قيادة الحزب الشيوعي اللبناني تبدأ حوارا مع الأسد طرحت فيه «خيارا ثالثا» بين الموالاة والمعارضة

TT

يحاول الحزب الشيوعي اللبناني تشكيل «خيار ثالث» في الوسط السياسي المنقسم بين الموالاة والمعارضة وفي خضم حرب «التخوين» التي يخوضها الموالون ضد المعارضين وحرب «الإلغاء» التي يخوضها المعارضون ضد الموالين.

ورغم جنوح الحزب نحو المعارضة لأداء الحكم والحكومة، الا انه فضّل المعارضة على «طريقته الخاصة» كما يقول نائب الأمين العام للحزب سعد الله مزرعاني لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً الى ان الحزب يحتفظ بمسافة عن المعارضين والموالين على الساحة لأن الطرفين (المعارضة والموالاة) يتفقان على استمرار النظام الطائفي القائم «وهو اساس البلاء». كما انهما يتفقان على «انتقائية» في تنفيذ اتفاق الطائف، فالمعارضة (المسيحية ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط) لا ترى منه سوى الانسحاب السوري، فيما لا ترى الموالاة إلا الإصلاحات السياسية وتحديداً إلغاء الطائفية السياسية.

أما «خطة عمل» الحزب الشيوعي للمرحلة المقبلة فيلخصها مزرعاني بـ«التوازن في العلاقات مع سورية، من جهة، والإصلاح، من جهة اخرى» أي ما يقول انه «تطبيق اتفاق الطائف بالكامل ومن دون انتقائية».

وهذا الخطاب هو ما حمله وفد الحزب الى الرئيس السوري بشار الأسد خلال اللقاء الذي جرى الاثنين الماضي وعرض فيه الحزب رؤيته للوضع اللبناني وللعلاقات السورية ـ اللبنانية، قائلاً للأسد ان هذه العلاقات تحتاج الى سد الثغرات القائمة، بالاضافة الى رؤيته لإصلاح النظام السياسي انطلاقاً من قانون انتخاب على اساس الاقتراع النسبي الذي يرى فيه الحزب الشيوعي تشجيعاً للخلاص من الفرز الطائفي وتمثيلاً أوسع وأدق للشرائح اللبنانية.

الرئيس الأسد «كان مستمعاً وباهتمام» الى شروحات الوفد الشيوعي و«الأجواء كانت مريحة» على حد قول مزرعاني الذي وصف ما حصل بأنه «بداية حوار مع القيادة السورية»، رافضاً التكهن بما ستكون عليه الخطوات التالية. وقال: «لقد تحدثنا والرئيس (الاسد) استمع باهتمام. لكن لا نعرف ما اذا كان السوريون سيتجاوبون او انهم سيواصلون سياستهم الحالية، والأيام كفيلة باظهار ذلك». لكنه اعرب عن اعتقاده بأن «الوضع السابق لن يتكرر لجهة قانون الانتخاب». وأفاد: «لقد كنا، ربما، الجهة الوحيدة التي التقت الأسد ولم تصدر بيان اشادة او تبخير. نحن نقترح نهجاً جديداً على اللبنانيين، فموضوع الإصلاح مهم جداً. والمهم اكثر ان لا يظهر وكأنه مفروض من قبل احد. كما ان المصالح الأساسية للبنان وسورية تضيع وسط مصالح المسؤولين».

ويقول مزرعاني: «لقد حصلت مجموعة تطورات وأزمات رافقت عملية التمديد (لرئيس الجمهورية إميل لحود) والتي كشفت ثغرات كبيرة في الوضع اللبناني، سواء في العلاقات مع سورية او في العلاقات اللبنانية ـ اللبنانية، فانقسم الجو بين تيارين يستقطبان القوى السياسية. ونحن اعتبرنا ان الوضع خطير وينبغي فتح حوارات وثغرات في الوضع القائم لمنع تجدد مناخات الفتنة، فحاولنا التمايز عن الطرفين والتحذير من مناخات التصعيد. واستفدنا من الدعوة (السورية للوفد الشيوعي) لنطرح هذه الهواجس». واشار الى ان الحزب قدم «مقاربة جديدة للعلاقات مع سورية»، مشدداً على ان الوفد الشيوعي «لم يطرح اي شيء ثنائي خاص» وانه تطرق الى ضرورة «تطبيق اتفاق الطائف بالكامل وبشكل غير انتقائي».

ويرفض مزرعاني القول إن الحزب الشيوعي يسعى لمقعد نيابي. ويؤكد: «نحن دعاة حوار وطرح وطني. ونحاول تجميع القوى على اساس الخيار الثالث، علماً اننا لا نعرف من هم المعارضون ومن هم الموالون. ومن يتكلم اليوم عن الفساد كان في السلطة لسنوات».

أما موضوع العلاقة بين جنبلاط وسورية فقد طرح من خارج «جدول الأعمال». ويقول مزرعاني ان لهجة الأسد «كانت ايجابية ومرنة» حيال جنبلاط وان «الخلافات يمكن ان تنشأ بين الأطراف الذين لديهم مصالح» و«الخلافات قد تنشأ، لكن لا ضرورة لأن يتحول الصغير كبيراً».

اما الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة فقد نقل عن القيادة السورية انها لن «تتدخل في صياغة قانون الانتخابات لكنها مستعدة للاطلاع على كل الآراء». وقال امس ان الحزب «طالب بإقرار قانون نسبي بغض النظر عن الدائرة على رغم تفضيله الدائرة الكبرى الموحدة»، مشيراً الى «ان الحزب ابلغ الى الرئيس السوري ان هذا النظام لم يعد اجراء انتخابياً عادياً إنما ضرورة لبناء لبنان الوطن على اسس وطنية جديدة بديلة عن الأسس الطائفية التي تتيح مجالاً للتدخل الخارجي في الشؤون اللبنانية». وأكد حدادة وجود «علاقات تاريخية تربط الحزب الشيوعي بالنائب وليد جنبلاط وخصوصاً مشروع الإصلاح الديمقراطي الذي يتضمن البنود التي تناقش اليوم»، متمنياً «ان تكون العلاقة ايجابية مثلما كانت دائماً بين دمشق وكل القوى الوطنية ومن بينها الحزب التقدمي الاشتراكي». وقال:«سمعنا جواباً مطمئناً من خلال رغبة دمشق بالحوار مع الجميع وعدم استعدائها لأي طرف».

واعتبر حدادة «ان استئناف الحوار مع دمشق بعد هذه الفترة الطويلة هو بحد ذاته أمر ايجابي يعبر عن مضمونين. الاول الحوار بين القوى السياسية والشعبية التي تعمل على مواجهة المشروع الأميركي في المنطقة وعموماً ما يتعلق بسورية ولبنان اثر القرار 1559 بفعل بعض الأخطاء اللبنانية والثغرات في العلاقات اللبنانية ـ السورية وما نتج عن قرار التمديد. أما المضمون الثاني فيكمن في استماع الرئيس الأسد الى حوار من موقع غير المواقع الأخرى التي كانت تزور دمشق، اي الموقف المعارض غير الموسمي». واشار الى ان الرئيس الأسد «ابدى انفتاحاً كبيراً على الآراء النقدية التي طرحها الحزب، كما هو طرح بدوره ملاحظات نقدية تبغي مراجعة التجربة السابقة». وقال: «ان نتيجة الحوار بهذا المعنى ايجابية جداً وتؤكد انفتاح الرئيس السوري على الحوار مع مختلف القوى السياسية في المنطقة العربية وفي لبنان».