اختلاف حاد بين الجيش والمخابرات الإسرائيلية حول مستقبل الأوضاع مع الفلسطينيين

TT

=

شهدت الساحة الاسرائيلية هذه الأيام انفجارا علنيا للخلافات بين قيادتي الجيش والمخابرات العامة حول مستقبل التعامل مع الفلسطينيين وما سمي بالأخطار الكامنة في تطبيق «خطة الفصل» (الانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية وازالة المستعمرات اليهودية واخلاء المستوطنين).

ففي حين خرج رئيس «الشاباك» (جهاز المخابرات العامة)، آفي ديختر، بتحذيرات قال فيها ان الانسحاب المذكور سيحوّل المناطق الفلسطينية الى لبنان ثان من حيث المقاومة العسكرية، رد عليه رئيس اركان الجيش الجنرال موشيه يعلون، بالقول ان هذه صورة سوداوية قاتمة لا تتلاءم والواقع.

ومع ان الخلافات بين هذين الجهازين ذوي النفوذ الكبير في اسرائيل، ليست جديدة، الا ان انفجارها بهذا الشكل العلني المباشر هو الجديد، وقد أثار انتقادات واسعة، أمس ضد الطرفين، وكان من رأى انها تضر بمصالح اسرائيل «لأن الفلسطينيين يرصدونها بمثابرة ويبنون مواقفهم على أساسها».

وكان هذا الخلاف قد انفجر بداية بالتصريحات التي أدلى بها رئيس المخابرات، خلال تقديمه التقرير التقليدي نصف السنوي أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست (البرلمان الاسرائيلي)، أول من أمس. فقال: ان خطة الفصل، وما ينطوي عليها من انسحابات للجيش في بعض المناطق ستخلق وضعا خطيرا بالنسبة لإسرائيل في ظروف معينة. وقال ان الانسحاب من الشريط الحدودي المعروف باسم شريط فيلادلفيا (وهو الحدود ما بين قطاع غزة ومصر، والذي اتفقت اسرائيل ومصر على ان تزيد القوات المصرية العاملة على حمايته من عمليات تهريب الأسلحة)، سيجعل من جنوب غزة نسخة ثانية من جنوب لبنان ابان فترة المقاومة اللبنانية ـ الفلسطينية. والامر نفسه يمكن ان يقال أيضا عن شمال الضفة الغربية وأكثر من ذلك، اذ ان هذه المنطقة ستؤدي الى نقل الحرب الى قلب اسرائيل.

وأعرب ديختر أيضا عن مخاوفه من آثار تطبيق «خطة الفصل» على الحياة الداخلية في اسرائيل، وكشف عن جزء من الخطط الحربية التي يعدها المستوطنون اليهود ومناصروهم في اليمين المتطرف وقال «انهم سيتجاوزون كل الخطوط الحمراء. ولا يترددون في المبادرة الى سفك دماء يهودية في سبيل إفشال الخطة». وقال ان من المعلومات المتوفرة لدى جهاز المخابرات، فان هؤلاء يخططون لافتعال اسباب لاشعال النيران وتفجير معركة عسكرية بين الجنود وبينهم «فهم يمتلكون نوعا من الاسلحة التي تطلق دهانا أحمر بلون الدم. وينوون اطلاق هذا الدهان على بعض زملائهم المستوطنين، حتى يحسبوا ان هذه دماء ناجمة عن اطلاق رصاص، فتثور اعصابهم ويردون باطلاق الرصاص على الجنود».

وأضاف ديختر انه في حالة انكشاف هذه الوسيلة المخادعة فان بعض المستوطنين يخططون الى المبادرة لإطلاق النار الحي على الجنود الذين سيأتون لاخلائهم، لكي تسفك الدماء وتنتشر الفوضى ويضطر رئيس الوزراء، أرييل شارون، الى وقف تطبيق خطته وابطال الانسحاب. وأكد ان المستوطنين بدأوا يديرون حربا نفسية على قيادة الجيش الميدانية، حتى يدخلوهم في حالة احباط تقود الى التمرد داخل الجيش.

وقد أغاظت تصريحات ديختر هذه الجنرال يعلون، قائد أركان الجيش ووجّه انتقادا مباشرا لرئيس المخابرات، فقال «أفلام الرعب هذه التي سمعنا قصتها لا تلائم شخصيات تقف على رأس مؤسسات أمنية مسؤولة. ونحن في الجيش لا نسير وفق سيناريوهات سينمائية كهذه، وجاهزون لمواجهة كل وضع بقوة وبحزم وبمسؤولية. وقادرون على الدفاع عن أمن اسرائيل من كل الحدود تقررها القيادة السياسية».

واقترح يعلون على ديختر وغيره من القادة ان يكفّوا عن بناء التصريحات على السيناريوهات المستقبلية ويرصوا كيف يضعون نصب أعينهم مهمة تطبيق القانون بحذافيره، من خلال فهم الحساسية الخاصة للموضوع ولكن من دون تعدّ على صلاحيات القيادة السياسية. وكان رئيس الوزراء شارون قد تطرق هو الآخر الى هذا الموضوع لكن من زاوية أخرى. ففي لقاء مع مجموعة من الجنود الذين شاركوا في اخلاء المستعمرين اليهود من مبنيين في احدى المستعمرات قرب نابلس مطلع الاسبوع، قال انه أمر قيادة الجيش بالتعامل بحزم مع كل من يرفع يده على جندي في الجيش الاسرائيلي، فنحن دولة قانون. والجنود هم الذين ينفذون القانون عندما يتلقون الأوامر بذلك، ومن يعترض طريقهم يكون هو المخالف للقانون. ويجب ان يلقى عقابه. وانا أطلب منكم بكل مسؤولية ألا تتعاملوا بنعومة مع هؤلاء. ودعا كل معارضي خطة الفصل، إلى توجيه سهامهم ضده هو وليس ضد الجيش.