خبراء أميركيون متشائمون حيال الاستقرار والديمقراطية في العراق

مستشار الأمن القومي الأسبق: لن نستطيع البقاء بالطريقة التي نحن عليها الآن

TT

قال أول من أمس مستشار الأمن القومي للرئيس الأسبق جورج بوش (الأب) وأحد المنظرين البارزين في صياغة السياسة الخارجية للمؤسسة الحاكمة، إنه أصبح متشائما أكثر فأكثر حول آفاق تحقق الاستقرار والديمقراطية في العراق، وهذا الرأي أصبح متفقا عليه بين وجوه أخرى متخصصة في حقل السياسة الخارجية داخل الحزبين السائدين.

وقال جون سكوكروفت «يبدو أن للانتخابات التي من المفترض أن تكون نقطة تحول واعدة، إمكانية أن تعمق من حدة النزاع». وقال إنه يتوقع تعمق الانقسامات بين المسلمين الشيعة والسنَّة بعد 30 من الشهر الحالي في الوقت الذي يرى الخبراء أن الحكومة التي ستبرز من الانتخابات ستكون تحت هيمنة الأغلبية الشيعية. وتوقع سكوكروفت أن «حربا أهلية» ستستحوذ على العراق، وقال إن أفضل أمل في سحب البلد من الفوضى سيكون من خلال تحويل مسؤولية الولايات المتحدة في العراق إلى يد الناتو أو الأمم المتحدة، التي لا ينظر لها بشكل عدواني من قبل العراقيين.

كذلك قال سكوكروفت أثناء ندوة نظمتها «وقفية أميركا الجديدة» غير الربحية، إن استمرار الوجود الأميركي في العراق يزيد من احتقان الشرق الأوسط ويلحق أذى بجهود الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب.

وتبنى سكوكروفت الذي يتمتع بعلاقة شخصية وثيقة مع عائلة بوش موقفا مستقلا ونقديا تجاه شؤون السياسة الخارجية التي تواجهها الإدارة الأميركية. واحتل حتى فترة أخيرة رئاسة «المجلس الاستشاري للاستخبارات الخارجية»، الذي يقدم نصائح للرئيس بوش، لكن لم يتم تجديد منصبه من قبل الإدارة الأميركية.

ومع بقاء أقل من شهر على موعد الانتخابات العراقية راح بعض المسؤولين الأميركيين السابقين ومحللي السياسات يعبرون عن شكوكهم وبشكل متزايد وعلني من الوضع في العراق. وترأس سكوكروفت جلسة علنية مع زبيغنيو برجنيسكي مستشار الرئيس الأسبق جيمي كارتر وفيها قال «أنا لا أعتقد أننا نستطيع البقاء في العراق بالطريقة التي نحن عليها الآن. وإذا لم يكن ممكنا تغيير وجودنا بشكل جذري فانه من الضروري إنهاؤه». وقال إن هناك حاجة لـ 500 ألف جندي و500 مليار دولار لضمان أمن كاف في العراق.

أما النتيجة الأكثر تفاؤلا من الانتخابات فهي حسبما قال برجينسكي، أن يصبح العراق بلدا يهيمن عليه رجال الدين الشيعة، وهو «لن يكون له علاقة بما نسميه بالنظام الديمقراطي». وقال سكوكروفت مازحا إنهما كانا يعتبران «واقعيين» خلال فترتي عملهما كمستشارين للأمن القومي، لكنه أشار إلى أن هذا التعبير أصبح « يحمل قدرا من الانتقاص» في عهد إدارة بوش التي أصبحت مملوءة بالمثاليين الحالمين الذين أصبح هدفهم المعلن هو نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. وأول من أمس ناشدت البلدان العربية الجارة للعراق ـ مصر والأردن والكويت والسعودية ـ والتي اجتمعت في الأردن السنّة العراقيين للمشاركة في التصويت في الانتخابات المقبلة لخلق توازن في النفوذ الإيراني المتصاعد داخل العراق. لكن معظم القادة السنة في العراق حثوا على مقاطعة الانتخابات وهذا سيحرمهم من حق التصويت.

ونقلت «رويترز» عن العاهل الأردني الملك عبد الله قوله «نحن نتوقع كل الكيانات الدينية والسياسية أن تشارك في الانتخابات العراقية وهذا ما يضمن عدم شعور أي فئة بالتهميش مستقبلا... واجبنا هو بقاؤنا مراقبين فقط وأيدينا مشدودة. نحن نحذر من أي مسعى لتفكيك وحدة أي دولة عربية».

من جانبه قال جيفري كيمب مدير مجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط في عهد الرئيس الأسبق ريغان، إن من اللازم تقليص أهداف الولايات المتحدة في العراق. وقال ضمن هذا السياق «من الواضح أننا في مأزق. والسؤال هو فيما إذا كان وجودنا في العراق قضية خاسرة... أظن أننا سنمتلك صورة أفضل يوم 1 فبراير المقبل حال الانتهاء من الانتخابات أو إذا تم تأجيل الانتخابات». وقال كيمب «هناك استراتيجية خروج لن تكون كارثية بشرط ألا يدخل العراق في حالة من الفوضى... لكن ما على الرئيس أن يقوم به هو تهيئة الشعب الأميركي لتعريف واضح لما يعنيه الانتصار بحيث يكون أكثر بكثير مما كان متوقعا حينما تم إسقاط تمثال صدام».

أما ويليام كريستول رئيس موظفي نائب الرئيس الأسبق دان كويل الذي يعمل محررا لمجلة «ويكلي ستاندارد» المحافظة فقال «إنها لحظة شاذة. إنها في نفس الوقت مثيرة جدا للقلق بالنسبة للأمن وواعدة في نفس الوقت من الناحية السياسية». وقال كريستول «إذا ظل الأمن سيئا كما هو عليه الآن أو أن يصبح أسوأ، فإن ذلك يمكن أن يدمر ما تحقق من تقدم سياسي. وإذا كان ممكنا إبقاء التمرد تحت السيطرة فستكون لدينا انتخابات حقيقية».

وقال انتوني كوردسمان أحد المسؤولين السابقين في البنتاغون والمحاضر في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «هناك نقص كبير في الحقائق» المتعلقة بالمتمردين العراقيين والخسائر البشرية وقوة أجهزة الأمن العراقية المدربة، والبطالة والتقدم في مجال إعادة الإعمار، وهذا ما يعرقل إجراء تحليلات صحيحة. وأضاف «ليس وضعا كارثيا لكننا يوما بعد يوم نحن لا ننتصر بطريقة حاسمة... إنه واضح جدا بأننا لسنا متحكمين بالأمور، وهو واضح أيضا أننا لسنا مهزومين قطعا... ويعتمد نجاحنا أكثر فأكثر لا على خبرتنا في الحروب بل فيما إذا كان الزعماء السياسيون العراقيون قادرين على القيادة والحكم، وإذا ما كانت قوات الأمن والجيش قادرة على تحمل عبء محاربة المتمردين، وفيما إذا كان العراقيون قادرين على تشكيل دولة. وإذا هم فشلوا سياسيا أو فشلوا في الحكم أو فشلوا في توفير قوات كافية من الجيش والشرطة فإنه لن يكون هناك أي شيء نقوم به نحن أو حلفاؤنا سواء كان عسكريا أو سياسيا سيكون له تأثير إيجابي».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»