غونزاليس مرشح بوش لتولي حقيبة العدل يكشف عن تفكير واشنطن بإعادة النظر في بنود معاهدة جنيف لاستثناء الإرهابيين المشتبهين منها

قال أمام مجلس الشيوخ إن أميركا تحارب «عدوا جديدا» ولا بد من مراجعة المواثيق الدولية

TT

قال اعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي اول من امس ان مسؤولين في البيت الابيض نظروا في إعادة كتابة المواثيق الدولية التي وقعت قبل ما يزيد على نصف قرن حول حماية السجناء في زمن الحرب من التعرض للمعاملة السيئة. وكشف النقاب عن هذا التوجه خلال شهادة لألبيرتو غونزاليس الذي وقع عليه اختيار الرئيس جورج بوش لتولي وزارة العدل.

وكان غونزاليس قد قال عندما كان محاميا للبيت الأبيض ان معاهدة جنيف لا تنطبق على الارهابيين المشتبه فيهم، مما أثار تساؤلات لدى الديمقراطيين والمدافعين عن حقوق الانسان حول ترشيحه لتولي وزارة العدل. وتعتبر شهادته امام الكونغرس أول من أمس المرة الاولى التي يعترف فيها مسؤول في الادارة الاميركية بالرغبة في تغيير القوانين الدولية المتعلقة بالحرب وذلك في اعقاب هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، وهي نفس القوانين التي اتهمت الادارة الاميركية بتجاهلها خلال تعقبها ومطاردتها لتنظيم «القاعدة». وقال غونزاليس خلال جلسة الاستماع التي عقدت بمجلس الشيوخ ردا على السيناتور تشارلس شومر إن الولايات المتحدة «تحارب عدوا من نوع جديد وحربا من نوع جديد ايضا». وأضاف قائلا ان «مواثيق جنيف صودق عليها عام 1949 ويجب التفكير في مدى الحاجة الى إعادة النظر فيها»، مؤكدا انه يقترح «إعادة النظر في مبادئ جنيف المتعلقة بالمعاملة الاساسية».

وكانت تصريحات غونزاليس حينما كان مستشارا قانونيا للبيت الأبيض قد تعرضت لانتقادات عنيفة، خاصة بعد إعداده مذكرة خلص فيها الى ان القيود الواردة بشأن التعذيب لا تنطبق على الارهابيين المشتبه فيهم الذين يخضعون للتحقيق من قبل الجيش الاميركي. كما وصف غونزاليس معاهدة جنيف بأنها «بالية» وان استعمالها قد بطل، لكنه تنصل من هذه التعليقات اثر الاسئلة المكثفة التي وجهت له اول من امس أمام مجلس الشيوخ. وفي وقت لاحق قال المتحدث باسم البيت الابيض، سكوت ماكليلان، ان غونزاليس كان يشير من خلال تعليقاته الى «مناقشات اولية على مستوى الطاقم العامل معه» في ما يتعلق بتوصيات مجموعات وهيئات مثل لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وأضاف قائلا ان الحكومة الاميركية طورت «معايير قانونية جديدة او مبادئ جديدة خاصة بمعاملة معتقلي الحرب على الارهاب». ولم يدل غونزاليس بالمزيد من التفاصيل حول التغييرات التي نظرت فيه الجهات المعنية، وقال ان مثل هذه المناقشات ليست عملية مستمرة. وبالنسبة لمنتقدي ادارة الرئيس جورج بوش تكشف تعليقات غونزاليس جانبا من استراتيجية الحكومة الاميركية خلال مرحلة ما بعد هجمات 11 سبتمبر، اذ تشير الى أن الادارة الاميركية كانت تشعر بقلق في بداية الأمر ازاء تعارض مساعي وجهود الحرب ضد الارهاب مع معاهدة جنيف. وفي ذات السياق يقول أليستر هودجيت، المتحدث باسم منظمة العفو الدولية ان تعليقات غونزاليس تلقي بعض الضوء على التفكير المبكر للإدارة الاميركية حول هذه القضية، كما توضح السبب وراء بعض القرارات التي اتخذت. وأضاف قائلا ان الجدل حول ما اذا كانت مواثيق جنيف في حاجة الى إعادة نظر لا تنبع من الرغبة في تحسين مستوى الحماية الذي توفره وإنما لإضعافها. ويقول خبراء ان الواقع السياسي العالمي يجعل من عملية إعادة صياغة معاهدة جنيف أمرا اقرب الى المستحيل، وحتى التغييرات المحدودة ربما تستغرق عقودا. ويرى توم مالينويسكي، مدير منظمة «هيومان رايتس ووتش» في واشنطن، ان إعادة صياغة مواثيق جنيف مهمة مستحيلة خصوصا في ظل افتقار ادارة بوش للسلطة الأخلاقية فيما يتعلق بهذه القضايا.

الى ذلك ، تعهد غونزاليس بالالتزام بالقوانين الدولية، وأضاف قائلا انه يدرك انه لم يعد يمثل البيت الابيض فقط وإنما سيمثل الولايات المتحدة وشعبها من خلال منصبه الجديد كوزير للعدل، مؤكدا انه يعرف تماما الفوارق بين دوره كمحام للبيت الابيض ودوره الجديد كوزير للعدل. ووعد غونزاليس ايضا بالنظر شخصيا في التقارير التي وردت اخيرا من مكتب المباحث الفيدرالي (اف.بي.آي) حول تهم تتعلق بإساءة معاملة معتقلين في غوانتانامو، كما كشف النقاب عن ان ادارة بوش اجرت مناقشات اولية حول السعي الى إجراء تعديلات على البنود الخاصة بالحماية التي يتمتع بها السجناء حسبما وردت في مواثيق جنيف الخاصة بمعاملة السجناء وأسرى الحرب. وأكد غونزاليس في معرض حديثه تمسك حكومة الولايات المتحدة بكل التزاماتها القانونية في حربها ضد الارهاب سواء كانت هذه الالتزامات نابعة من القانون المحلي او الدولي، كما اكد ان هذه الالتزامات «تشتمل على معاهدة جنيف متى ما كان تطبيقها واجبا». وتحول ظهور غونزاليس أمام لجنة مجلس الشيوخ الى منبر مفتوح حول السياسات القانونية لادارة بوش في الحرب على الارهاب، ووجهت اسئلة تشكيكية حتى من جانب اعضاء جمهوريين حول دوره كمهندس للكثير من السياسات خلال فترة عمله التي امتدت اربع سنوات كمحام ومستشار قانوني للبيت الابيض. فقد اتهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام ادارة بوش بـ«التلاعب بالقانون» في معاملتها للسجناء في العراق وأماكن أخرى. وقال غراهام موجها حديثه لغونزاليس ان هذا النهج اضعف كثيرا الحملة ضد الارهاب، كما انه عرض حياة أفراد القوات الاميركية للخطر، خصوصا أنهم ربما يقعون انفسهم في الأسر. وواصل غراهام حديثه الى غونزاليس قائلا: «اعتقد اننا ضللنا الطريق...التحدي الذي يواجهك يتمثل في مساعدتنا على المضي في العودة الى الطريق دون التخلي عن التزاماتنا وحقنا في محاربة عدونا».

وتحدث السناتور غراهام عن حدوث بعض الاخطاء من جانب الادارة الحالية خلال سعيها للبحث عن طرق جديدة لمواجهة الخطر المتزايد للارهاب بعد هجمات 11 سبتمبر وبغرض الحصول على معلومات من المعتقلين بتهمة الضلوع في الارهاب.

وأقر غونزاليس بأن الصور الفوتوغرافية التي ظهرت العام الماضي بشأن فضحية تعذيب المعتقلين في سجن ابو غريب في بغداد تسببت في الإضرار بموقف الولايات المتحدة وتعهد بمواصلة التحقيق مع كل من تثبت مسؤوليته. وأكد غونزاليس شعوره بالأسى ازاء ما حدث في ابو غريب بسبب ما ألحقه ذلك من أضرار لمساعي الولايات المتحدة لكسب قلوب وعقول المسلمين في العالم. وعزا غونزاليس ما حدث في ابو غريب الى عدم توفر الإشراف والتدريب الكافي للجنود في ما يتعلق بتكتيكات الاستجواب المقبولة، لكنه رفض وجهة النظر التي ذهب اليها الكثير من اعضاء اللجنة القضائية، اذ يعتقد هؤلاء ان السياسات القانونية التي وضعتها ادارة بوش وغونزاليس نفسه فتحت الباب أمام الانتهاكات التي تعرض لها معتقلون تحت حبس القوات الاميركية في العراق وأفغانستان وغوانتانامو.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» و«نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط» شارك في إعداد هذا التقرير وارين فيث