الهدوء والحياة الطبيعية يعودان إلى رام الله وسط حالة ترقب إزاء تغييرات متوقعة في «فتح»

TT

عاد الهدوء والحياة الطبيعية نسبيا امس الى رام الله وبقية المدن الفلسطينية باستثناء مدينة طولكرم في شمال الضفة الغربية التي اغتالت فيها القوات الخاصة الاسرائيلية بعد ظهر امس سند غانم واصابت الدودو نصار شقيق قائد كتائب شهداء الاقصى في المنطقة. وقال مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الأوسط» ان «القوات الخاصة الاسرائيلية دخلت الى المدينة بحجة البحث عن السيارات المسروقة ونفذت جريمتها قبل ان تنسحب». واصيب ايضا جندي اسرائيلي بجروح في المنطقة في وقت سابق.

في الوقت نفسه تواصلت الاتصالات بالرئيس المنتخب محمود عباس (ابو مازن) رئيس منظمة التحرير الفلسطينية لتهنئته بالفوز، من بينهم رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون الذي تجري الاستعدادات لعقد لقاء بينه وبين ابو مازن في وقت قريب. لكنه لن يكون قبل تنصيب الاخير رئيسا بشكل رسمي.

وخلت الشوارع باستثناء وسط المدينة من زحمة السير والمارة وبدت الفنادق والمطاعم التي كانت حتى الليلة قبل الماضية تعج بالزوار والنزلاء شبه خاوية.

وساد الهدوء غير المعهود مقر الرئاسة الذي خلا امس من حركة السيارات الرسمية والدبلوماسية، النشطة التي شهدها اول من امس، حيث استقبل ابو مازن العديد من المهنئين من الرسميين الاجانب وغيرهم. وغاب ابو مازن عن المقر وداوم في مكتبه الخاص الذي لا يبعد كثيرا عن المقر الذي تغيب عنه ايضا رئيس السلطة المؤقت روحي الخطيب لاصابته بوعكة.

وقد غادر المراقبون الذين اشرفوا على انتخابات الرئاسة الفلسطينية التي جرت يوم الاحد الماضي، بعد حفل وداع اقامته لهم اللجنة المركزية للانتخابات، في مقر الرئاسة الليلة قبل الماضية. وغادر العديد من الوزراء والمسؤولين الفلسطينيين، الاراضي الفلسطينية الى الاردن، وذلك لتقديم التعازي للملياردير الفلسطيني صبيح المصري بوفاة والدته في عمان.

الى ذلك بدأت حملة لإزالة مخلفات الحملات الانتخابية من صور وملصقات. واصدر ابو مازن امرا الى المحافظين في جميع محافظات الضفة وقطاع غزة، بحملة تنظيفات في الشوارع والجدران وواجهات المحال التجارية التي تغطيها الآلاف بل عشرات الآلاف من الصور والملصقات واللافتات الانتخابية.

وفي هذا السياق ما تزال صور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات هي الصور المعتمدة في مقار السلطة والوزارات والمؤسسات الرسمية، وذلك بقرار اتخذته حكومة احمد قريع (ابو علاء) بعد وفاة الرئيس في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

لكن الشيء الذي لن تستطيع مسحه او ازالته كل حملات التنظيف، هو الحبر الذي يلون ابهام كل فلسطيني ادلى بصوته في الانتخابات. فمنعا لعمليات التزوير او التصويت لاكثر من مرة، اعتمدت لجنة الانتخابات حبرا لهذا الغرض قالت انه سيزول بالغسيل بعد 24 ساعة من لحظة الانتخابات. لكن وخلافا لما قاله المرشح الخاسر في الانتخابات مصطفى البرغوثي، عن انه نجح في ازالة الحبر بسهولة ودون معاناة، ملمحا الى امكانية التزوير، الا ان 750 الف فلسطيني منتخب ما يزال يحمل هذه الاشارة رغم كل المحاولات التي وصلت مع بعضهم الى حد الاستعانة بشفرة لازالته، فنجحوا بازالة ما كان عالقا على الظفر لكنهم عجزوا عن ازالته عن الجلد. ومع انتهاء حموة الانتخابات وتراجع التعصب التنظيمي، حل الترقب والانتظار محل فرحة الفوز بالنسبة لعناصر حركة «فتح»، لا سيما الكبار منهم، ومن منهم في موقع المسؤولية في الوزارات والمؤسسات، فالعديد منهم يتوقع وقوع تغييرات في العهد الجديد.

وقال مسؤول منهم لـ«الشرق الأوسط» «انتهى العرس (انصار فتح كانوا يطلقون على الانتخابات لقب العرس الفلسطيني)، والآن ننتظر الحمل والمولود الجدي لنعرف خيره من شره».

لكن المسؤول على قناعة تامة بأن «التغيير قادم لا محالة، وانه سيكون هناك اقالات واستقالات وتغيرات جمة، يضع فيها العهد الجديد رجالاته»، لكن المسؤول لا يعرف متى وكيف ومدى هذه التغييرات.

وعبر احد قادة حرس الرئاسة في مقر المقاطعة عن مخاوفه، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن ننتظر ما سيؤول اليه الوضع بعد الانتخابات وفوز الاخ ابو مازن. نحن لا نعرف شيئا عن مصيرنا، ولا ندري اذا ما كانوا سيبقون على الوضع كما كان عليه خلال عهد الرئيس ابو عمار».

ودعا مسؤول في احدى الوزارات في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الى ضرورة تغيير الطاقم الذي كان يحيط الرئيس عرفات، واتهم طرفا من هذا الطاقم باختطافه. وقال «ان هذا الطاقم نجح في خطف الرئيس في مقر المقاطعة وابعاده عن الشعب ومظالمه، بحجة الخوف عليه». واضاف المسؤول «في السابق كان بالامكان الوصول الى الرئيس، لكن منذ حصاره في المقاطعة ضربوا حوله طوقا حديديا، استطيع ان اقول انهم نجحوا في اختطافه وابعاده».

وفي هذا السياق علمت «الشرق الأوسط» ان يوسف عبد الله رئيس طاقم حراسة الرئيس الراحل ومرافقه الخاص لسنوات طويلة الذي ظل يرافقه كظله خلال حياته وحتى في رحلته الاخيرة للعلاج في مستشفى بيرسي في احدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، الى ان رحل عن الوجود، غادر الاراضي الفلسطينية الى القاهرة، ومن هناك انتقل الى موسكو للعيش فيها مع زوجته الروسية.

ورغم مرور شهرين على رحيل عرفات، فان الاشاعة التي ما تزال متداولة في اوساط السلطة و«فتح» هي انه راح ضحية «مؤامرة داخلية»، لكن اصحاب هذه النظرية وهم كثر، امتنعوا عن توجيه اصبع الاتهام لاسم محدد خوفا من المسؤولية القانونية والتنظيمية. غير انهم يؤكدون ان الايام ستثبت ما يقولون ويرفضون وصفها بـ«نظرية المؤامرة».