شخص يرتكب جرما ان كان ينتمي الى جهاز أمني اخر. في نفس الوقت فان بعض المجموعات داخل الاجهزة الأمنية تقوم بعمليات العربدة ضد المواطنين من دون مساءلة.

واول من امس، قام افراد عائلة، قُتل احد ابنائها على يد شخص من عائلة اخرى، باشعال اطارات السيارات في شارع عمر المختار ومنعوا الحركة فيه، كخطوة احتجاجية على حالة الفلتان الأمني الذي اصبح الشغل الشاغل لاهالي قطاع غزة.

ان حالة الفلتان الأمني وتزايد جرائم القتل دفعت التنظيمات الفلسطينية واسر الضحايا الذين قتلوا في هذه الجرائم الى التظاهر أخيرا ضد تفاقم الظاهرة. بعض التنظيمات هدد بأنه في حال لم تقم السلطة بما يجب ان تقوم بها من حيث الأمن، فانها ستتولى معالجة الامر بنفسها.