الجنود الأميركيون يتجولون باسترخاء في شوارع الموصل لإشاعة جو من الثقة

جندي يقول: لا يمكن للمرء أن يصافح أحدا وهو في دبابة

TT

في منتصف نهار بارد في مدينة الموصل، التي ينتشر فيها العنف، كان الرقيب الأول كين أغودا يسير عبر جسر حاملا بندقيته في يد ودولارين أميركيين في الأخرى.

ووضع أغودا النقود في يد متسول بينما كان فصيله يتبعه عبر الجسر. وراح سائقو السيارات يحدقون غير مصدقين بالجنود الأميركيين السائرين بلا عربات مدرعة تحمي القوات الأميركية عادة من المتمردين الساعين الى قتلهم.

وجاءت اشارة أغودا في يوم حيث كانت وحدته تقوم باستكشاف مراكز الاقتراع المحتملة والمباني التي يمكن أن يقيم فيها فوج عراقي قادم لأغراض الانتخابات. وكان أفراد الفصيل يسيرون في الشارع باسترخاء ويصافحون المارة ويربتون على رؤوس الأطفال ويلوحون بأياديهم لسائقي السيارات بينما يراقبون بحذر المسلحين والقناصين والمتفجرات المزروعة على الطرق الجانبية والتهديدات الأخرى التي تواجه القوات الأميركية في مختلف أنحاء البلاد.

وكانت هذه الوحدة، وهي الكتيبة الأولى من فوج المشاة 14 التابع لفرقة المشاة 25، تتوقع العودة الى قاعدتها في جزيرة أوهو في هاواي في هذا الوقت. ولكنها الآن جزء من القوة الأميركية التي أرسلت الى الموصل استعدادا لانتخابات الثلاثين من الشهر الحالي، والتي زاد عدد أفرادها من 8 الى 12 ألفا، فضلا عن دعوة 4.500 من القوات العراقية الاضافية، بينها أفراد من قوة التدخل العراقية.

وقد غير هذا الحشد من القوات وجه ثالث أكبر مدينة في البلاد، كانت مسرحا لأعمال العنف منذ العاشر من نوفمبر عندما شن المتمردون هجوما كرد فعل على الهجوم على الفلوجة.

ويعكس هذا التصعيد في القوات الأهمية الحاسمة للموصل بالنسبة للانتخابات، حيث يبلغ عدد نفوسها مليوني نسمة، ثلثاهم من السنة المناهضين عموما للاحتلال الأميركي. وارتباطا بوجود سلطة محلية هشة و8 آلاف من قوات الشرطة التي انهارت في هجوم نوفمبر ستساهم الموصل في تقرير ما اذا كانت الانتخابات ستكون معلما في مساعي ادارة بوش لتحقيق الاستقرار في العراق أو ان الفشل سيكون نصيبها.

وقال الكابتن باتريك رودي ضابط الارتباط مع الحكومة المحلية ان «هناك الكثير من الخسائر اذا لم تمض الأمور على ما يرام».

وتهدف الاستراتيجية الأميركية الى تحقيق الاستقرار في المدينة خلال الأسبوعين المقبلين، ثم السماح لقوات الأمن العراقية بحماية مراكز الاقتراع في يوم الانتخابات. وهذه المهمة التي تحمل اسم «عملية المؤسسين»، مهمة معقدة. فالجنود الأميركيون ما يزالون يستكشفون أماكن الاقتراع المحتملة في الموصل خلال نهاية الأسبوع الماضي، مقيمين ذلك ارتباطا باحتمالات تعرضها لهجوم ومناسبتها للناخبين العراقيين.

وقال الكولونيل ديف ميلر، آمر الكتيبة الأولى، ان «الكثير من القتال في الشوارع لن يؤدي الى ممارسة الاقتراع»، مضيفا انه «علينا أن نتذكر ما اذا كان ذلك الوضع سيخلق المناخ المناسب للاقتراع». غير أن الضباط ما يزالون يعبرون عن التفاؤل بأن عمليتهم كان لها تأثير وان الانتخابات ستجري في الموصل.

ومنذ وصولها في يناير الماضي فان كتيبة المشاة الخفيفة، التي تحمل اسم «التنين الذهبي»، عملت في مختلف المواقع المتوترة في العراق. فقد ارسلت مرتين الى الموصل والنجف وكذلك تلعفر وسامراء حيث شاركت في هجوم لاستعادة المدينة. وقد دخلت الكتيبة الى العراق في سيارات همفي مكشوفة وتحركت في بعض أكثر مناطق الحرب خطرا. وعلى الرغم من أن البعض يتساءلون عما اذا كانت القوات في العراق قد أعطيت ما يكفي من الدروع، فان الكابتن جيم بانغليان، آمر فصيل ألفا في الكتيبة البالغ 30 عاما، وصف ذلك النقاش باعتباره «مضحكا». وقال ان طريقة سير أفراد الكتيبة على الأرض اعطى الجنود مزيدا من المرونة والفرصة للتفاعل بصورة مباشرة مع المدنيين العراقيين، مضيفا انه «لا يمكن للمرء ان يصافح أحدا وهو في دبابة». واذ كانت الكتيبة تشق طريقها في الشتاء العراقي القارس في كركوك الشهر الماضي كان أفرادها يحلمون بعودتهم الى الهاواي عندما تلقوا أوامر بتمديد مهمتهم لفترة 90 يوما بسبب الانتخابات.

وكان آمر فصيل ألفا قد جمع رجاله ليعلمهم بالأنباء غير السارة. وكانت مهمته أن يبلغهم انه بدلا من العودة الى قاعدة أوهو صدرت أوامر بتوجههم الى المدينة التي ينتشر فيها البرد والعنف حيث كان رجل يرتدي بدلة شرطة عراقية يسير يوم 21 ديسمبر الماضي نحو خيمة المطعم في قاعدة عسكرية أميركية ليقوم بعملية التفجير التي حصدت ارواح 22 شخصا.

وقال بانغليان للجنود ان «طريقنا الى الوطن يمر عبر الموصل». وكان يعد نفسه لرد الفعل. وبعد أن طرح بعض المسائل حول المهمة هاجمه رجاله بطريقة مازحة، ورشوا عليه الماء وتكوموا فوقه. وشعر بالارتياح من ذلك التصرف الذي عكس قبول أفراد فصيله الأمر.

وفي يوم السبت الماضي تجمع 42 من أفراد الوحدة في موقع مكشوف في قاعدة باتريوت للعمليات المتقدمة، وفي مشهد مثير نادرا ما نراه في العراق، ساروا من ثم خارجين من البوابة الأمامية الى شوارع الموصل الشاقة.

وقال أغودا «أفضل ان اكون هنا في الخارج محاطا بأصدقائي على أن أكون راكبا في عربة يمكن أن تنفجر».

وتبع الفصيل اغودا على الجسر عبر متنزه الى حديقة تسلية مهجورة. وهناك كان الجنود يمرحون والابتسامات تعلو وجوههم.

وبعد ذلك عادوا الى قاعدتهم. وقال الرقيب ايرا بولا، 30 عاما، ولديه ابن يبلغ الخامسة من العمر ان «زوجتي اخبرت ابني بأنني خارج البلد أشارك في انقاذ العالم. والآن يسألني: هل انتهيت تقريبا من انقاذ العالم؟ فأجيب: أجل انتهيت من انجاز المهمة تقريبا».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»