«الشرق الأوسط الكبير» بعد نصف عام على ميلاده: فتور أميركي بعد حماس.. واهتمام عربي بعد اعتراض

TT

اذا كان العالم العربي شهد خلال عام 2004 ميلاد فكرة جادة تخص مستقبله فإنها قد تكون ميلاد «مشروع الشرق الاوسط الكبير» الذي أطلقه قادة «مجموعة الثماني» خلال قمتهم التي عقدوها في يونيو (حزيران) في سي آيلاند بولاية جورجيا الاميركية.

ويجمع المراقبون على ان اطلاق ذلك المشروع ذي الابعاد المتعددة جاء نتيجة هجمات 11 سبتبمر (ايلول) وحربي افغانستان والعراق. ويربط الكثير من المتابعين بين اطلاق المشروع والخطاب الذي القاه الرئيس جورج بوش في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 2003 وقال فيه ان نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط «هو تركيزي اليوم» وسيكون «تركيز السياسة الخارجية الاميركية لعقود ستأتي».

وكان من اهم ما تمخض عن قمة سي آيلاند ميلاد «منتدى المستقبل»، وهو عبارة عن لقاء دوري يناقش فيه مندوبو الدول الصناعية والدول الشرق اوسطية قضايا الاصلاح والتنمية. وقد عقد اول لقاء لـ«منتدى المستقبل» في 11 ديسمبر (كانون الاول) الجاري في الرباط بمشاركة كبيرة من الدول العربية ودول «مجموعة الثماني».

لكن لوحظ في الفترة بين اطلاق مشروع الشرق الاوسط وعقد لقاء منتدى المستقبل حدوث فتور تدريجي في الاهتمام الاميركي بالمشروع، مقابل التراجع العربي عن رفضه.

ونقلت تقارير أميركية عن مسؤولين في ادارة بوش ان الرفض الشعبي العربي لمشروع الشرق الاوسط جعل الولايات المتحدة تقترب بحذر من قضايا المنطقة وتركز اكثر على المبادرات المالية والاقتصادية والاجتماعية دون ربطها بالهدف الأصلي الرامي إلى إحداث التغيير السياسي.

ودافع مسؤولو الإدارة عن النهج الجديد قائلين إن الولايات المتحدة يجب أن تحجم عن لعب دور ريادي في الاصلاح بالمنطقة. وقال لورن كرينر، الذي عمل مساعدا لوزير الخارجية الاميركية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان حتى أغسطس (آب) الماضي، ويعمل الآن رئيسا للمعهد الجمهوري العالمي، وهو منظمة ممولة حكوميا تعمل على تطوير الديمقراطية في كل أنحاء العالم: «لقد تدخل آخرون في سياسات الشرق الأوسط. وهذا أمر جيد».

وادى هذا «التفهم» الاميركي لحساسية المطالبة بالتغيير السياسي، الى تراجع الكثير من الدول العربية عن اعتراضها على مشروع «الشرق الاوسط الكبير». ولوحظ ذلك في مشاركة وزراء مالية وخارجية اكثر من 20 دولة عربية في لقاء الرباط ومطالبة 5 دول على الاقل باحتضان «منتدى المستقبل» في موعده الثاني، حسبما علمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية عربية. لكن في الأخير تقرر ان البحرين هي التي ستحتضن اللقاء المقبل.

وبسبب الاعترض العربي و«التفهم» الاميركي، تركزت اعمال «منتدى المستقبل» فعلاً حول مبادرات اقتصادية واجتماعية، في حين تركت الحوارات الأكثر مباشرة المتعلقة بالتغيير السياسي الى «الحوار من أجل الديمقراطية»، وهو برنامج جديد تشرف عليه إيطاليا وتركيا واليمن، ويهدف إلى تطوير الحوار حول التغيير السياسي. وقد عقد اجتمع في روما هذا الخريف بين مندوبي الدول الثلاث على ان تحدد مواعيد الاجتماعات المقبلة لاحقاً.

وكان من اهم التوصيات الاقتصادية التي اعتمدها لقاء الرباط: ضرورة ان تشارك دول المنطقة وتلعب دورا مهما داخل منظمة التجارة العالمية، وضرورة اجراء اصلاحات اقتصادية لكن في اطار طوعي وتدريجي يراعي خصائص كل بلد، وضرورة ان تعزز الدول المعنية آليات مكافحة الفقر عبر إنشاء شركات صغيرة وتقديم قروض صغيرة لمحاربة الفقر، وضرورة إنشاء صندوق لتمويل مشاريع قدمت في اطار منتدى المستقبل، وإنشاء فرق عدة تكلف خصوصا بالاستثمار والقضاء على الأمية، وانشاء مركز لترويج منتجات الشركات الصغيرة، وتحرير التجارة المتعددة الاطراف، ودعم مشاركة المرأة في النشاطات السياسية والاجتماعية ـ الاقتصادية، وضرورة ان تشارك دول منطقة الشرق الاوسط ومجموعة الثماني في اقرار برنامج تعاون لمدة ثلاث سنوات بالتعاون مع المنظمة الاوروبية للتعاون والتنمية والبنك الدولي.

واشار المشاركون في البيان الختامي للمنتدى الى «تحديات مشتركة» تواجههم والى ضرورة الرد على هذه التحديات بـ«صورة شاملة» عبر «الحوار والتعاون». وشددوا بشكل خاص على مشاريع الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي في العالم العربي، مع التركيز على ضرورة ترك الحرية لكل بلد للتقدم حسب اوضاعه الخاصة و«حسب وتيرته الخاصة به».

الا ان دولا عدة في المنطقة اعتبرت ان الاولوية يجب ان تعطى لتسوية النزاع العربي الاسرائيلي وتطبيع الوضع في العراق في ما اعتبر ضمنا وكأنه شرط لتنفيذ هذه الاصلاحات المطلوبة. وحتى المشاركون من المجتمع المدني والمنظمات الاهلية شددوا على ضرورة حل النزاعات لتحقيق الاصلاحات، اذ اعتبر مدير البنك الاسلامي للتنمية أحمد محمد علي في مداخلته، مثلاُ، ان الصراع العربي الاسرائيلي والوضع في العراق يشكلان «كابحاً» امام التنمية والاستثمار في المنطقة.

وباحتضانه أول لقاء لـ«منتدى المستقبل» يكون المغرب قد أبرز مجدداً مكانته «كجسر رئيسي» بين العالمين العربي والغربي. وعبر مسؤولون مغاربة عن الافتخار بحدوث تظاهرات احتجاجية على «مشروع الشرق الأوسط الكبير» قبيل عقد لقاء «منتدى المستقبل»، رابطين ذلك بتطور الديمقراطية وحرية التعبير في المغرب. وكانت تظاهرة كبيرة ضمت آلاف الاشخاص في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي امام مقر البرلمان المغربي، وكذا امام مقر وزارة الخارجية المغربية حيث انعقد المنتدى. ورفع المتظاهرون شعارات معادية للولايات المتحدة واعتبروا المنتدى خطوة من اجل «اضفاء الشرعية على الاحتلال الاميركي للعراق والتطبيع مع اسرائيل». وقال خالد السفياني الناشط الحقوقي المغربي ورئيس مجموعة العمل لمساندة العراق وفلسطين: «هذا المنتدى استعماري هيمني يهدف الى اكمال الطوق العسكري واعطاء شرعية للعدوان العسكري الاميركي على الامة العربية والاسلامية». كما قال عبد الله بها رئيس الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية الاسلامي المعتدل والذي يشكل ما يعرف باسم «خلية مناهضة منتدى المستقبل» ان «المقصود من مشروع الشرق الأوسط الكبير هو تجريد المسلمين من اية وسائل قوة وهوية للمقاومة حتى نبقى مجرد مستهلكين في اطار العولمة الاميركية».

لكن فكرة بحث افكار وجهود الاصلاح لم تقتصر خلال هذا العام على المبادرة الاميركية. فقد نظم في دبي في ديسمبر (كانون الاول) «المنتدى الاستراتيجي العربي»، الذي كان بمثابة لقاء مفتوح غير رسمي، شاركت فيه شخصيات عربية وغربية وطرحت فيه افكار ربما تنافس من حيث العمق ومحاولة استشراف المستقبل ما تداوله لقاء الرباط. وكان من اهم توصيات لقاء دبي مطالبة صناع القرار في العالم العربي بالتخطيط لتوفير 100 مليون فرصة عمل بحلول سنة 2020 .