العاهل الإسباني يبدأ ثاني زيارة دولة له إلى المغرب منذ 1979 ويجري مباحثات مغلقة مع الملك محمد السادس وأخرى موسعة

الملك خوان كارلوس يخطب اليوم أمام البرلمان المغربي وإرجاء وضع حجر أساس جامعة «الملكين» بتطوان

TT

لا بد من مراكش وان طال السفر الاسباني اليها. كان هذا هو لسان حال الصحافيين الذين جاؤوا الى المدينة الامبراطورية المغربية لتغطية المحطة الأولى من زيارة الدولة التي بدأها العاهل الاسباني الملك خوان كارلوس الأول، وقرينته الملكة صوفيا، أمس الى المغرب، وهي الثانية من نوعها يقوم بها للجار الجنوبي، منذ عام 1979 ـ تاريخ زيارة الدولة الأولى للرباط التي تلت محاولة التمرد العسكري الفاشلة التي قادها المقدم الاسباني انطونيو بيخيرو، وهدفت الى احتلال الكورتيس (البرلمان الاسباني).

زيارة تأخرت كثيرا.. ربع قرن من الزمن جرت فيه تارة مياه دافئة واخرى باردة تحت جسر العلاقات الاسبانية ـ المغربية، وانحسرت مياه اخرى، بعد ان تسبب اليمين الاسباني في ركود العلاقات بين مدريد والرباط، وزادتها تداعيات نزاع الصحراء التباسا يظهر ويختفي، قبل ان يجهز موضوع الصيد البحري على البقية المتبقية.

ووسط هذا التجاذب، ما زال المغاربة يتذكرون صيف عام 1999، يوم بكا الملك خوان كارلوس بحرقة على فراق صديقه الملك الراحل الحسن الثاني، وبدا الى جانبه العاهل الشاب المكلوم، الملك محمد السادس. صورة ترسخت في الذاكرة المغربية بامتياز.. احب المغاربة الملك خوان كارلوس وهم الذين دأبوا على حب الملكية في بلدهم.

يوم جنازة الملك الحسن الثاني أخد العاهل الاسباني جانبا أحد اقرب مساعدي الملك الشاب، وهمس اليه برجاء كان في الأصل موجها الى الملك. ولم يكن هذا الرجاء سوى رغبة ملكية اسبانية في توجيه دعوة الى خوسي ماريا اثنار، رئيس الحكومة الاسبانية آنذاك، لزيارة الرباط. وتمت الدعوة وجاء اثنار في غضون اسابيع قليلة الى المغرب بسيناريوهات خاطئة، وسلوكات متعالية.

اعتقد اثنار ان الملك شاب لم يشتد عوده في الحكم بعد، وان الفرصة سائغة له ولحكومته لأخد الكثير من الرباط بدون أداء ثمن. تعامل اثنار مع الملك محمد السادس في ذلك اللقاء بمنطق تاجر البندقية، ناسيا انه أمام ابن الملك الحسن الثاني، الذي خبر السياسة تحت رعاية والده واشرافه منذ نعومة اظافره.

لم يمر التيار بين الرجلين.. ولهذا لا يحتفظ الملك بأي ذكرى طيبة عن اثنار، كما قال اخيرا لصحيفة «ايل باييس» الاسبانية.

وبين زيارة الدولة الأولى، وزيارة الدولة الثانية.. لم يقطع الملك خوان كارلوس حبل الوريد مع المغرب، بل تواصلت زياراته اليه لا سيما الخاصة او المناسبتية، كان آخرها بمناسبة جنازة العاهل الراحل، وقبل ذلك لحضور احتفالات الذكرى السبعين لميلاد الملك الحسن الثاني. لكن اكراهات السياسة جعلت الملك خوان كارلوس لا يحضر زفاف الملك محمد السادس، وحفل عقيقة الأمير مولاي الحسن، ولي العهد.

لقد اندلعت شرارة جزيرة توره (ليلى). وتكاثرت تعقيدات نزاع الصحراء جراء سياسات اليمين الاسباني، فأصبحت العلاقات الاسبانية ـ المغربية عند مفترق الطرق.

كان يوم 11 مارس (اذار) الماضي يوما حافلا في تاريخ العلاقات بين الرباط ومدريد رغم انه مخضب بالدم والحزن على ضحايا تفجيرات مدريد، لكن هكذا هي السياسة مفعمة بالليبريالية. يوم عبد الطريق للاشتراكيين للوصول الى قصر لامونكلوا (مقر الحكومة الاسبانية).. وكانت الصفحة الجديدة مع المغرب.

وأمس توجهت العائلة الملكية المغربية الى مطار مراكش، بينما خرج سكان عاصمة يوسف بن تاشفين، لاستقبال عاهل اسبانيا وقرينته، ايذانا بعهد جديد للعلاقات. كان الملك محمد السادس على رأس المستقبلين، ومعه شقيقه الأمير مولاي رشيد، والاميرات للا سلمى (زوجة الملك)، وللا مريم، وللا اسماء وللا حسناء (شقيقات الملك). وقد اضفت هذه الجوانب الانسانية بهاء على المودة القائمة بين القصر الملكي المغربي، وقصر لا ترافويلا الملكي في مدريد، تم التأريخ لها بصورة تذكارية التقطت لافراد العائلتين الملكيتين في المغرب واسبانيا.

وتلى الاستقبال الملكي، اجراء مباحثات مغلقة بين الملك محمد السادس والملك خوان كارلوس، قبل ان يجريا مباحثات موسعة انضم اليها وزيرا خارجية البلدين محمد بن عيسى، وميغيل انخيل موراتينوس.

والتقى العاهل الاسباني أمس ادريس جطو، رئيس الوزراء المغربي، على ان يحل اليوم بالرباط لالقاء خطاب أمام البرلمان المغربي، ويحدد معالم آفاق التعاون بين البلدين في مختلف الصعد. ولعل وجود وزيرة الثقافة الاسبانية، كارمن كالفو، ضمن الوفد الرسمي المرافق للملك خوان كارلوس، تأكيد للرغبة الاسبانية في ترسيخ التعاون الثقافي مع المغرب، باعتبار ان الثقافة هي خطوة اساسية في رحلة الألف ميل نحو تعاون شامل واوثق بين بلدين تفرض عليهما وقائع التاريخ والجغرافيا ان يضعا يدا في يد لترسيخ الأمن والاستقرار في مضيق جبل طارق.

كان منتظرا ان يتوجه الملك خوان كارلوس غدا الى مدينة تطوان (شمال المغرب)، بيد انه تم الغاء الزيارة من البرنامج الملكي، ليتم بذلك ارجاء وضع حجر الأساس لجامعة اسبانية ستحمل اسم «الملكين»، على غرار جامعة «الاخوين» في منتجع ايفران (وسط المغرب)، وهي الجامعة التي يرمز اسمها الى عمق العلاقات بين المغرب والسعودية، التي كان يجسدها، لحظة تأسيس اول جامعة حرة بالمغرب، الملك الراحل الحسن الثاني وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز.

والغيت محطة تطوان لأسباب لوجستية، لم توضح مصادر اسبانية طبيعتها، كما عزت مصادر اخرى اسباب الغائها الى كثافة برنامج زيارة العاهل الاسباني.

وتطوان، كانت زمن احتلال شمال المغرب، من طرف اسبانيا، عاصمة المنطقة، حيث كان يمثل الدولة الحامية مندوب سامي، الى جانب رمز السلطة الشرعية في البلاد خليفة السلطان، الذي ينوب عن ملك المغاربة قاطبة، والذي كان يوجد في العاصمة الرباط، التي كانت خاضعة آنذاك لسلطة الحماية الفرنسية.

وعلى الرغم من ان الحماية الاسبانية لم تطور المنطقة التي كانت تحتلها خلافا لفرنسا التي تركت كثيرا من مقومات الدولة، وذلك بسبب انكماش اسبانيا على نفسها، من جهة، وقلة الموارد من منطقة شمال المغرب من جهة أخرى، فانها في المقابل ساهمت في قيام نهضة ثقافية في مدينة تطوان، التي كانت ضاجة بالحركة والنشاط السياسي والاعلامي والفكري.

لذا ينتظر من جامعة «الملكين» المزمع تأسيسها في تطوان ان تصلح ما افسدته صروف دهر السياسة وتؤسس لمسار جديد في علاقات المملكتين.