حركة قرنق: تأسست 1983 ونادت بخيار الوحدة وضمت شماليين في صفوفها

TT

طرحت حركة مسلحة جديدة في الجنوب توجيها وحدويا في السودان وسمت نفسها «حركة تحرير شعب السودان» أو «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، كما هو سائد. وكانت الاسباب التي أدت لقيام الثورة المسلحة الجديدة سياسات التجزئة الاقليمية التي قادها نظام نميري السابق ناقضا اتفاق أديس أبابا 1972 الذي وقعه مع جوزيف لاقو الذي كان يقود حركة مسلحة تسمى «حركة تحرير جنوب السودان».

ولقد طرحت «الحركة الشعبية» في 16 مايو (أيار) 1983 عام التأسيس، فكرة الوحدة، وكانت فكرة ذات حساسية شديدة، بسبب ان الشماليين يتهمون الجنوبيين بالانفصالية، كما طرحت الحركة برنامجا اشتراكيا علمانيا قائما على وحدة الجنوب والشمال، وهو ما عرف بمانفستو الحركة الشعبية الذي طرح في 31 يوليو (تموز) 1983 بثورة نحو السودان كله لتحويله الى سودان موحد اشتراكي يتبنى استراتيجية واضحة تهدف الى مد الجسور باتجاه المجموعات العرقية ـ غير العربية ـ في شمال السودان، البجة في شرق السودان، النوبة في اقصى الشمال، ابناء غرب السودان، وبالذات جبال النوبة، بتحالف عريض يضم الجنوب مع الغرب والشرق وأقصى الشمال لإسقاط حكم الوسط الذي استأثر بالسلطة منذ الاستقلال عام 1956.

واجهت الحركة الشعبية انقسامات عديدة منذ بداياتها، بدأت بالقائد وليم بيور عام 1983، ثم وليم نون عام 1990، ومجموعات رياك مشار ولام اكول واروك تونق اروك وكاربينو عام 1991 حتى عام 1997. وكل هذه الحركات كانت تنادي بانفصال الجنوب عن الشمال، وساهمت مجموعات دولية مثل اوروبا واميركا في تغذية هذه المجموعات، غير ان قرنق ومجموعته صمدوا وانتصروا لفكرتهم، واستطاعوا ان يعقدوا اتفاقات مع قوى سياسية شمالية بأسمرة بميثاق التجمع الوطني الديمقراطي عام 1990، ونقل قرنق الحرب الى شمال السودان في النيل الازرق ومناطق البجة بشرق السودان.

اهتمت الحركة بالحديث عن المناطق المهمشة في غرب وشرق السودان، وهي المناطق التي تشهد تنمية غير متوازنة منذ عهد الاستعمار، وسياسات الاقلية في الخرطوم، وتحدثت «عن ان الاتجاهات الاقتصادية التي نمت في الجنوب عام 1900، قد أثارت اهتمام المناطق المتخلفة في شمال السودان، وقد برزت حركات انفصالية مسلحة في غرب وشرق السودان».

ومنذ سقوط نظام منغستو هايلي مريام في اثيوبيا عام 1991، وكانت بلاده على علاقة حميمة بالحركة الشعبية ووفرت لها الدعم اللوجستي والسياسي، وبعد سقوطه واجهت الحركة ظروفا صعبة، خاصة انها تزامنت مع انشقاقات داخلها، لكنها استطاعت ان تعيد ترتيب نفسها من جديد وتخوض معارك عسكرية ضارية كانت اشدها في اعوام 1995، حتى عام 2002، بعد اتفاق ماشاكوس الاطاري، وفي تلك الاعوام استطاع جون قرنق ان يمد جسور الصلة مع النظام الاريتري الوليد الذي قدم بدوره، بعد ان شهدت علاقاته مع الخرطوم تدهورا كبيرا، دعما للمعارضة السودانية. وعاد قرنق بعدها لخوض حربه في ولاية النيل الازرق التي سبق ان استولى فيها على مدينتي الكرمك وقيسان في عام 1987، في العهد الديمقراطي الذي كان يحكمه الصادق المهدي، وهو حليفه الجديد بعد سقوط النظام الديمقراطي في عام 1989، كما انتقل قرنق مع حلفائه لخوض حرب في شرق السودان بدأت عام 1996 اخضع فيها مدنا في الشرق ودخل كسلا.

منذ عام 1999 توسعت الحركة الشعبية في تحالفاتها مع القوى السياسية الشمالية، ووقعت مذكرة تفاهم مع المؤتمر الشعبي الذي يقوده الدكتور حسن الترابي ـ المعتقل الآن ـ وكان في وقت ما يعد عراب النظام، مما قلب الموازين السياسية في الخرطوم، الى جانب توقيعها وثائق مع حزب الامة الذي خرج عن التجمع عام 2001، والاتحادي حليف الحركة القديم، فيما عرف باتفاق القاهرة عام 2003، وبذا استطاعت الحركة ان تعقد اوسع تحالف مع معظم القوى السياسية في الشمال.

ومنذ عام 2000، بدأت الحركة الشعبية تجديد التفاوض مع الذين انشقوا عنها عام 1991، واستطاعت ان تعيد الى صفوفها الدكتور رياك مشار الذي سبق ان وقع اتفاقا مع الخرطوم، لكن لم يتم تنفيذه مما أثار حفيظته وعاد الى الحركة عام 2001، وضمت لام اكول عام 2003 الى صفوفها مجددا، الى جانب قوة دفاع الاستوائية التي انضمت الى الحركة.

وبذا تكون الحركة قد استطاعت ان تضمن قوى سياسية وجنوبية تعمل معها في تحالفات، وباتفاقها مع المؤتمر الوطني الحاكم اليوم تصبح للحركة الريادة في العمل القيادي في الحياة السياسية السودانية، وهي تطرح فكرة السودان الجديد، الذي ستواجه به الحركة الشعبية تحديا عظيما في كيفية تحقيقه خلال السنوات الست المقبلة، خاصة ان بعد هذه السنوات الست سيختار الجنوبيون بين الوحدة والانفصال.