زلزال آسيا: أميركا وفرنسا تدفعان بتعزيزات عسكرية لدعم جهود الإنقاذ وأنان يطلب المزيد

مخاوف دولية من عمليات اختلاس لأموال التبرعات الهائلة

TT

باندا آتشيه (إندونيسيا) ـ عواصم العالم ـ وكالات: فيما صعدت الأمم المتحدة من نبرة نداءاتها لإنقاذ منكوبي كارثة «تسونامي» التي وصفتها مجددا بأنها غير مسبوقة، تتنافس الدول والمنظمات الإقليمية والمحلية بل والأفراد في أنحاء العالم لجمع أكبر قدر من معونات الإغاثة وسط مخاوف وتحذيرات دولية من تعرض أموالها لعمليات اختلاس. وتتواصل عمليات الإنقاذ والغوث في مناطق الكارثة وخاصة في إندونيسيا الأكثر تضررا. ودفعت الولايات المتحدة وفرنسا بمزيد من التعزيزات العسكرية للمساعدة بينما حذرت الأمم المتحدة من أن الصعوبات لا تزال قائمة رغم التقدم في الإغاثة، وقال الامين العام للامم المتحدة كوفي انان أمس في باندا آتشيه، عاصمة اقليم اتشيه الذي اجتاحته أمواج عاتية اثر زلزال الشهر الماضي، انه لم ير شيئا مماثلا لذلك من قبل.

وقال انان «علي ان اعترف انه لم يسبق لي ان شاهدت دمارا بمثل هذا الحجم على طول كيلومترات متتالية حتى اننا نتساءل اين هم الناس وما الذي حصل». واوضح انه زار مدينة مولابو على ساحل اتشيه الغربي بجزيرة سومطرة، وقد أتت موجات تسونامي بشكل شبه تام على هذه المدينة.

وقال «هناك شاهدنا اشخاصا بالكاد بدأوا يدركون (ما حصل) ويستعيدون مجرى حياتهم شيئا فشيئا، وهذا خير تعبير على قدرة الانسان على المقاومة. انني واثق من ان هؤلاء الاشخاص سيتمكنون من النهوض ومواصلة حياتهم بفضل جهود الحكومة والاسرة الدولية»، لكنه أضاف ان «الامر سيستلزم الكثير من المساعدة». من جهته، اعلن منسق المساعدات الطارئة في الامم المتحدة يان ايغلاند ان عمليات الانقاذ تتقدم لكن لا تزال هناك صعوبات هائلة في اندونيسيا التي كانت الاكثر تضررا.

وقال مساء أول من أمس إن عمليات الانقاذ «حققت تقدما كبيرا» في المناطق الاكثر تضررا في اقليم اتشيه، موضحا ان فرق الاغاثة «وصلت الى الكثير من الاشخاص وحملنا لهم المزيد من المساعدات في مجال المياه والمواد الغذائية والسكن والادوية»، لكنه اضاف «ما زلنا نواجه مشاكل هائلة وهذه المشاكل ستستمر في المناطق التي لا طرق فيها ولا اتصالات»، وتابع «لسنا قريبين حتى من معرفة عدد القتلى والمفقودين والمتضررين في تلك المناطق». من ناحية أخرى، ارتفعت حصيلة الضحايا حتى الآن الى اكثر من 165 الف شخص، وتقول التقديرات غير النهائية إنه لايزال آلاف الاشخاص في عداد المفقودين. وأعلن يان إيجلاند منسق عمليات إغاثة الطوارئ بالأمم المتحدة أن إندونيسيا وسري لانكا والهند أكثر المناطق تضررا. وكانت الامم المتحدة قد توقعت الاسبوع الماضي ان يصل عدد القتلى الى 150 الفا، لكنها قالت إن «عدد الضحايا الحقيقي والنهائي» لن يعرف ابدا على الارجح.

على صعيد آخر، وصلت مجموعة اولى من جنود مشاة البحرية الاميركية (المارينز) الى باندا آتشيه أمس لبدء عمليات الاغاثة الانسانية، وقد حطت مروحية تقل 15 عسكريا ومجموعة من البحارة في مطار السلطان اسكندر مودا، صباح أمس. وأعلنت واشنطن ان عمليات الاغاثة كلفتها حتى الآن اربعين مليون دولار، وأنها ارسلت السفينة الطبية «ميرسي» التي ستصل خلال اسبوعين او ثلاثة اسابيع الى المحيط الهندي، وتضم السفينة مستشفى يتألف من الف سرير و12 غرفة للعمليات، وترافق السفينة الطبية اربع سفن اخرى ومدمرتان.

من جهة اخرى، رفعت فرنسا الى 13 عدد المروحيات التي قررت ارسالها الى الدول المتضررة في جنوب شرق آسيا، لتشارك في عمليات الاغاثة بذلك بفرقاطتين ايضا وطائرة مراقبة.

من جهتها، اعلنت اليابان أول من أمس انها سترسل الى المناطق المنكوبة 800 جندي في اكبر قوة عسكرية يابانية تنشر في الخارج للمساعدة في عمليات الاغاثة، ويذكر ان الجيش الياباني مدرب بشكل جيد على الكوارث الطبيعية لان الارخبيل يتعرض باستمرار لهزات ارضية. وبالتوازي مع عمليات الإغاثة على الأرض، بلغ مجموع المساعدات التي اعلنت حكومات عدد كبير من الدول الى حوالي اربعة مليارات دولار، ولا يشمل هذا المبلغ المساعدات الخاصة التي يصعب تحديد قيمتها الاجمالية. وكانت الامم المتحدة التي تولت قيادة عمليات الاغاثة قد ذكرت أول من أمس انها تحتاج الى حوالي مليار دولار من المساعدات لتغطية الاحتياجات العاجلة للمشردين الذين يقدر عددهم بخمسة ملايين شخص، وستخصص هذه المساعدة الفورية التي سيتم استخدامها في الاشهر الستة المقبلة، للدول الاكثر تضررا بهذه الكارثة الطبيعية بدءا باندونيسيا وسري لانكا.

واحتلت استراليا المرتبة الاولى بين الدول المانحة في العالم بتقديمها 760 مليون دولار، تليها المانيا التي قدمت 665 مليون دولار. وبعدهما تأتي اليابان (500 مليون دولار) فالولايات المتحدة (350 مليون دولار). من جهته، اعلن رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل دوراو باروسو ان القيمة الاجمالية للمساعدات التي ستقدمها الدول الاعضاء في الاتحاد والمفوضية ستبلغ حوالي ملياري دولار، وقد رفعت المفوضية اول من امس قيمة مساعدتها الى627 مليون دولار، موزعة بين مشروعات إعادة الاعمار والمساعدات العاجلة.

وجاءت المساهمات الاكبر في اوروبا من النرويج (180 مليون دولار) وبريطانيا (93.8 مليون دولار) والدنمارك (75 مليون دولار) والسويد (73.6 مليون دولار) وفرنسا (49.8 مليون يورو). وفي آسيا وعدت الصين بتقديم 5.63 مليون دولار بينما رفضت الهند التي ضربتها الامواج العاتية التي تلت الزلزال عروض المساعدات المالية الاجنبية ووعدت بتقديم 23 مليون دولار. وكانت بريطانيا، التي تتولى منذ الاول من يناير (كانون الثاني) الجاري رئاسة مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى، «وقفا فوريا في تسديد الديون المستحقة» على الدول المتضررة، وتبلغ هذه المستحقات 2.2 مليار يورو سنويا. ودعت سري لانكا التي تأتي في المرتبة الثاني بين الدول المتضررة بالكارثة، الى الغاء هذه الديون باكملها لدى المنظمات الدولية.

والى جانب هذه المساعدات الحكومية التي اقرتها الدول، جاءت مساعدات خاصة لا سابق لها من افراد ونجوم وجمعيات ومدن شجعت الحكومات على زيادة مساهمات. فالتعبئة التي شهدتها اليونان وايطاليا وفرنسا والمانيا دفعت حكومات هذه البلدان الى زيادة المساعدات التي اعلن عنها اولا. وتحتل المانيا المرتبة الاولى بين الدول في المساهمات الخاصة، اذ تم جمع اكثر من 150 مليون يورو (حوالي مائتي مليون دولار) تليها بريطانيا (87،141 مليون يورو) ثم هولندا (14،112 مليون يورو). وفي استراليا بلغت تبرعات السكان حوالي 92 مليون دولار حتى الآن، حسبما ذكرت منظمات للعمل الانساني أمس. في نفس الوقت، يثير الحجم الهائل لهذه المساعدات الدولية قلق بعض المنظمات غير الحكومية والمسؤولين الاوروبيين من حدوث عمليات اختلاس او من سوء استخدام أموال التبرعات.

وصرح وزير الخارجية البريطاني جاك سترو أول من أمس بأن الوعود بتقديم المال امر سهل لكن «الاصعب» هو ضمان دفع هذه المبالغ «وانفاقها بحكمة».

وقد وضع الاتحاد الاوروبي سلسلة من الاجراءات للمراقبة في الدول استنادا الى اتفاقات للتعاون ابرمها في الماضي مع البلدان التي سترسل اليها المساعدات.