محامية المعتقلين الكويتيين في غوانتانامو: التقينا بكل سجين ساعتين ولم يسمح لنا بإطلاع أسرهم على ما دار معهم

المعتقل فوزي العودة قال في رسالة إلى والده «لا نزال صابرين وأملنا في الله كبير»

TT

في حديث خاص «لـ«الشرق الأوسط» قبيل مؤتمر صحافي عقدته في واشنطن قالت محامية المعتقلين الكويتيين في غوانتانامو كريستين هوسكي، إنها التقت بالمعتقلين خلال الأيام القليلة الماضية، برفقة أحد زملائها في مكتب محاماة «تشيرمان آند ستيرلينج»، الذي يتولى الدفاع عن 12 معتقلا كويتيا في القاعدة العسكرية الأميركية بكوبا.

وأضافت المحامية الأميركية، أن اللقاءات استمرت على مدى ثلاثة أيام الشهر الماضي، حيث انفردت بكل معتقل حوالي ساعتين لبحث سبل الدفع بقضيتهم إلى الأمام على أمل الإفراج عنهم في أسرع وقت ممكن. وقالت إنها لا تستطيع الإدلاء بتفاصيل ما دار من حوارات مع المعتقلين الكويتيين لأنها وقَعت تعهدا للسلطات بعدم الكشف عن أقوال المعتقلين إلى أن تتم إزالة صفة السرية عن تلك الأقوال بأمر قضائي. واكتفت هوسكي بالإشارة إلى أن أحوالهم الصحية مقبولة، ولو أنها لا حظت على أغلبهم ضعف البنية وشيئا من النحافة. وفسرت ذلك بأنه ناجم عن عزلتهم طوال ثلاث سنوات في ظروف ما تزال أسرارها غامضة. وقالت إنها لا تستطيع أن تؤكد أو تنفي أن أيا منهم تعرض للتعذيب، لأنها قابلت كلا منهم وهو بملابس السجن، ويصعب التعرف على أي آثار للتعذيب، غير أنها أقرت بأن وجودهم في مثل تلك الظروف في عزلة عن العالم الخارجي بدون محاكمة، يمثل انتهاكا لكل المواثيق الدولية والقيم الإنسانية.

ووصفت المحامية المعتقلين بأنهم كانوا مهذبين أثناء اللقاء. وكانوا ينصتون بصورة جيدة، كما أن الترجمة كانت تمضي بسلاسة. وقالت إن الزيارات سوف تتكرر في العاشر من الشهر الجاري وفي الثلاثين منه لمتابعة القضية، وأن فترة اللقاء مع المعتقلين قد تتضاعف من ساعتين إلى أربع ساعات على الأقل. وأشارت إلى أن الهدف من تكرار زيارة المعتقلين له شقان، إنساني لطمأنة أسرهم، وشق قانوني لمتابعة قضيتهم والإطلاع على أقوالهم من أجل الترافع عنهم عندما تحين الفرصة لذلك. وأعربت عن أملها في تحقيق تقدم على الصعيد القانوني رغم أن الحكومة الأميركية تستميت في إطالة بقاء المعتقلين بدون محاكمة، وتماطل في تنفيذ القرارات القضائية.

ورتبت المحامية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» لقاء عبر الهاتف مع خالد العودة، رئيس لجنة أسر المعتقلين، ووالد المعتقل فوزي العودة، الذي أسهب في الحديث عن قضية معتقلي غوانتانامو، معربا عن استغرابه من انحراف مسار الحرية الأميركية، قائلا «إن الإرهابيين نجحوا للأسف في حرف أعظم أمة في العالم عن مسارها ومبادئها في الحفاظ على حرية البشر وضمان حقوقهم، فلم يكن يعقل أبدا أن تمنع الولايات المتحدة أحدا من حقه في التقاضي والدفاع عن نفسه أمام محاكم عادلة»، مستشهدا بما قاله أحد القضاة البريطانيين من أن أميركا «ستأسف يوما من الأيام على ما حدث من ممارسات في غوانتانامو وغيرها، مثلما أسفت على ما حدث من ممارسات تجاه اليابانيين في أراضيها أثناء الحرب العالمية الثانية».

وتحدث العودة عن تجربته الشخصية في الولايات المتحدة قائلا إنه يكن لها ولشعبها كل تقدير، وانه درس فيها وتدرب طيارا في سلاح الجو في مدارسها أثناء فترة شبابه، وأشار إلى أن ولده المعتقل كان يكن للأميركيين كل الحب والاحترام منذ مشاهداته لهم أثناء تحرير الكويت، حيث كان ينظر إليهم نظرة إكبار لمساعدتهم بلده على التحرر من الغازي.

وقال والد المعتقل إن نجله «أوقعه الحظ السيئ بين تلك القبائل الضالة في باكستان التي باعته للأميركيين بأبخس الأثمان عقب قراءة منشورات كانت تسقطها الطائرات الأميركية بتخصيص مكافآت لكل من يلقي القبض على عربي ينتمي إلى تنظيم القاعدة وحركة طالبان». لكنه أكد أن ابنه «مثله مثل بقية المعتقلين الكويتيين لم يكن منتميا إلى القاعدة أو حركة طالبان، بل كان في باكستان يساعد في تدريس القرآن لتلك القبائل»، التي قال إنها تسلمت مائتي دولار نظير تسليم نجله، حسب القصة التي نشرتها مجلة «نيوزويك»، بعد أن قابل محرروها الأشخاص الذين باعوه.

وأعرب العودة عن تفاؤله بعودة ابنه وبقية المعتقلين وخلاصهم من المحنة التي يمرون بها، قائلا إن الولايات المتحدة رغم كل ما حصل ستظل دولة قانون ولن ينتصر الإرهاب في حرفها عن مبادئها وقيمها. وشدد على أن جمعية أسر المعتقلين لا تطالب بالإفراج عنهم بقدر ما تطالب بإحالتهم إلى المحاكمة والسماح لهم بالدفاع القانوني عن أنفسهم أو تلقي العقوبة إذا ما ثبت ارتكابهم أي جرم.

وقال العودة إنه بعد انقطاع دام حوالي سنتين وصلت أخيرا رسالة قصيرة من ابنه يقول فيها «بشكل عام أنا بخير وبصحة جيدة، لا نزال نحن صابرين وأملنا في الله كبير والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين». وتابع خالد العودة قائلا «إن من السخرية بمكان أن تحاول هذه الأمة العظيمة التي وثقت حقوق الإنسان وقامت على ركائز الحريات، أن تحاول وضع أناس في السجن إلى ما لا نهاية من غير أن تسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم، فهذه مصيبة كبرى». لكنه استدرك قائلا «إن هناك الكثير من الأحرار في أميركا لن يسمحوا باستمرار مثل هذه المصيبة، لأن مثل هذه الممارسات أساءت للولايات المتحدة أكثر مما أفادتها وشوهت سمعتها في العالم لدرجة خطيرة».

وقال خالد العودة «إن ما حدث في 11 سبتمبر (أيلول) 2001 من أحداث إجرامية لا يقبل بها أي إنسان، ونحن ضدها رغم أن أبناءنا رهن الاعتقال، ولكن الولايات المتحدة تخلت عن جزء من مبادئها بسبب الهواجس الأمنية والأهداف السياسية». وطالب العودة واشنطن «بأن تنهج نهجها المعروف وتعود إلى مبادئها، محذرا من أنها إن لم تفعل ذلك فلن تستطيع قهر الإرهاب، الذي ينمو كالسرطان في العالم». وقال «إن الإرهابيين استطاعوا أن يرغموا الولايات المتحدة على التخلي عن جزء من مبادئها، وإن ما يريده هؤلاء الإرهابيون هو ألا تنتصر، ولكن لن تنتصر بالتخلي عن المبادئ». وأشار إلى أن ردة الفعل العنيفة على أحداث الحادي عشر من سبتمبر «دفع ثمنها أبرياء، وسوف ينعكس ذلك سلبا على سمعة الأميركيين ويقوض قيمهم وعدالتهم».

وردا على سؤال عن تفسيره لإفراج الولايات المتحدة عن كثير من المعتقلين الباكستانيين والأفغان والبريطانيين والأردنيين مع الإبقاء على معظم المعتقلين الكويتيين، رغم عدم إحالتهم للمحاكمة، قال العودة «إن الإفراج الذي تم على التوالي يبدو أنه إفراج سياسي من خلال المؤشرات عن هوية من أفرج عنهم وغالبيتهم من الباكستانيين والأفغان، حيث ترغب الإدارة الأميركية في التخفيف من ضغوط الشارع الباكستاني على حليفها برويز مشرف لتقوية مركزه الداخلي، مثلما أرادت أن تفعل الشيء ذاته في أفغانستان ليقف حميد كرزاي على رجليه. أما الأردنيون فقد تم إطلاق سراح أربعة أسرى نظرا لأن المخابرات الأردنية تشارك في بعض التحقيقات داخل غوانتانامو، واكتشف رجال المخابرات الأردنية أن هناك حالات لا ناقة لأصاحبها ولا جمل في الإرهاب، فأوصوا بالإفراج عنهم».

وبسؤاله عما إذا كان الحال ذاته لا ينطبق على المعتقلين الكويتيين كون الكويت حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة، أجاب العودة «أن الكويت لا تزال مقصرة في ما يتعلق بالضغط على الحكومة الأميركية، رغم أن لديها من الأدوات ما يكفي لممارسة الضغط مقارنة مع دول أخرى».

ورأى أن حكومة بلاده «ما تزال خجولة في استخدام مثل تلك الأدوات، وأن أميركا من جانبها رغم نظرتها للكويت كحليف استراتيجي إلا أنها لا تكترث بذلك في ظل وجود ما يهدد أمنها حسب وجهة نظرها». ورردا على سؤال حول دور الحكومة الكويتية في تحمل تكاليف النفقات القانونية للدفاع عن المعتقلين الكويتيين، أقر العودة بأن حكومة بلاده تتحمل الجزء الأكبر من التكاليف المالية «لكنها رغم ذلك تعتبر مقصرة إلى حد ما، رغم دورها الطيب».

ولمح العودة إلى أن سجن غوانتانامو «هو السجن الظاهر الوحيد من بين 24 سجنا سريا آخر في العالم، ينزل فيها آلاف المعتقلين، لا أحد يعرف عنهم شيئا وكأنهم أشباح». وقال «إن هذه السجون مطمورة بسبب التركيز على غوانتانامو فقط ونسيان المعتقلات الموجودة خارج أميركا وتدار بإشراف مباشر وغير مباشر من الاستخبارات الأميركية، في باغرام وفي الوطن العربي للأسف، ويشارك في استجواب المعتقلين ضباط مخابرات عرب».

والسبب الثاني في رأي العودة من وجود معسكر غوانتانامو بشكل علني وعدم السماح ببدء المحاكمات، هو «التلويح للعالم بأن أي إرهابي سيكون مصيره هنا، بغض النظر عن ثبوت الإرهاب عليه أو عدم ثبوته.. ويبدو أن الأميركيين تورطوا في تعذيب بعض المعتقلين ولا يريدون الإفراج عنهم، لأن تجربة الإفراج عن أربعة بريطانيين أثبتتب أن هناك من يمكن أن يرفع دعاوى قضائية بملايين الدولارات على السلطات الأميركية، إضافة إلى فضح الإدارة الأميركية على ممارساتها».