مصور صحافي ألماني نجا خلال زيارة لـ«جنة الغواصين» بتايلاند لـ «الشرق الأوسط»: ما قبل الطوفان: صمت عميق.. وأمواج بسيطة... وصعود الشعب المرجانية على سطح الماء

TT

تعرّض المصور الصحافي الألماني المعروف هارالد هاكماير حياته للخطر مرارا وهو يلاحق بالكاميرا أخبار مناطق الأزمات في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. إلا أن ما حدث معه يوم 26 من الشهرالماضي، يوم اجتاح مياه المحيط جنوب شرق آسيا بتأثير الزلزال، هو أن حياة جديدة قد كتبت له. كان «هاكي» ضمن فريق للغواصين يتمتعون بصيد اللؤلؤ والمرجان، ويصورون الأعماق، حينما حل صمت عظيم سبق «العاصفة» التي خلفت نحو ربع مليون قتيل. حط هاكي الرحال مع 30 غواصا من مختلف أنحاء أوروبا في فوكيت (تايلاند) استعدادا لمغامرة العمر بين مستعمرات المحار والشعب المرجانية في المنطقة. وشاءت الصدفة أن يركب الفريق الباخرة بين 23 ـ 27 ديسمبر باتجاه الشمال، قرب جزر سيميلان، التي تعتبر «جنة» الغواصين في العالم. وهي مجموعة جزر صغير غير مأهولة يقصدها الغطاسون للتمتع ببيئتها البحرية الفريدة. وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، يقول المصور الشهير: اليوم يشعر الإنسان عادة بالأمان وهو على اليابسة، إلا أني شعرت بأمان بالغ وأنا على متن الباخرة بعد أن تلقينا خبر الزلزال وكارثة الطوفان. وفيما يلي نص الحوار:

* هل كانت هناك مؤشرات ما على حدوث شيء؟

ـ نحن نغطس عادة أربع مرات في اليوم. المرة الأولى بين الثامنة والتاسعة صباحا، والثانية حوالي الظهر والمرتان الأخريان بعد الظهر. في يوم الكارثة لاحظنا في غطسة الصباح وجود تيارات مائية قوية وحركة أسماك وأحياء مائية غير اعتيادية، وعدنا قبل الوقت المحدد ونحن مرهقون بفعل صعوبة الغوص في هذه التيارات. لم نلحظ مدا في الماء ولا أمواجا عالية، لكن قمر الليلة الفائتة كان بدرا. وحوالي الظهر ارتدينا ملابس الغوص مجددا، وتجهزنا بكافة العدة للغوص، وهنا حدث شيء غريب. حل صمت عميق، جاءت أمواج بسيطة غير مرتفعة ثم فجأة شاهدنا الشعب المرجانية والمحار على سطح الماء قربنا بدلا من أن تكون على عمق 15 مترا. اكتشفنا أن الماء انخفض بحدة أوصلتنا إلى عمق الشعب المرجانية، لم تحدث أية دوارة مائية، لكن الباخرة دارت على نفسها مرتين أو ثلاث، ثم استقرت، وطفت الأحياء المائية فوق سطح الماء.

* ماذا كان قراركم؟

ـ الشعور بالخوف من هزة أخرى دفعنا للمطالبة بالعودة إلى اليابسة، إلا أن القبطان أقنعنا بأن الباخرة هي أكثر الأماكن أمنا في العالم اليوم. بعد ساعات قليلة تلقينا نبأ غرق صديقي النمساوي هاينز وبنتيه الشابتين.

* متى عدتم إلى اليابسة وأين؟

ـ عدنا بعد يومين، أي بعد انقضاء احتمال حدوث هزة ثانية. كانت معظم الشواطئ ممنوعة ومحطمة، وهبطنا إلى اليابسة على الساحل الشرقي، الذي لم يتعرض للدمار، من جزيرة فوكيت.

* كيف تفسر خروج مصور صحافي مثلك بلا أية صورة للمأساة؟

ـ كان الشعور بالمصاب، ومشاركة الآخرين المصاب، أقوى لدي من أية رغبة في التصوير. طار النوم من عيني لعدة ليال بسبب الأهوال التي شاهدتها، وكانت رغبتي الأولى هي تفقد الأصدقاء والمساعدة في انقاذ الآخرين. تبرعت بالمال وبالدم وساعدت في أعمال الإغاثة. سأحتفل يوم 10/1 الجاري بعيد ملادي، دعوت العشرات من الأصدقاء وطلبت منهم الامتناع عن جلب الهدايا والتبرع عوضا عنها (25 يورو من كل شخص) لضحايا الكارثة. فقد كان من الممكن أن أكون بين عداد الضحايا.