الولايات المتحدة تعد خططا لسجن معتقلي الإرهاب مدى الحياة

توجه نحو إنشاء سجن جديد في غوانتانامو يتمتع فيه النزلاء براحة أكثر والسماح لهم بالاختلاط

TT

يعد مسؤولو الإدارة الأميركية خططا طويلة المدى لسجن المشتبه في علاقتهم بالإرهاب لفترات غير محددة، ممن لا يريدون إطلاق سراحهم أو إحالتهم إلى محاكم في الولايات المتحدة أو دول أخرى، حسبما أفاد مسؤولون في مجالات الدبلوماسية والدفاع والاستخبارات.

وقد طلبت وزارة الدفاع (البنتاغون) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. ايه)، من البيت الأبيض أن يتخذ قرارا بشأن طريقة معالجة أكثر ديمومة للسجناء الذين يحتمل أن يقضوا فترة سجن غير محددة، بمن فيهم مئات الأشخاص الذين هم الآن في عهدة الجيش والـ«سي. آي. ايه»، وممن لا تمتلك الحكومة أدلة كافية لتوجيه تهم لهم في المحاكم. وستؤثر نتيجة مراجعة قضاياهم التي تعني وزارة الخارجية، أيضا على أولئك الذين يتوقع إلقاء القبض عليهم في مجرى عمليات مكافحة الإرهاب اللاحقة.

وقال مسؤول كبير في الإدارة: «إننا نواصل عملنا في الوقت الحالي، لأن هذا هو المطلوب»، مشيرا إلى أن نظام الاحتجاز الحالي أدى إلى توتير العلاقات بين الولايات المتحدة ودول أخرى. وأضاف: «الآن نستطيع أن نلتقط أنفاسنا. لدينا القدرة والحاجة إلى النظر في حلول بعيدة المدى».

ومن بين الاقتراحات الخاضعة للدراسة، نقل أعداد كبيرة من السجناء الأفغان والسعوديين واليمنيين من مركز الاحتجاز في خليج غوانتانامو بكوبا إلى سجون في بلدانهم، لكن وزارة الخارجية، التي تولدت لديها الفكرة، ستطلب منهم التقيد بمعايير حقوق الإنسان المعترف بها، وستراقب الالتزام بذلك، وفقا لما قاله المسؤول الكبير في الإدارة.

وكجزء من الحل تعتزم وزارة الدفاع، التي تحتجز 500 من السجناء في غوانتانامو، أن تطلب من الكونغرس مبلغ 25 مليون دولار لإقامة سجن يضم 200 سرير لاحتجاز سجناء ممن لا يحتمل أن يخضعوا لمحاكمة عسكرية بسبب الافتقار إلى الأدلة، وفقا لمسؤولين من وزارة الدفاع. وسيوفر السجن الجديد، الذي يحمل اسم «كامب 6»، للسجناء راحة وحرية أكبر من التي يتمتعون بها حاليا. وسيعد للسجناء الذين تعتقد الحكومة أنهم لم يعودوا يملكون معلومات استخباراتية إضافية، وسيكون على غرار السجون الأميركية، ويسمح فيه بالحياة الاجتماعية المختلطة بين النزلاء.

وقال براين ويتمان، المتحدث باسم البنتاغون: «طالما أن الحرب على الإرهاب جهد بعيد المدى، فإنه من المنطقي بالنسبة لنا النظر في حلول لمشكلات بعيدة المدى».

وتنظر الإدارة في مشكلة الاحتجاز الأكثر صرامة بالارتباط مع السجناء الذين تحتجزهم الـ«سي. آي. ايه». وتعمل وكالة الاستخبارات المركزية على نحو سريع منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 لإيجاد أماكن آمنة في الخارج حيث يمكنها أن تعتقل وتستجوب السجناء بدون خطر اكتشاف ذلك، وبدون مخاطر التعرض إلى إجراءات قانونية.

ولا يعرف الكثير عن سجناء الـ«سي. آي. ايه»، أو الظروف التي يجري فيها احتجازهم، أو الإجراءات المستخدمة لتقرير فترة احتجازهم، أو متى يمكن إطلاق سراحهم. وقد أثار ذلك انتقاد مجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان وبعض أعضاء الكونغرس والإدارة، ممن يقولون إن الافتقار إلى التدقيق أو الإشراف، يخلق خطرا غير مقبول في مجال إساءة المعاملة.

وقالت جين هارمان، نائبة رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، التي تسلمت معلومات موجزة سرية حول سجناء الـ«سي. آي. ايه» وطرق استجوابهم، إنه بالنظر إلى المدى البعيد للاحتجاز «فإنني أعتقد أنه ينبغي أن يكون هناك نقاش علني حول ما إذا كان يتعين إبقاء النظام بأسره سريا». وأضافت هيرمان انه «ربما يكون من المهم المحافظة على سرية التفاصيل حول هذا النظام». وقالت أيضا إن المعتقلين يجب تسجليهم حتى يمكن مراقبة معاملتهم من قبل الحكومة. وتابعت: «هذا أمر معقد، فنحن لا نريد خلق بنية بيروقراطية تجعل من المستحيل حماية المصادر والمخبرين الذين يعملون وسط هذه المجموعات التي نريد اختراقها».

ويعتقد أن الـ«سي. آي. ايه» تحتجز أكثر قليلا من ثلاثين عضوا من تنظيم «القاعدة»، ضمنهم خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة وأبو زبيدة ورضوان عصام الدين، المعروف باسم حنبلي. وتقع مراكز الاعتقال الأميركية في الطرف الأقصى من قاعدة باغرام الجوية بأفغانستان، وفي السفن الراسية في البحار، وفي جزيرة دييغو غارسيا البريطانية بالمحيط الهندي. وأوردت صحيفة «واشنطن بوست» الشهر الماضي، أن الـ«سي. آي. ايه» احتفظت بمركز اعتقال داخل غوانتانامو، التابع للبنتاغون، لكن ليس معروفا ما إذا كان موجودا حتى الآن أم لا.

وعلى عكس الـ«سي. آي. إيه»، فإن القوات المسلحة نشرت مئات الصفحات من الوثائق التي تكشف وسائل التحقيق والاحتجاز التي تتبعها، خاصة بعد فضيحة سجن أبو غريب بالعراق، ويسمح للمعتقلين بمقابلة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكنتيجة لحكم أصدرته المحكمة العليا الأميركية أصبح من حقهم الطعن في قانونية اعتقالهم لدى المحاكم الفيدرالية.

لكن لم تعقد جلسات استماع علنية في الكونغرس حول ممارسات الـ«سي. آي. إيه» في ما يتعلق بالاعتقال. ويقول المسؤولون بالكونغرس إن المعلومات التي تقدمها الـ«سي. آي. إيه» حول تلك الأساليب سطحية ومحصورة فقط في رئيسي ونائب رئيسي لجنتي الاستخبارات بمجلسي النواب والشيوخ. وقد طرحت الـ«سي. آي. إيه» اقتراحا ببناء سجن منعزل، يكون مكانه سريا، ولكن الاقتراح رفض مباشرة باعتباره غير عملي.

ومن الأساليب التي اتبعتها «سي. آي. إيه»، إرسال السجناء الذين يلقي القبض عليهم إلى بلدان ثالثة بهدف اعتقالهم هناك إلى أجل غير مسمى وبدون مساءلة علنية. وتعتمد عمليات التسليم هذه على اتفاقيات تبرمها الولايات المتحدة مع تلك البلدان التي توافق على أن تقوم أجهزتها الأمنية باحتجاز المتهمين بالإرهاب وإخضاعهم للتحقيق من قبل الـ«سي. آي. إيه» وغيرها من الأجهزة.

وقوبلت تلك الممارسات بانتقادات من قبل منظمات الدفاع عن الحقوق المدنية، التي تقول إن تلك البلدان تخرق حقوق الإنسان ووزارة الخارجية الأميركية تنتقد ممارساتها في تقاريرها السنوية.

وقد برزت عمليات التسليم هذه في التسعينات كطريقة للقبض على المجرمين، مثل بارونات المخدرات، لمثولهم أمام المحاكم الأميركية أو غيرها من المحاكم. وقال المسؤولون إن هذه الممارسات ظلت تمارس منذ 2001 للحيلولة بين معتقلين بعينهم والذهاب إلى المحاكم أو إطلاق سراحهم. وقال أحد ضباط الـ«سي. آي. إيه»: «الفكرة كلها أصبحت تشويها لمفهوم التسليم، إنها ليست نوعا من خدمة العدالة، بل هي نوع من الاختطاف».

لكن كبار مستشاري الاستخبارات، ومن ضمنهم جورج تينيت، المدير السابق للوكالة، الذي قال في شهادته أمام الكونغرس، إن عمليات التسليم تعد أسلوبا فعالا لزعزعة الخلايا الإرهابية وإقناع المحتجزين بكشف المعلومات. وقال روحان غوناراتنا مؤلف كتاب: «داخل القاعدة، الشبكة الدولية للإرهاب»: إن «عمليات التسليم هي أفضل الطرق لاحتجاز الناس. فالتهديد بإرسال شخص ما إلى هذه الدول يعد سلاحا خطيرا جدا. لم تكشف التحقيقات في أوروبا أية معلومات مهما كان قدرها»، وذلك لأنهم لا يلجأون إلى التهديد بأنهم سينقلون المعتقل إلى إحدى تلك البلدان ليجري تعذيبه هناك.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ