جنود أميركيون يحصدون الميداليات ويتغلبون على جراحهم بالقول: هذه أمور تحدث

جندي جريح: بلدي يحتاجني هنا ولذلك أنا هنا

TT

مع هدير قنبلة صاروخية مقذوفة من قاذف جوال على الكتف في الهواء، تمكن الجندي جستن كراوفورد من التعرف إلى نوع ذلك الانفجار ويعرف أنه مقبل صوبه. تحركت قدماه بسرعة فوق تربة رخوة بينما كانت عيناه تتابعان عربة مصفحة كبيرة قريبة من الموقع ثم رمى بجسده للتغطية. وقال كراوفود «ثم شعرت كأنني ضربت على فكي بمطرقة». تغلغلت شظية داخل فم كراوفورد كاسرة في طريقها سنين من فكه الأعلى. كذلك جُرح اثنان من سريته. وذكر كراوفورد، 22 سنة، تفاصيل الحادثة بعد عدة أيام من وقوعها، وكان الجرح المنتفخ فوق خده الأيمن يجبره على إخراج كلماته من جانب فمه الأيسر في الوقت الذي كان يفكر بالكيفية التي سيتمكن وفقها من تناول قدر من لحم ديك رومي مع ذرة كان موضوعا أمامه.

قال كراوفورد «بعد دقائق على الحادث عرفت أنني سأكون في وضع حسن. كنت قلقا من أنهم سيكون قلقين علي في الوقت الذي كانت جروح آخرين أكثر جدية. لم أشعر في ذلك بانزعاج أكبر مما هو مألوف. هذه الأمور تحدث».

لكن هذه الأمور حدثت لكراوفورد مرتين. فالإصابة التي يعاني منها حاليا وقعت يوم 18 ديسمبر على الطريق الرئيسي في سامراء وهي الثانية منذ وصوله إلى العراق. وهذا يعني ميدالية ثانية من نوع «القلب الأرجواني» وفترة أخرى من الاستشفاء. وحدثت الأولى يوم 8 يوليو الماضي حينما كانت سيارة محشوة بالمتفجرات اخترقت مجمعا أميركيا قالعة قطعا من الكونكريت الذي سبّب مقتل خمسة جنود وترك كراوفورد مع إصابة في ظهره.

ولشخص لم يكن يرغب ِأبدا في المجيء إلى العراق وكان متوقعا أن يعاد إلى الولايات المتحدة في أكتوبر لكنه أبقي بسبب نقص في الوحدات العسكرية، يبدو أن كراوفورد حريص الآن على العودة إلى «سرية أباشي» التابعة للكتيبة الأولى في فوج المشاة السادس والعشرين لخوض الحرب في مدينة ما زالت تعاني من المتمردين. وقال كراوفورد «لا أعتقد أن أي جندي يرغب في الذهاب إلى الحرب وأن يموت لكننا بحاجة إلى نستجيب إلى احتياجات أميركا واميركا بحاجة إلينا كي نقوم بواجبنا الآن... الشعور العام بين الكثير من الجنود هو أنهم لا يعرفون لم نحن هنا أو على الأقل لمَ نحن باقون حتى الآن أو ما هي أهداف مهمتنا. إنه ليس عملي أن أطرح أسئلة من هذا النوع... بلدي يحتاجني هنا، لذلك أنا هنا. أنا لست بحاجة لأجوبة. وأنا أريد أن أعود لتأدية واجبي».

من قمة الملوية الشاهقة التي بنيت في سامراء قبل 1200 سنة هناك شعور عميق بالهدوء. وأصبحت نقطة تقاطع إلى الأسفل مكانا لهجمات متكررة مما دفعت آمري الوحدات الأميركيين إلى وضع قناصة مزودين ببنادق ذات عيار 50 مم. ويعمل الجنود الذين يحتلون هذا الموقع 24 ساعة في اليوم وعلى هيئة أزواج. ومن ارتفاع يبلغ 180 قدما يستطيع القناصة الاميركيون مشاهدة الهجمات التي تجري يوميا في شتى أنحاء المدينة. وأحيانا هم يستطيعون أن يشاهدوا حتى نوع الملابس التي يرتديها المتمردون أثناء قيامهم بهجمات بمدافع الهاون.

ترتفع سحب الدخان أحيانا مغطية قبة ضريح العسكري الذهبية، كذلك هو الحال مع أصوات العيارات النارية، والدخان المتصاعد من انفجار السيارات يختلط مع رائحة القهوة التي يتناولها الجنود من موقعهم المرتفع كي يبقوا في حالة صحو ودفء. وقال الجندي دنفر كلاي ويل، 22 سنة، «حينما يصاب شخص ما هناك نتمنى لو كنا نستطيع القيام بشيء ما. إنه لأمر مؤلم أننا ننظر من أعلى ونشاهد الانفجار بدون أن يكون بإمكاننا أن نقوم بأي شيء لمنعه».

كذلك ظل المتمردون يطلقون النار على الملوية المبنية من القرميد، بسبب انزعاجهم من وجود جنود أميركيين على قمة مبنى ظل يجذب أعدادا كبيرة من الزوار المسلمين لقرون. وتركت قنبلة مقذوفة بـ «آر بي جِي» حفرة على الجانب الغربي للملوية. وقال الجندي برايان هفنغر، 25 سنة، «هم لا يحبون وجودنا في هذا المكان». والبقاء مع رفيق عمل واحد لاثنتي عشرة ساعة أمر يبعث على الإرهاق. وقال «نحن تحدثنا عن كل شيء في المرة السابقة. لكن هذه المرة قررنا ألا نتحدث بيننا إطلاقا».

أما الكابتن روبرت كلينغر، 36 سنة، فهو يشعر بالتفاؤل في كونه يلعب دورا إيجابيا في صياغة مستقبل أفضل للعراق. وقال «أنا خسرت الكثير بمجيئي إلى هنا». ومر يوم ميلاد ابنه الأول قبل أيام قليلة وظلت شركته الخاصة بالتأمينات تحت إدارة زوجته في واشنطن حتى عودته إلى بلده. وأضاف كلينغر «أردت فقط التوثق من أن أسرتي لا تعرف بما يجري لي هنا». وقبل أن يترك مدينته ويأتي إلى العراق جاء الكثير من آباء وزوجات وأطفال جنود يعملون تحت إمرته إليه. « طلبوا مني أن أعتني بأبنائهم وأزواجهم... ذلك ترك علي ضغطا كبيرا... لكنني في قرارة نفسي أشعر بأن قدومي إلى هنا كان أمرا صحيحا».

أما الجندي النفر كينيث آيفي، 22 سنة، فقال إنه يحب التحرك في سلاحه بدلا من حمله على كتفه. قال وهو منحن على دبابته العملاقة أبرامز أم1 ـ إيه 1 «نحن أطلقنا النار مرة واحدة على مبنى قبل شهر واحد، ثم قمنا بدهس المبنى». وأضاف آيفي أن الطاقم المتكون من أربعة والذي يعمل معه على نفس الدبابة أطلقوا النيران ست مرات في سامراء خلال السنة الماضية لكنهم يقومون بدوريات ليلية في شوارع سامراء لردع العنف. وقال آيفي إن الدبابات تخيف المتمردين وتجعلهم يتجنبون التحرش بها.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»