الملك خوان كارلوس: مستعدون للمساعدة على تحقيق تقارب في المواقف بين أطراف نزاع الصحراء

العاهل المغربي مرتاح للتعاون بين الرباط ومدريد لمنع الهجرة السرية

TT

أكد العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس الاول استعداد بلاده للمساعدة على تحقيق تقارب في المواقف بين الأطراف المعنية بهدف إيجاد حل متوافق عليه، عادل، ونهائي لقضية الصحراء، موضحا أن لإسبانيا «مصلحة أكيدة» في مثل هذا الحل.

وقال العاهل الإسباني، الذي كان يتحدث امس في الرباط خلال جلسة خاصة عقدها البرلمان المغربي بمجلسيه بمناسبة زيارة الدولة التي يقوم بها للمغرب «إننا واثقون من أن الاندماج الضروري لمنطقة المغرب العربي، سيتحقق في أقرب الآجال. مثلما أننا واثقون في إمكانية ايجاد سبل من أجل التوصل الى حل لمشكلة الصحراء».

وشدد العاهل الإسباني على رغبة بلاده في «المساعدة على تحقيق هذا التقارب الذي ترغبه بلاده بين كافة الأطراف المعنية في إطار الشرعية الدولية وجهود الأمم المتحدة».

ومن جهة أخرى، أكد العاهل الإسباني على ضرورة التعجيل بمعالجة مشكلة الهجرة، وذلك من خلال تنظيم حملات للتوعية موجهة للشبان من أجل استئصال هذه الظاهرة، موضحا أن إسبانيا والمغرب «لا يمكنهما أن يسمحا بتحول البحرين اللذين يجمعانهما إلى مقبرة جماعية». وقال «أمام استعجال معالجة المشكلة، يتعين علينا تشجيع تنظيم حملات إعلامية تدعو الشبان إلى توخي الحذر»، بحيث تحول هذه الحملات «دون انتشار الأوهام والسراب».

وقام الملك خوان كارلوس الاول، رفقة قرينته الملكة صوفيا، امس ايضا بزيارة لضريح محمد الخامس بالرباط حيث ترحما على روحي الملكين الراحلين محمد الخامس، والحسن الثاني.

ووضع الملك خوان كارلوس الاول والملكة صوفيا اكليلا من الزهور على قبري الملكين الراحلين قبل ان يوقعا في الدفتر الذهبي للضريح.

وكان الملك خوان كارلوس الأول قد اشاد بالإصلاحات التي أنجزها المغرب بقيادة الملك محمد السادس والتي تهدف إلى جعل المغرب مجتمعا حديثا وديمقراطيا يحترم حقوق الإنسان.

وأكد الملك خوان كارلوس في خطاب ألقاه الليلة قبل الماضية خلال مأدبة عشاء أقامها الملك محمد السادس بالقصر الملكي بمراكش تكريما لعاهلي إسبانيا، أن مدونة الأسرة تشكل محطة بارزة في بناء مغرب يحترم تراثه العربي الإسلامي ويهتم في الوقت نفسه بالنهوض بحماية حقوق المرأة بما يضمن لها مكانتها سواء في محيط الأسرة أو في المجتمع عموما.

وقال الملك خوان كارلوس «منذ أعلنتم في 1999 عن إجراءات لحماية حقوق الانسان، برهنتم على عزمكم على أن تكونوا ملكا لجميع المغاربة»، مذكرا بتفعيل المجلس الاستشاري لحقوق الانسان «الذي قام بعمل يستحق الثناء» وبالاصلاحات المتعددة الهادفة لتعزيز الحريات المدنية ومن ضمنها إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة.

وأضاف العاهل الإسباني أن من شأن القانون الجديد للأحزاب أن يلعب دورا مهما في العملية الانتقالية التي يعيشها المغرب «إذ يسعى بدعم من قبل جلالتكم لتعزيزها باعتبارها التعبير الحقيقي والشرعي عن الإرادة الشعبية، وذلك للمضي قدما في توطيد أركان النظام الدستوري للمغرب». وأكد أنه لمواجهة تحديات التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمغرب بثقة متنامية، من المناسب أن تتواصل جهود السنوات القليلة الماضية لتشجيع ودفع الأطراف الفاعلة الاقتصادية وتحفيز الاستثمار وتشجيع التكامل الاقتصادي والتجاري مع دول المنطقة في الاتجاه الذي حدده اتفاق أغادير.

ونوه العاهل الإسباني بالدينامكية الدبلوماسية التي عرفها المغرب بقيادة الملك محمد السادس مما عزز مكانته في المجتمع الدولي كبلد مؤثر في العالم العربي والإسلامي مستعد للقيام بدور بارز في المنطقة. وذكر بالجولة التي قام بها العاهل المغربي في أميركا اللاتينية «التي لإسبانيا تاريخ وثقافة وقيم مشتركة معها، فضلا عن مشروع مستقبلي ينشد عالما أكثر أمنا واستقرارا وعدالة».

واضاف العاهل الإسباني قائلا، «إن إرثنا المشترك المتمثل في التراث العربي الأندلسي بوصفه فضاء للتسامح والتعايش ما بين الثقافات والأديان، يجب أن يوظف لاكتشاف آفاق جديدة للتقدم. وفي هذا السياق نود الاشادة بدعم المملكة المغربية للمبادرة الإسبانية الرامية لإقامة تحالف بين الحضارات يسعى لخلق توافق سياسي دولي واسع حول سلسلة من الفعاليات المحددة».

وشدد العاهل الإسباني على أنه إضافة إلى سعيهما المشترك لتعزيز قيم التسامح والتعايش في مجتمعيهما، وفي العلاقات الدولية، تتفق اسبانيا مع المغرب، «في الحاجة إلى التقدم نحو نظام عالمي أكثر عدالة وتوازنا كما أن لدينا رؤى متوافقة نحو الدور المركزي الذي ينبغي أن تلعبه الأمم المتحدة والحاجة الى أن يتقدم اصلاحها نحو المزيد من الفاعلية والديمقراطية».

وأكد الملك خوان كارلوس أن على البلدين التعاون ضمن سعيهما لتعزيز منطق العقل والشرعية الدولية في مكافحة آفة الإرهاب. وقال «إن العمليات الإرهابية الوحشية في الدار البيضاء ومدريد تشكل ذكرى مفجعة وتذكرة لنا من أجل مواصلة العمل على مستوى الحكومتين والشعبين من خلال مزيد من الاتحاد لمكافحة الارهاب ولضمان الاحترام الكامل لحق الحياة وكذلك باقي الحقوق الأساسية والقيم الديمقراطية التي تشكل جوهر التعايش السلمي لمجتمعاتنا».

وأعرب العاهل الإسباني عن تشكراته للمغرب «للتعاون الفعال والدعم الثابت الذي نتلقاه من السلطات المغربية في مجال مكافحة الإرهاب».

ودعا إلى فهم العلاقات بين المملكتين يوما بعد آخر في سياق عمليات التكامل الاقتصادي الاقليمية خصوصا ضمن اتحاد المغرب العربي والاتحاد الأوروبي، «كما أن سياسة الجوار الاوروبي الجديدة ينبغي أن تمثل فرصة للتقدم نحو الهدف الذي يتطلع اليه المغرب على نحو مشروع بغية الحصول على صفة مميزة مع أوروبا تمضي الى ما هو أبعد من الشراكة التقليدية».

وأكد ضيف المغرب أن اسبانيا ستكون النصير الأكبر لهذه العلاقة الاستراتيجية، «التي ستضمن الارتباط الأفضل لبلدكم بأوروبا ولتطلعات المغاربة للمشاركة في تراث الاتحاد الاوروبي والاستفادة القصوى من سياسة الجوار». وأشار إلى أن برشلونة ستحتفل هذه السنة بالذكرى العاشرة للمسلسل الأورو ـ متوسطي من خلال عقد اجتماع على أعلى مستوى، معتبرا أن ذلك يشكل فرصة لتوطيد العلاقة السياسية بين ضفتي المتوسط ومناسبة جيدة في اطار الهوية المتوسطية المشتركة لـ«تسجيل عزمنا المتجدد على مواصلة التقدم معا صوب الاستقرار والرفاهية المشتركة».

وشدد العاهل الإسباني على ضرورة مواصلة المغرب وإسبانيا مواصلة جهودهما في مكافحة الهجرة السرية و«الواقع المأساوي لتهريب الاشخاص الذي ينبغي ألا يكون له وجود في مجتمعاتنا».

ومن جهة أخرى ، نوه بالجهود التي يقوم بها الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس من أجل تحقيق السلام بالشرق الأوسط. وقال إن الفرص الجديدة المتاحة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ستجعل من جهود هذه اللجنة أداة أكثر أهمية للتوصل إلى سلام دائم وعادل في هذه المنطقة من العالم.

ومن جهته، اشاد الملك محمد السادس بـ«الحصيلة الإيجابية» للتعاون المغربي ـ الإسباني والتي بوأت «إسبانيا مكانة الشريك الاقتصادي المتميز للمغرب». وأكد في خطاب القاه بالمناسبة ذاتها أن البلدين «قطعا معا منذ توقيعهما على معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار سنة 1991، شوطا مهما في إقامة شراكة على أوسع نطاق». وأشار الملك محمد السادس إلى أنه بفضل «العلاقة المتميزة «التي كانت تربط بين الملك خوان كارلوس بالملك الراحل الحسن الثاني وبفضل ما نتقاسمه من مشاعر الصداقة » عرف المغرب وإسبانيا «كيف يحافظان على الحوار البنّاء والثقة المتبادلة، بالرغم من العوارض السياسية العابرة».

وشدد العاهل المغربي على ضرورة استثمار هذه «المكتسبات الثابتة» من أجل الارتقاء بهذه العلاقات «المتميزة إلى مستوى شراكة استراتيجية حقيقية. شراكة متعددة الأبعاد، قائمة على ميثاق للثقة منفتحة على تنوع الفاعلين، معززة بآليات متجددة». وعبر الملك محمد السادس عن اقتناعه بـ«إننا بحكم وتيرة الأعمال التي ننجزها معا وفق تصور طموح للمستقبل، سنتمكن من التوفيق المنسجم والدائم بين ما تقتضيه متطلبات السيادة والأمن والتنمية»، معتبرا أن تعميق التفاهم بين الشعبين يقتضي حتما «تحسين نظرة كل منا للآخر، واجتثاث الأحكام المسبقة تجاه بعضنا البعض والتصدي لعوامل الخلط الهدامة». كما نوه بـ«نوعية برامج التعاون الثقافي الحالي» بين البلدين، وثمن «النشاط والحركية اللذين أبانت عنهما منظمات المجتمع المدني في المجال التنموي».

ورحب الملك محمد السادس بتعهد إسبانيا بالرفع من مساعدتها المالية في إطار التعاون في دعم التنمية، مبرزا أن «الطابع النموذجي للتجربة الإسبانية في مناطقنا الشمالية التي تتصدر قائمة الأولويات يجعلنا نتطلع إلى أن يمتد هذا النوع من التعاون إلى جهات أخرى من المملكة».

وأضاف الملك محمد السادس أنه بفضل الإصلاحات الاقتصادية العميقة التي دشنها المغرب أصبحت فرص الشراكة بين الفاعلين الاقتصاديين في البلدين «فرصا حقيقية متنوعة ومفيدة للجانبين سواء تعلق الأمر بالأنشطة الفلاحية أو الصناعة الغذائية أو بالصيد البحري أو السياحة أو الصناعة أو بالتقنية المتطورة».

وعبر الملك محمد السادس عن ارتياحه للتقدم المسجل في التعاون بين البلدين، «لمنع الهجرة السرية ومحاربتها بالفعالية المرجوة من الجانبين وعلى الإرادة المشتركة لبلدينا لتدبير تدفق المهاجرين وفق تصور يتوخى الحفاظ على التوازنات بين متطلبات الاطار القانوني الثنائي سواء تعلق الأمر بالهجرة الشرعية أو بإعادة ترحيل المهاجرين السريين إلى أوطانهم الأصلية». كما سجل التقدم الملموس الذي عرفته أعمال اللجنة المختلطة «للربط القار بين أوروبا وإفريقيا عبر مضيق جبل طارق»، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بمشروع كفيل بـ«توثيق التقارب بين بلدينا في إطار السياسة الاوروبية الجديدة للجوار».

وأشاد الملك محمد السادس أيضا بالتعاون الوثيق والعمل المشترك القائمين بين البلدين الصديقين سواء في إطار المجهودات الدولية الرامية الى القضاء على آفة الإرهاب أومن خلال نشر قوات مشتركة في هايتي تحت إشراف الأمم المتحدة»، وأبرز الجهود التي ما فتئ المغرب يبذلها من أجل أن «يصبح المغرب العربي قطبا للاستقرار وشريكا وازنا لدى الاتحاد الأوروبي» ومن أجل «رفع العائق الذي يؤخر تحقيق هذا المشروع الكبير»، موضحا أن المغرب أبدى دائما» استعدادا كبيرا للتعاون مع الأمم المتحدة من أجل إيجاد حل سياسي للنزاع المصطنع الذي فرض عليه، حل تفاوضي متفق عليه ونهائي، وذلك لتمكين سكان الأقاليم الجنوبية من التدبير الذاتي لشؤونهم الجهوية في إطار احترام السيادة والوحدة الترابية والوطنية للمغرب». كما أبرز الملك محمد السادس الجهود التي ظل يبذلها المغرب لتشجيع الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للنزاع في الشرق الأوسط، مؤكدا أن المغرب «ليشيد في هذا الإطار بالجهود التي تبذلها المملكة الإسبانية في نفس الاتجاه وهي الدولة التي تجمعها بالعالم العربي روابط مثمرة وعلاقات صداقة متينة».

وكان عبد الواحد الراضي، رئيس مجلس النواب المغربي قد اكد ان زيارة الملك خوان كارلوس الأول للمغرب ستسهم بكل تأكيد في تعزيز الصداقة والتقدير المتبادلين اللذين يجمعان الشعبين المغربي والإسباني على مختلف المستويات الحكومية والبرلمانية والجمعوية وعلى رأسها الروابط الخاصة التي تجمعه بالملك محمد السادس. وقال الراضي الذي كان يتحدث خلال جلسة خاصة عقدها البرلمان بمجلسيه بمناسبة زيارة الملك خوان كارلوس والملكة صوفيا للبرلمان، إن هذه الزيارة «ستظل حدثا كبيرا راسخا في ذاكرة هذه المؤسسة وفي تاريخ العلاقات بين بلدين جارين ليس أمامهما من خيار سوى المزيد من التعاون لمصلحة شعبيهما لترسيخ الأمن والسلم في المنطقة طبقا لمبادئ القانون الدولي ومعايير العدل والإنصاف ومن أجل فضاء متوسطي متوازن تنعم فيه جميع شعوب المنطقة بأسباب التقدم والازدهار».

واستحضر الراضي بالمناسبة ما يحظى به الملك خوان كارلوس الأول من تقدير واحترام وتعاطف من الشعب الإسباني للدور الذي قام به في دعم وحماية وتحصين المؤسسات الديمقراطية بالمملكة الإسبانية وتطورها في مختلف الميادين. وأشار إلى أن ملك إسبانيا صديق كبير للمغرب، الذي تربطه مع إسبانيا علاقات متميزة وعريقة على مختلف الأصعدة التاريخية والثقافية والحضارية، مشيدا بـ«عبقرية الشعب الإسباني وما حققه من تقدم سريع وشامل في مختلف الميادين مقدما بذلك نموذجا مثيرا للإعجاب».

ومن جهته، أكد مصطفى عكاشة رئيس مجلس المستشارين أن رصيد المغرب وإسبانيا التاريخي ونظرتهما المستقبلية أكبر بكثير من الصعوبات والمشاكل العابرة التي تعتري صداقتهما. وقال عكاشة الذي كان يتحدث في المناسبة ذاتها «إن حرارة ودفء مشاعرنا المتبادلة كانت وستظل أكبر عامل على تذويب كل الصعاب».

وأضاف أن ما يكنه الشعب المغربي من تقدير وامتنان للملك خوان كارلوس نابع ليس فقط مما يمثله على رأس بلد جار فقط، بل لتلك المسحة الإنسانية الصادقة التي بنيت عليها علاقته وصداقته مع الملك الراحل الحسن الثاني والملك محمد السادس مقدما بذلك للشعبين المغربي والإسباني «المثال الحي والصادق لما يجب أن تكون عليه العلاقات في ما بيننا».

وعبر عكاشة عن اعتزاز البرلمان وممثلي الأمة المغربية باستقبال الملك خوان كارلوس والاستماع إلى خطابه «التاريخي الذي سيظل بدون شك موشوما في الذاكرة البرلمانية والشعبية المغربية لما عكسه من إشارات ومضامين قوية سيكون لها بالغ الأثر على العلاقات المغربية الإسبانية».