القاهرة تريد طلب إيضاحات جزائرية ردا على انتقاد بلخادم ورفضه «تحول الجامعة لملحق بالخارجية المصرية»

TT

طوى عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية غاضبا الملف الصحافي الذي اعتاد كبار مساعديه وضعه على مكتبه صباح كل يوم ويتضمن خلاصة ما تنشره الصحف العربية والدولية حول الجامعة العربية ونشاطاتها.

كان غضب موسى متوقعا، بعد ان فاجأ وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم، الأوساط الدبلوماسية والسياسية العربية بتجديده خلال الايام الماضية مقترح بلاده الداعي لتدوير منصب الأمين العام للجامعة من اجل كسر ما وصفه بالاحتكار المصري للمنصب، وذلك قبل ثلاثة اشهر على استضافة الجزائر للقمة العربية المقبلة. وقال دبلوماسي عربي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» ان أولى معارك القمة المقبلة بدأت على ما يبدو بشكل مبكر، مشيرا إلى أن ثمة معلومات متداولة تؤكد أن عدة عواصم عربية أخرى ستثير هذا الملف خلال القمة المقبلة.

لكن موسى كان في المقابل حريصا على تفادي إظهار استيائه من الانتقادات الجزائرية، أمام ممثلي وسائل الإعلام الذين اعتادوا انتظاره وهو يخرج من مكتبه للحصول منه على تصريحات جديدة. وباقتضاب، شكك موسى في أن تكون هذه التصريحات صدرت فعلا عن المسؤول الأول عن الدبلوماسية الجزائرية الذي قال في الآونة الاخيرة للاذاعة الجزائرية: «لا نريد أن تصبح جامعة الدولة العربية هيكلا ملحقا بوزارة الخارجية المصرية».

وفيما لم يصدر أي رد فعل رسمي من وزارة الخارجية المصرية فان مصادر دبلوماسية طلبت عدم تعريفها أبدت استغرابها من هذه التصريحات وقالت إن القاهرة بصدد طلب إيضاحات بشأنها.

وبينما قالت مصادر عربية مقربة من موسى انه يشعر باستياء مكتوم من اعتباره موظفا تابعا لوزارة الخارجية المصرية، اشارت إلى أن تصريحات موسى ومواقفه تجاه مختلف القضايا التي تهم المنطقة العربية غالبا ما كانت سباقة على مواقف بعض الدول الأعضاء في الجامعة العربية وبينها مصر.

ولفتت الانتباه إلى أن ترشيح موسى لخلافة مواطنه الدكتور عصمت عبد المجيد لم يكن قراراً مصريا فقط بل بإجماع كافة الدول العربية التي رأت في شخص موسى ومؤهلاته الدبلوماسية الشخص المناسب لشغل هذا المنصب في هذا التوقيت الحرج.

وأكدت أن موسى لا يشعر بالقلق تجاه تلميح وزير الخارجية الجزائري إلى عزم بلاده طرح هذا الملف على اجتماعات ثالث قمة عربية ستعقد في الجزائر منذ عام 1973 خلال مارس (آذار) المقبل، موضحة أن موسى لم يحدد بعد موقفه النهائي بشأن ما اذا كان ينوي الاستمرار في منصبه لفترة ولاية ثانية. ولاحظت أن موسى لا يزال يرفض تسلم مرتبه الشهري من الجامعة العربية منذ العام الماضي، في إشارة تعكس استياءه تجاه عدد من القضايا الملحة بينها الوضع المالي المأزوم الذي تعانيه الجامعة العربية منذ بضع سنوات.

وسبق للجزائر أن قدمت مقترحا رسميا خلال الاجتماعات السابقة لوزراء الخارجية العرب بشأن العمل بمبدأ التداول بين مختلف الدول العربية حول المنصب الذي هيمنت عليه مصر خلال السنوات التسع والخمسين الماضية. وتقول ورقة جزائرية رسمية إن ميثاق الجامعة العربية لم ينص على جنسية الأمين العام ولم ينظم مسألة التداول عليه وبالتالي فإنه بالإمكان تفعيل قاعدة التداول على هذا المنصب بين المجموعات الجغرافية بما يحقق المساواة بين كافة الدول العربية. واعتبرت الورقة أن الأمانة العامة للجامعة العربية والتي ظلت في القاهرة منذ تأسيسها لم تتمكن من تحقيق المهام الإدارية والسياسية والتنظيمية المنوطة بها.

كما دعت الورقة التي تقع في 12 صفحة إلي مراعاة مبدأ العدالة في توزيع الوظائف والمناصب حسب نظام حصص على مستوى الأمانة العامة للجامعة العربية والمنظمات العربية المتخصصة والأخذ بعين الاعتبار التوزيع الجغرافي العادل لمقرات هذه المنظمات.

وتضمنت الورقة الجزائرية مجموعة اقتراحات على عمل الأمانة العامة للجامعة العربية في مقدمتها فتح ملفات المنظمات والمجالس العربية المتخصصة برمتها ووضع أسس جديدة وسليمة تقوم على اعتبار أن هذه الأجهزة هي آليات لتحقيق التكامل في ميدان معين انطلاقا من برنامج عمل محدد وأهداف مرحلية مرسومة. وانتقدت مفهوم العمل العربي المشترك في إطار الجامعة العربية واعتبرت انه اتسم بالارتجال وعدم التخطيط مما أفقده الفعالية والجدية، مشيرة إلي أن التعاون العربي على المستوى الاقتصادي لم يرق إلى مستوى الإمكانيات والقدرات المتوافرة كما لم تتحقق المشاريع الكبرى في التكامل والاندماج الاقتصادي وتسهيل انسياب السلع والخدمات بين الدول العربية.

وجاء في المقترح الجزائري ما نصه انه «من المناسب التفكير جيدا في ماهية المصلحة التي تجمع كل الدول العربية بمفهوم تجد فيه كل دولة عربية غايتها»، مشيرة إلي أن ذلك لن يتأتى إلا على أساس معرفة حدود المصلحة القطرية من المصلحة العامة الجامعة لان إصلاح المنظومة العربية يتطلب بالضرورة توضيح ماذا يريد العرب وما هو الهدف من الإصلاح والتجديد.

وتعد الجزائر ثالث دولة عربية بعد قطر واليمن تدخل على خط المطالبة بتعيين أمين عام للجامعة لا يحمل الجنسية المصرية، علما بأن ميثاق الجامعة العربية لا يتضمن نصا محددا في هذا الصدد، لكن العرف المعمول به منذ عام 1945 يمنح مصر باعتبارها دولة المقر للجامعة العربية الحق في تعيين أمينها العام، حيث تولى التونسي الشاذلي القليبي هذا المنصب بعد نقل الجامعة العربية من القاهرة إلي تونس عقب توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.

وتنازل اليمن طواعية عن ترشيح الدكتور محسن العيني رئيس وزرائه السابق لمنصب الأمين العام للجامعة العربية بناء على طلب مصري رسمي لصالح تعيين عمرو موسى وزير الخارجية المصري (سابقا) في المنصب الذي خلا عام 2001 اثر انتهاء فترة الولاية الثانية للدكتور عصمت عبد المجيد.