داودي أحد المتهمين بالتخطيط لتفجير السفارة الأميركية في باريس: ليس كل من قرأ كتابا لماركس ماركسياً

TT

بعد ثلاث جلسات مطولة من محاكمة المتهمين الستة بالتخطيط لتفجير السفارة الأميركية في باريس الجارية حالياً أمام الغرفة العاشرة من محكمة باريس الكبرى، لم تعرض النيابة العامة او رئاسة المحكمة اية دلائل أو قرائن ملموسة على وجود مثل هذه الخطة سوى اعترافات من اعتبر «الرئيس العملاني» للمجموعة جمال بقال الذي أدلى بها لدى اعتقاله في دبي أواخر يوليو (تموز) 2001 لحيازته جواز سفر فرنسيا مزورا ثم تراجع عن تلك التصريحات لدى ترحيله الى فرنسا. غير أن الأيام الثلاثة الماضية ألقت الكثير من الأضواء على شخصيات المتهمين وأهمهم حتى الآن اثنان: جمال بقال وكمال داودي. وما بين الاثنين الكثير من نقاط الشبه. فكلاهما ولد في الجزائر وكلاهما حصل على الجنسية الفرنسية. الأول حصل عليها عن طريق زواجه بامرأة فرنسية أنجب منها ثلاثة أولاد، والثاني متزوج من امرأة مجرية الأصل، اعتنقت الإسلام وأنجبت له أطفالا. لكن حصوله على الجنسية الفرنسية تم عن طريق أهله حيث وصل كمال داودي الى فرنسا في سن الخامسة من عمره وهو الآن في الثلاثين. ولم يكن ثمة شيء ينبئ بأن داودي الطويل القامة، الملتحي بعض الشيء، سيكون يوما ما في قفص الاتهام لانتمائه الى مجموعة خططت لعمل إرهابي على الأراضي الفرنسية. ذلك لأنه في السادسة عشرة من عمره حاز على البكالوريا العلمية، الأصعب من نوعها من بين فروع البكالوريا في فرنسا حيث تغلب عليها الرياضيات والعلوم. بعد ذلك، حصل داودي على شهادة الهندسة الميكانيكية من احد أرقى المعاهد في المنطقة الباريسية وتابع لعامين دراسات في حقل الكومبيوتر. ولو أتيحت له فرصة إتمام دراسته في هذا الحقل، لكان داودي ابدع في مجال المعلوماتية. غير أن دراسته الجامعية توقفت لخلافات مع والده ما جعله يتسكع أواخر التسعينات متنقلا من مكان الى آخر. وفي هذه الفترة تعرف على نبيل بو النور المتهم الثالث الموجود مثله في قفص الاتهام وعلى جمال بقال، وقد عاش الرجلان في شقة بقال السابقة في مدينة كوربي أيسون، جنوبي باريس. ومع بقال وبو النور، اقترب داودي من الأجواء الاسلامية في فرنسا والمنطقة الباريسية وبعد زواجه من امرأته المجرية، ألزمها بلبس الحجاب وفرض عليها نمطا سلوكيا صارما. وخلال استنطاقه في المحكمة، ظهرت بوضوح قدرات داودي العقلية. فهو من جهة يجيد الفرنسية بطلاقة وأثبت أنه قادر على مقارعة رئيس المحكمة حجة وجدلاً. وعندما ذكره رئيس المحكمة بأن الكتابات الإسلامية التي وجدها المحققون على جهاز الكومبيوتر الخاص به غالبيتها لأصوليين ومفكرين متشددين، بينهم أيمن الظواهري، رد داودي قائلا: «ليس ماركسيا كل من قرأ كتاب رأس المال» لماركس. وعندما سأله رئيس المحكمة ما إذا كان «جهاديا»، رد بقوله إنه يرفض «المفهوم الغربي» للكلمة الذي يعني «إرهابي»، لكنه يقبل المفهوم العربي حيث جهادي مشتقة من جهاد أي الجهد والعمل. كذلك نفى انتماءه الى مجموعة متطرفة وشرح ذهابه الى أفغانستان في ربيع عام 2001، أي في الفترة نفسها التي كان فيها بقال في أفغانستان بأنه كان يمر في «مرحلة تساؤل» علما أنه طلق امرأته قبل رحيله وترك المنزل الذي كان يسكن فيه.

والحقيقة أن داودي ذهب الى أفغانستان عن طريق بريطانيا ثم باكستان. وكما فعل بقال، فقد استخدم جواز سفر فرنسيا مزورا. وإذا كان داودي يدعي أنه انتقل لأفغانستان لتعميق معارفه الدينية، فإن الادعاء يظن أنه ذهب الى أفغانستان للتدرب على استخدام السلاح والمتفجرات. ويرى القضاء الفرنسي أن استخدام داودي جواز سفر مزورا دليل على أن الغرض من انتقاله الى أفغانستان لم يكن التعمق في العلوم الدينية وإلا ما حاجته الى جواز سفر مزور؟. ومكث داودي في أفغانستان من فبراير (شباط) حتى أغسطس (آب) 2001 أي الى ما بعد عودة بقال من أفغانستان. وعند القبض على بقال في دبي، في طريق عودته من أفغانستان الى فرنسا، قامت الشرطة الفرنسية في سبتمبر (أيلول) 2001 بحملة دهم في أوساط الاصوليين وخصوصا الشبكة التي شكلها جمال بقال. لكن كمال داودي نجح في الإفلات من ذلك وهرب الى بريطانيا وتحديدا الى مدينة ليستر حيث كان لبقال منزل. وهناك استعان بالاصوليين في بريطانيا للتخفي. غير أن الشرطة البريطانية قبضت عليه وسلمته الى فرنسا ونقلت الى أجهزة الأمن الفرنسية الدلائل التي عثرت عليها في جهاز الكومبيوتر الخاص به وسجل اتصالاته على الأراضي البريطانية.

وفي سياق الجلسات الثلاث توقفت المحكمة عند حالة نبيل بو النور، 34 عاما. وفي تحديده لمساره الفكري، اعترف بو النور بأنه «سلفي»، لكنه نفى انتماءه الى مجموعة التكفير والهجرة التي قال عنها إنه «كاد» أن ينتمي إليها لكنه تخلى عن مشروعه ذاك لأنه «وعى مخاطر ذلك». وتستأنف المحاكمة اليوم وينتظر أن تستمر حتى أواسط الشهر المقبل.