الكونغرس يناقش اليوم تعيين غونز اليس وزيراً للعدل وسط جدل حول دوره في صياغة سياسات استجواب معتقلي الإرهاب

حالة أبو زبيدة فجرت النقاشات القانونية حول كيفية استجواب المعتقلين من دون خرق قانون منع التعذيب

TT

في مارس (آذار) 2002 تحولت الفرحة الاميركية بالقبض على مسؤول عمليات تنظيم «القاعدة» ابو زبيدة الى احباط بعدما رفض الخضوع لتحقيقات وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.ايه). غير ان ضباط الوكالة، الذين صمموا على الحصول على مزيد من المعلومات من أبو زبيدة عبر استخدام اسلوب التحقيقات التهديدية، شعروا بالقلق من احتمال اتهامهم بانتهاك القوانين الدولية والمحلية بخصوص التعذيب.

وطلبوا رأيا قانونيا رسمياً، هو الاول من نوعه، حول مدى الالم والمعاناة التي يمكن ان يسببها ضابط استخبارات اميركي لسجين بدون انتهاك القانون الصادر عام 1994 الذي يفرض عقوبات حادة، بينها السجن مدى الحياة والاعدام، على الاشخاص الذين يدانون بتهمة التعذيب.

تولى مكتب الاستشارات القانونية في وزارة العدل هذه المهمة، وجرى، خلال فترة صياغة الرد، ابلاغ المسؤولين بالادارة، مرتين، بالنتائج. ورأس المستشار القانوني للبيت الابيض البرتو غونزاليس الاجتماعات حول هذا الموضوع، التي شملت وصفا تفصيليا لوسائل التحقيق، مثل ذلك الذي يجعل المعتقلين يشعرون بالغرق. ولم يعترض، بل أقر، بدون استشارة الخبراء العسكريين والذين يعملون في وزارة الخارجية، في اغسطس (آب) 2002 مذكرة تغطي المحققين التابعين لوكالة الاستخبارات المركزية الموافقة القانونية التي يسعون اليها.

وساهم غونزاليس الذي كان يعمل عن قرب مع مجموعة صغيرة من المسؤولين القانونيين المحافظين في البيت الابيض، وفي وزارتي العدل والدفاع ـ والاشراف على مناقشات استبعدت عادة عددا من المنشقين ـ في اعداد العديد من المواد القانونية فيما يتعلق بالتعامل مع وسجن الارهابيين المشتبه فيهم، وتطبيق المعاهدات الدولية على العسكريين الاميركيين ونشاطات تطبيق القانون.

وذكر بعض من زملائه السابقين انه خلال تلك الفترة، كان غونيزاليز، وهو صديق قديم للرئيس جورج بوش من تكساس ومرشح الرئيس لمنصب وزير العدل، يردد دائما عبارة يستخدمها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد للحث على سياسات اكثر تشددا ضد الارهاب: «هل نضغط بما فيه الكفاية؟».

ويتوقع ان تحظى مشاركة غونزاليس في صياغة مذكرة التعذيب، وعمله في قرارين رئاسيين بخصوص التعامل مع المعتقلين التي اثارت ضجة خلال الفترة الاولى للرئيس بوش، بالاهتمام في جلسات الاستماع التي تعقدها اللجنة القانونية في مجلس الشيوخ اليوم بخصوص ترشيح غونزاليس ليتولى منصب وزير العدل. والخطوط العامة لنشاط غونزاليس معروفة، ولكن ظهرت بعض التفاصيل الجديدة في مقابلات مع زملاء وغيرهم من المسؤولين، بعضه منهم تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.

وفي قضيتين سياسيتين مثيرتين للجدل اقرهما غونزاليس، قال مسؤولون على علم بالقضية ان قوة الدفع جاءت من ديفيد ادينغتون، المستشار القانوني لنائب الرئيس ديك تشيني، وهو دليل آخر يعكس نفوذ تشيني المبالغ فيه مع الرئيس وباقي الحكومة. وقد تحدث ادينغتون الذي يوصف بأنه شخصية محافظة، وتولى استجواب المرشحين لمنصب نائب غونزاليس، في تلك الاجتماعات الصباحية التي يعقدها غونزاليس، وفي مثال واحد على الاقل، صاغ نسخة اولية للمذكرة القانونية التي وزعت على ادارات اخرى باسم غونزاليس.

واشار مسؤول سابق في البيت الابيض الى ان صياغة مذكرة باسم آخر «دليل على العلاقة المتقاربة بين الرجلين». غير ان مسؤولا آخر علي معرفة بالقرارات القانونية للادارة، وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، ذكر ان غونزاليس يقبل عادة بقرارات يتخذها الآخرون. وهذه ليست من الصفات المفضلة في مسؤول مرشح لمنصب وزير العدل، طبقا لما ذكره المسؤول الذي اضاف انه يعتقد ان غونزاليس تعلم من بعض الاخطاء خلال الفترة الرئاسية الاولى لبوش.

الا ان انصار غونزاليس يصورونه بأنه خليفة عملي لجون آشكروفت ومحام حذر يزن وجهات النظر المتنافسة بينما يضغط من اجل التوصل الي جهود متشددة ضد الارهاب. وقد عبر منتقدوه عن قلقهم على ما يعتبرونه سجله في تجنب وجهات النظر المتعارضة في تطوير سياسات قانونية تفشل في الاستمرار في ظل رقابة واسعة. وقد تحول ترشيحه الى ميدان معركة للنقاش حول ما اذا كانت الادارة تصرفت بطريقة حذرة للتكهن بعملية ارهابية اخرى او بالغت بإقرار الاساءة لحقوق الانسان.

والامر الواضح هو ان غونزاليس، 49 سنة، يستمتع بثقة بوش. فقد عمل مباشرة مع حاكم تكساس السابق لاكثر من تسع سنوات، يقدم له المشورة في قضايا السياسة الخارجية والدفاع. فعلى سبيل المثال عندما تخلت وزارة العدل عن المبررات القانونية لمذكرة التحقيقات الصادرة في اغسطس (آب) 2002 في الاسبوع الماضي في مذكرة اخرى اطلع عليها غونزاليس، ألغت الحكومة سياسة ذات عواقب ناقشها غونزاليس بتفاصيل الى درجة معرفة رد الفعل النفسي للمعتقلين للمعاناة التي تود وكالة (سي.آي.ايه) ممارستها، حسبما افادت شخصيات شاركت في المناقشات. ولم يتسن الاتصال بغونزاليس وادينغتون للحصول منهما الى تعليق.

وقال المتحدث باسم البيت الابيض براين بسانسينري ان غونزاليس «خدم بكفاءة وبأعلي المستويات الحرفية كمحام» في القطاع الخاص، وفي حكومات الولايات وفي البيت الابيض، وسيستمر كذلك كوزير للعدل.

وقد اثارت مناقشات حول طرق استجواب معتقلي الارهاب، مزيد من التمرد في وزارة الخارجية بين المحامين العسكريين والضباط. ودارت المناقشات حول ما اذا كان مقاتلو القاعدة وطالبان الذين تم اسرهم في ميدان المعركة في افغانستان تنطبق عليهم معاهدات جنيف الخاصة بأسرى الحرب.

ونصح غونزاليس، بعد الاطلاع على المذكرة القانونية من مكتب الاستشارات القانونية في وزارة العدل، بوش شفهيا في 18 يناير (كانون الاول) 2002، بأن لديه السلطة لاعفاء المعتقلين من مثل هذه الحماية. ووافق بوش، ملغيا بذلك سياسة استمرت لعقد من الزمن تهدف جزئيا لضمان معاملة مماثلة للمعتقلين العسكريين الاميركيين حول العالم. واصدر رامسفيلد امرا في اليوم التالي للقيادات بان المعتقلين سيحصلون على مثل هذه الحماية «بما يتناسب والاحتياجات العسكرية».

والتقى وزير الخارجية كولن باول، الذي حاول مستشاره القانوني ويليام تافت مرارا عرقلة القرار، مرتين مع بوش لاقناعه بان مثل هذا القرار كارثة في مجال العلاقات العامة وسيضعف المحظورات العسكرية الاميركية المتعلقة بالإساءة للمعتقلين. وأيد الجنرال ريتشارد مايرز رئيس هيئة اركان الجيوش الوزير باول، بالاضافة الى قيادات القيادة المركزية.

وقد تولى ادينغتون مبدئيا مهمة تلخيص وجهات النظر المتنافسة في مسودة رسالة للرئيس. وتم توزيع مذكرة كتبها ووقعها باسم غونزاليس وبعلمه على العديد من الادارات. وتم تسريب نسخة من هذه المسودة المؤرخة في 25 يناير 2002. وتشمل العبارة الملفتة للنظر ان «نموذجا جديدا» للحرب على الارهاب «ادى الى ابطال مفعول القيود المتشددة لمعاهدات جنيف بخصوص التحقيق مع سجناء العدو».

وفي مطلع فبراير (شباط) 2002، اعاد غونزاليس النظر مرة اخرى في الموضوع مع بوش، الذي اكد قراره المبدئي المتعلق بسلطته القانونية، لكنه اختار تطبيقه فورا على افراد طالبان. وقال تيموثي فلانيغان، النائب السابق لغونزاليس، ان هذا الاخير لا يزال يختلف مع باول لكنه «اعتبر دوره بأنه يحاول مساعدة الرئيس على تقبل وجهات نظر الخارجية».

وبعد ذلك بحوالي 30 شهر، توصلت لجنة تابعة لوزارة الدفاع برئاسة جيمس شليزنغر ان الامر التنفيذي الرئاسي الصادر في 7 فبراير يلعب دورا رئيسيا في تشكيل القيادة المركزية لسياسات تحقيق في سجن ابو غريب في العراق.

واشتكى محام عسكري سابق شارك في المناقشات، لكن طلب عدم الإشارة الى اسمه، من ان مكتب غونزاليس تجاهل اللغة وتاريخ المعاهدات، وتعامل مع القضية «وكأنهم يحاولون النظر الى النتائج لمعرفة كيف يمكن تبرير ما الذي يريدون عمله».

وبالنسبة لمساعدي غونزاليس، فإن الخبرة اكدت المخاوف بضرورة عدم ابلاغ وزارة العدل والمجموعات القانونية العسكرية بمعلومات حول مثل هذه القرارات السياسية. وذكر أحد المساعدين ان وزارة الخارجية «اعتبرت مهمتها بأنها تمثل مصالح باقي دول العالم امام الرئيس، بدلا من مصالح الرئيس أمام العالم».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»