كرزاي: أمام العرب فرصة تاريخية لتحسين صورتهم بعد أن شوهها بن لادن و«القاعدة» خطفت أفغانستان وسنعتقل زعيمها وسنحاكمه على تخريب بلادنا

قال لممثلي الصحافة العربية ومنها «الشرق الأوسط» إن العلاقات مع السعودية «متميزة»

TT

كانت الثقة والارتياح الكامل يبدوان على وجه الرئيس الافغاني حميد كرزاي عند استقباله عددا محدودا من ممثلي الصحافة العربية في قصر «جولخانة» بوسط العاصمة كابل الجمعة الماضي. واسم هذا المبنى يعني «منزل الزهور» وقد أسسه الملك احمد شاه بابر قبل 300 عام على مساحة 280 فدانا. وكان الرئيس الافغاني يتحدث بسعادة عن ثقة الشعب الافغاني الذي صوت له بنسبة 54.6 في المائة من أصل 10 ملايين صوت، مما اعطاه شرعية في اول انتخابات ديمقراطية تمر بها البلاد. وتحدث الرئيس كرزاي عن اتجاه بلاده في الانفتاح نحو دول العالم، وخاصة العربية والاسلامية، وركز على السعودية باعتبارها المفتاح الى قلب العالم الاسلامي، واشار الى زياراته المتكررة الى السعودية وعلاقاته الخاصة مع خادم الحرمين الشريفين وولي العهد السعودي. وقال ان السعودية كانت اول بلد يزورها بعد تنصيبه في الحكم، واكد على متانة العلاقات التي تربط بلاده بالسعودية، وتطلع الى مزيد من التعاون بين البلدين لخدمة الاستقرار واعادة الاعمار في بلاده. وقال «نتطلع الى زيارتها الشهر المقبل للمشاركة في منتدى جدة الاقتصادي». وخفف ترحيب الرئيس كرزاي بممثلي الصحافة العربية من وقع الاجراءات الأمنية المشددة وتفتيش الصحافيين العرب ثلاث مرات على ايدي حراسه الاميركيين الاشداء قبل الدخول الى قاعة قصر «جولخانة» الرئيسية، وكانت الكاميرات وأجهزة التسجيل لها النصيب الاكبر من شم الكلاب البوليسية بحثا عن المتفجرات قبل الدخول الى القصر الرئاسي الافغاني. وحراس الرئيس كرزاي لهم العذر في الاجراءات الأمنية المشددة التي يفرضونها والسبب يعود الى اغتيال «القاعدة» لقائد تحالف الشمال الافغاني احمد شاه مسعود بكاميرا محشوة بالمتفجرات حملها عربيان تظاهرا بأنهما صحافيان في 9 سبتمبر (أيلول) أي قبل يومين من هجمات سبتمبر.

وقال الرئيس كرزاي ان «القاعدة» خطفت افغانستان، واشار الى ان قوات الأمن الافغانية التي تلاحق اسامة بن لادن زعيم «القاعدة» ستعتقله يوما ما حتى ان تقاعس الاميركيون، وستحاكمه عما أحدثه من خراب وتدمير وقتل في افغانستان. وأضاف انه لا يعرف مكان اسامة بن لادن، ولكن ربما يكون مختبئا في الجانب الباكستاني من الشريط الحدودي، او ربما كان موجودا داخل الاراضي الباكستانية، بالنظر الى ان معظم قيادات «القاعدة» الذين اعتقلوا عثر عليهم داخل المدن الباكستانية. واشار الى ان بن لادن جاء الى بلاده كرجل مسلم يحارب الروس، ولكنه تحول بعد ذلك الى قتل الافغان الابرياء وتدمير افغانستان. وقال كرزاي ان «الأفغان العرب كان من المفترض ان يغادروا افغانستان بعد سنوات القتال ضد الروس ولكنهم لم يفعلوا وجاءوا الى البلد الفقير واقاموا معسكرات التدريب». واشار الى ان المساجد التي كانت تخالف «القاعدة» في الرأي لم يرحموها ايضا من التدمير. وقال انه يريد شخصيا سؤال بن لادن: «عن السبب الذي دفعه الى قتل ابناء الشعب الافغاني الابرياء وقتله وتعذيبه للشيوخ وتدميره للمساجد». وقال كرزاي ان الاستقرار الأمني يحتل جزءا كبيرا من اولوياته. ونفى ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» ان تكون طالبان مصدرا للتهديد داخل البلاد. وقال ان هدفه انشاء جيش قوي متجانس من جميع الأعراق قوامه 70 الف مقاتل. واضاف ان لديه الآن 20 الف جندي مدربين. وهدفه ايضا جهاز قوي للشرطة يتكون من 80 الف جندي وضابط قادر على التصدي لمافيا المخدرات واحلال الأمن والاستقرار في انحاء البلاد.

* الوجود الأميركي ليس احتلالا

* ونفى كرزاي ان يكون الوجود الاميركي داخل بلاده من اجل الاحتلال او انهم جاءوا لهذا الغرض، بل على العكس شدد على ان الاميركيين «جاءوا لمساعدة الشعب الافغاني في جميع المجالات وليس لاحتلالنا». واكد ان قوات التحالف ستخرج من بلاده عندما تتمكن بلاده من حماية نفسها. وقال ان العرب امامهم فرصة تاريخية لتحسين صورتهم بعد ان شوهها بن لادن وقيادات «القاعدة» بالمشاركة في جهد اكبر في عمليات الاعمار والتشييد بأفغانستان وبناء مزيد من جسور الثقة نحو مستقبل افضل مع كابل. واضاف: «نتطلع الى العرب لبناء افغانستان». وقال ان بلاده دولة اسلامية بكل المعاني الانسانية السامية وتريد ان تعيش في توافق مع العالم الخارجي. وكشف الرئيس كرزاي ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن وجود سجينين عربيين في سجون افغانستان احدهما سعودي والآخر ربما يكون مصريا. ونفى ان يكون قد عقد صفقة مع وكيل احمد متوكل وزير خارجية طالبان الذي تعاون مع سلطات قوات التحالف. ورفض ان يكشف لـ«الشرق الأوسط» عن مكان وجوده. وقال ان افغانستان دخلت مرحلة جديدة بعد اول انتخابات رئاسية، وركز على انه لا عودة للصراع الداخلي او هيمنة امراء الحرب على البلاد . وفي بداية الحديث كشف الرئيس الافغاني عن انه كان يتعرف على احوال بلاده خلال وجوده في اوروبا عبر اطلاعه على جريدة «الشرق الأوسط». وقال ان الصحافيين العرب احضروا معهم الثلوج الى العاصمة كابل «وهو فأل حسن».

واشار كرزاي الى ان بلاده عانت لمدة 23 عاما من الحروب التي أتت على الأخضر واليابس ودمرت معظم المدن. وأوضح ان بلاده وقعت في بؤرة الصراع بين قوتين عظميين خلال فترة الحرب الباردة مما ادى الى احتلال بلاده من قبل السوفيات، وهجرة 6 ملايين افغاني الى الدول المجاورة لافغانستان. وكشف الرئيس كرزاي عن انه في سنوات قتال السوفيات كان يذهب للحديث مع ممثلي الحكومات الغربية ولكنهم: «كان يتعاملون معنا كأننا متطرفون». واشار الى ان التطرف اليميني الذي اعقب التطرف اليساري ابعد افغانستان عن قيمها الوطنية والشعور بهويتها. ووصف حركة طالبان المخلوعة بأنها لا تمثل عموم الشعب الافغاني. وقال رغم ما فعلوه من قسوة وتطرف وخوف في نفوس المواطنين، الا انه عفا عنهم من اجل مصلحة بلاده. وتابع قوله: «ان قلة فقط من طالبان متهمة بالارهاب مثل قيادات القاعدة». واشار كرزاي الى ان طالبان وصلت الى الحكم بتأييد باكستاني، مشيرا الى ان اسلام اباد كانت تروج لنظام طالبان الاصولي. وقال ان الغرب لم يكن يعرف ماذا يريد الشعب الافغاني. وكشف عن اتصالاته المستمرة مع القائد الافغاني احمد شاه مسعود الذي اغتالته «القاعدة» قبل هجمات سبتمبر (ايلول) 2001 بيومين. واضاف انه بعد دخوله افغانستان يوم 5 اكتوبر (تشرين الاول)2001، توجه الى قندهار حيث استضافه احد زعماء الباشتون وهو ملا وكان مدرسا لقيادات طالبان حيث اقام في منزله لمدة ثلاث ليال والتقى هناك قيادات محسوبة على حركة طالبان وتناقش معهم، وكانوا يريدون التغيير، وكانوا على قناعة بأن افغانستان ليست في يد الافغان «ولكنها تدار من قبل باكستان». وكشف ان زعماء الباشتون الذين التقاهم في مخبئه السري بقندهار قبل الهجمات الاميركية سألوه ان كان لديه دعم من الغرب وان يطلب من الاميركيين قصف مقر قيادة طالبان والملا عمر، الا انه رفض هذا الامر. وافاد انه شعر بالصدمة من هذا الطلب. واعترض بشدة على طلب قصف مقر الحركة الاصولية في قندهار. واشار كرزاي الى ان الذين التقاهم في مخبئه كانوا يريدون التحرر من قبضة طالبان، لكنهم في الوقت ذاته أرادوا معرفة حجم الدعم الخارجي. وقال «سمحوا لي بالاقامة فيما بينهم قبل العمليات وحمايتي ايضا والتقيت آخرين احدهم شقيق وزير العدل في عهد طالبان اسمه الملا عبد الرحيم.. التقيته مرتين او ثلاث مرات ولم يبلغ عني, وكانوا يحاولون اقناعي بخطأ نظريتي في عدم الطلب من الاميركيين قصف مقر قيادة طالبان، كنوع من التحريض على طالبان للانقلاب عليهم». وقال الرئيس كرزاي انه بعد ذلك بعشرة ايام «ذهبت الى الجبال بعد ان علمت طالبان بوجودي خارج قندهار، وكان معي نحو مائة مقاتل، وبعد عشرين يوما كنت في قرية نائية بقضاء اورزوجان، عندما جاءت الاخبار ان الافغان استولوا على اورزوجان وطردوا الملا جيلاني ممثل طالبان، وحررت البلاد كلها في غضون اقل من شهر، لان الناس لم تكن مع طالبان بل كانت على خلاف مع قيمهم». وكشف عن لجوء قائد طالباني اليه بعد فرار الملا عمر من قندهار يطلب منه خطاب ضمان لحياته مع رجاله بالمرور من غزني الى قندهار، فسهل له مأموريته، ولم يتعرض له احد.

* الانتخابات كانت ناجحة بكل المقاييس

* وتحدث كرزاي عن الانتخابات الرئاسية التي شهدتها افغانستان أخيرا، وقال انها كانت ناجحة بكل المقاييس. واضاف انه ما زال يتذكر مشاركة رجل افغاني يبلغ من العمر 105 اعوام في الانتخابات وقال عندما وصل الرجل الى مقر اللجنة الانتخابية في ننجرهار تحدث الى الصحافة العالمية، مؤكدا انه استمتع في حياته بثلاث لحظات تاريخية اولها تحرير افغانستان من الانجليز عام 1919 ، ثم زواجه، ومشاركته في اول انتخابات ديمقراطية بالبلاد. وقال كرزاي انه ينشغل باجتماعات اسبوعية مع الوزراء والمسؤولين وممثلي «اللويا جيرغا» (الجمعية الوطنية) لبحث الانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستكون ما بين ابريل (نيسان) ومايو(ايار). وكشف عن سعادته بالتبرعات الدولية لاعادة اعمار افغانستان، الا انه قال ان بلاده في انتظار المزيد من تلك التبرعات المالية. وأضاف ان بلاده ستكون فخورة بمزيد من الاستثمارات العربية في افغانستان لرفع المعاناة عن كاهل المواطن الافغاني، ولهذا السبب فهو على اتصال مستمر مع القادة العرب، مشيرا الى ان الافغان العاديين يريدون علاقات قوية مع الدول العربية والاسلامية. واوضح ان بلاده تعيش حالة من الفقر وتريد مزيدا من المدارس والمستشفيات والمصحات الطبية في المناطق النائية. وبالنسبة الى مصر قال ان بلاده جزء من العالم الاسلامي، وطالب الرئيس المصري مبارك، بارسال سفير الى العاصمة كابل، مثلما فعلت افغانستان «الفقيرة» بارسال سفيرها الى القاهرة. وقال انه يريد علاقات دبلوماسية متكاملة مع القاهرة. وقال ان الدور الثقافي والتعليمي لمصر لا يمكن انكاره ممثلا في جامعة الازهر اقدم مدرسة اسلامية، مشيرا الى العشرات من الافغان من خريجي الازهر والجامعات المصرية في مواقع المسؤولية بافغانستان. واشار الى ان والده الزعيم الباشتوني كان يجمع التبرعات لمصر في حرب السويس عام 1956 .

* كرزاي: تعرفت على العرب والمسلمين من خلال «الشرق الوسط»

* قال الرئيس الأفغاني حميد كرزاي في بداية لقائه بممثلي الصحافة العربية إن جريدة «الشرق الأوسط» خلال وجوده في أوروبا وأميركا كانت رفيقة الى معرفة أحوال العالم العربي والإسلامي وما يجري في داخل أفغانستان من أحداث، قبل أن ينجح في التسلل الى قندهار يوم 5 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2001 مع قلة من عناصر البشتون ليقود حركة المقاومة ضد طالبان. وردا على سؤال حول سر ارتدائه العباءة الخضراء اللون في المناسبات الرسمية قال كرزاي إن اسمها «شابان» وهي من خوست وتعبر عن الوحدة الوطنية. أما القبعة فاسمها «كراكول» ويرتديها موظفو الدولة الرسميون، وهي تعبر عن فئة اجتماعية وليس عرقية، وهي مصنوعة من «الاستراكا» أو جلد الماعز.