وكالة الطاقة تعتزم إجراء اتصالات مع القاهرة حول أنشطتها النووية.. ودبلوماسيون يتحدثون عن تجارب أجريت خارج مصر

TT

أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها تجري اتصالات مع الحكومة المصرية بشأن معلومات غير مؤكدة حول إجراء مصر وبشكل سري، تجارب غير معلنة لإنتاج الأسلحة النووية. يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه دبلوماسيون مطلعون على نتائج عمليات التفتيش أنه ليست هناك أدلة على أن مصر لديها برنامج نووي عسكري. في حين علمت «الشرق الأوسط» أن الوكالة الدولية لم تتلق حتى الآن أية نتائج لتحليل العينات التي كان المفتشون قد أخذوها من مصر في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. من ناحيتها أكدت الولايات المتحدة رسميا ثقتها في أن المصريين سوف يولون الموضوع اهتماما كبيرا. في الوقت نفسه، طالب خبير أميركي بارز بالحذر، واستبعد أن يكون لدى القاهرة برنامج نووي عسكرية.

وفي أول تعليق رسمي يصدر من الوكالة الدولية، قال مارك جوذديكى الناطق الرسمي باسمها في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» إن المعلومات الخاصة بوجود أنشطة مصرية ليست جديدة. وأشار إلى أن الوكالة تلقت معلومات مماثلة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأوضح أن هذه المعلومات ليس مصدرها الرسمي الوكالة بل ممثلون ديبلوماسيون لبلدانهم لديها، مشيرا إلى أن الوكالة ليست بصدد إصدار بيان رسمي في هذا الخصوص. وأشار مصدر، طلب عدم ذكر اسمه «لا نعرف من أين جاءوا بمثل هذه المعلومات». ولفت الانتباه إلى أنه من المحتمل أن يناقش مجلس أمناء الوكالة الذي سيجتمع في فيينا يوم 28 من الشهر المقبل هذا الملف.. وقال مصدر آخر بالوكالة لـ«الشرق الأوسط»: إن هذا الأمر يتوقف على ما إذا كانت ستتوفر معلومات محددة حول أنشطة مصر النووية.

وأكد المتحدث أن سياسة الوكالة هي عدم التعليق على أي نشاط يتعلق بأنشطة التحقق النووي في أي دولة، مشيرا إلى أن هذه المعايير يتم تطبيقها على كافة الدول التي تخضع لعمليات التحقق حول أنشطتها النووية وأن مجلس إدارة الوكالة التي تتخذ من العاصمة النمساوية فيينا مقرا لها يتم إحاطته علما بشكل مستمر بنتائج هذه العمليات وأن أي خرق لها يتم وضعه بشكل عاجل أمام أنظار المجلس. من ناحية أخرى، شددت الوكالة، في بيان داخلي، على مسؤوليها الإعلاميين بضرورة مراعاة الالتزام بسياستها بعدم التعليق على أنشطة الوكالة في الدول الأعضاء. وقال دبلوماسيون، انه على الرغم من مشاركة عدد من العلماء المصريين في تجارب نووية في داخل مصر وخارجها خلال العقود الثلاثة الأخيرة فإنه ليس هناك أي دليل على أن مصر تمتلك برنامجا لتصنيع الأسلحة النووية، حسب ما قاله دبلوماسيون على اطلاع على نتائج عمل مفتشي الأمم المتحدة النوويين.

ومصر ليست موضوع تحقيق، حسبما قالت المصادر على الرغم من أن المفتشين المنتمين إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ينتظرون نتائج التجارب على عدد من العينات البيئية أخذت خلال زيارات قاموا بها لمرافق نووية حكومية تقع بالقرب من القاهرة. وعلى الرغم من أن حدود العمل المصري في هذا الميدان لم تعرف بالكامل، فإن الدبلوماسيين الغربيين الذين أعلموا بتحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالوا إنه ليس هناك أي دليل عن تخصيب لليورانيوم أو فصل البلوتونيوم وهاتان العمليتان هما أساس أي برنامج نووي.

كذلك فإن مفتشي الوكالة الدولية راضون عن أن تلك التجارب التي كشف عنها في نشرات علمية من قبل العلماء المصريين بعد انتهاء العمل بعدة سنوات لم تكن موجهة أو منظمة من قبل الحكومة، حسبما قال الدبلوماسيون.

وتتضمن التجارب موضع الاستفسار تلك المتعلقة بالعمل على مكونات اليورانيوم وتم إجراؤها خلال عقدي السبعينات والثمانينات وبعضها أجري خارج مصر، وفقا لما ذكره الدبلوماسيون الذين قبلوا بالحديث عن الملف شرط عدم الكشف عن أسمائهم. وقال أحد الدبلوماسيين «كان العمل متقطعا وتضمن عمل عدد من الأفراد الذين شاركوا في بعض الحالات في تجارب جرت خارج مصر كجزء من تبادلات علمية منتظمة». وجرت إحدى التجارب في فرنسا وأخرى في تركيا، وكلتا التجربتين لم تكونا جزءا من أي برنامج خاص بصنع الأسلحة النووية. وقال البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية إنهما لا يمتلكان أي معلومات بخصوص كشوف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حسبما جاء في تقرير صادر عن وكالة اسوشيتد برس. وقال سكوت ماكليلان «نحن متأكدون من أنهم سيدرسون الموضوع بعناية، وأنا أحب أن أنوه بأن مصر هي واحدة من الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية».

وانضمت مصر إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1982 وتعهدت بأنها ستمتنع عن امتلاك أسلحة نووية وستزود الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتصريح خطي عن كل تجاربها السابقة في هذا الميدان. لكن الدبلوماسيين قالوا إن مصر لم تعط كل التفاصيل آنذاك وكان عليها أن تقدم معلومات عن أي تفاصيل جديدة. وكانت الوكالة الدولية قد بدأت عملها في مصر خلال سبتمبر (أيلول) أثناء فحص روتيني يجري عادة في البلدان الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وقال المسؤولون المصريون علنا آنذاك إنه لم يكن هناك أي برنامج خاص بالأسلحة النووية في مصر وإنهم يعملون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقال دبلوماسي على اطلاع بالتحقيقات إن مصر كانت متعاونة وسمحت لمفتشي الوكالة بزيارة المواقع واستجواب العلماء ومراجعة التقارير الحكومية ذات العلاقة ببرنامج الطاقة الذرية الخاص بمصر. وقال المسؤولون إن العمل النووي المصري ليس بحجم العمل في إيران أو كوريا الشمالية أو ليبيا أو حتى كوريا الجنوبية، وإن مخاوف الوكالة الدولية تنصب حول إجراءات الإعلام بهذه الأنشطة أكثر مما تتعلق بالبرامج السرية.

وعبّر بعض الدبلوماسيين في فيينا، مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن قلقهم من أن تستخدم تلك القضية لإحراج المدير العام للوكالة محمد البرادعي الذي هو من أصل مصري. ويسعى البرادعي أن يحتل موقع رئاسة الوكالة لفترة ثالثة لكن إدارة بوش التي تصادمت مع الوكالة عدة مرات بخصوص العراق تريده أن يتخلى عن منصبه عند انتهاء ولايته الثانية في يونيو المقبل.

من جهتها، ربطت مصادر ديبلوماسية مصرية وعربية بين ترويج أوساط داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لقيام مصر بإجراء تجارب سرية لإنتاج الأسلحة النووية وبين إعادة ترشيح البرادعي لفترة ولاية ثالثة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»