ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب يتحدثون في خنيفرة عن مشاهدة حالات اغتصاب لم تنج منها سيدة حامل وطفلة في التاسعة

أحدهم قال إن الجلادين كانوا «عندما يتعبون» يأمرون المعتقلين بضرب بعضهم بعضا

TT

مساء يوم الاحد الماضي لم يكن مساء عاديا في مدينة خنيفرة المغربية (الاطلس المتوسط). فقد ايقظت جلسة الاستماع العمومية الخامسة لضحايا انتهاكات حقوق الانسان خلال سنوات الاحتقان السياسي في المغرب، المواجع الموشومة في ذات الضحايا وذاكرتهم ايضا، لكنها مواجع تلاشت بمجرد الكشف عنها امام الملأ، او بالأحرى خفت حدة آلامها.

تحدث في تلك الجلسة كل من فاطمة الزهيري، وفاطمة اوخلف، والعربي الكميري، وعبد القادر السويدي، وفاطمة امزيان، ومحمد القاسمي، وثريا تناني، والكبير الواسطي، وسهيل ادريس، واحمد بويقبة. وتمحورت شهادات هؤلاء الضحايا حول حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي اللذين عرفتهما منطقة خنيفرة في احداث مارس (اذار) 1973، والاحداث الاجتماعية لعام 1984 .

قال سهيل إدريس إن الأحداث التي عرفتها منطقة خنيفرة سنة 1973 «كانت نتيجة تصرفات المسؤولين آنذاك، والتي جعلت النفوس تيأس من تحقيق كل تغيير ودمقرطة للبلاد». واستعرض ادريس الذي اعتقل في إطار أحداث 1973 في شهادته أشكال «التنكيل والتعذيب» التي تعرض لها منذ القاء القبض عليه في 6 مارس 1973، والزج به بمركز الأمن بخنيفرة. وأوضح أنه تم اعتقاله من قبل فرقة من الدرك الملكي تضم 15 عنصرا حيث تم وضعه في شاحنة رفقة مجموعة من المعتقلين نقلتهم من مدينة خنيفرة إلى فاس ليتم احتجازهم في إحدى الفيلات السرية التى عرف فيها شوطا ثانيا من التعذيب. وقال ان رجال الأمن شرعوا في استنطاقه وتعذيبه بسبب منشورات وزعت ليلة تلك الأحداث التي عرفتها المنطقة. وأضاف أنه لم يكن له علم بها، مشيرا الى أنه اضطر تحت شدة التعذيب الذي استعمل فيه على الخصوص الصعق بالكهرباء، إلى الاعتراف بانه ساهم في توزيع منشورات تحرض على الثورة، رغم عدم معرفته بتلك الأحداث. وأضاف ادريس أنه خلال اعتقاله شاهد حالات متعددة من التعذيب منها تعرض نساء «للاغتصاب لم تنج منه حتى سيدة حامل كانت في شهرها الثامن وفتاة في التاسعة من العمر». ولدى استعراضه للمراحل التى قضاها متنقلا بين المعتقلات أشار الى أنه أمضى حوالي شهرين بفاس قبل أن ينقل رفقة معتقلين آخرين جوا إلى معتقل «الكوربيس» بمطار أنفا بالدار البيضاء ومن هناك الى سجن درب مولاي الشريف حيث ظلوا نحو شهر قبل أن تصدر في حقهم أحكام منها 16 بالإعدام، والباقي بين المؤبد والسجن خمس سنوات، فيما برئت ساحته رفقة سجناء آخرين.

وأضاف انه على الرغم من استفادته من البراءة، ظل معتقلا حيث «لفقت» له تهم أخرى خطيرة ليحال على المحكمة من جديد بتهمة تكوين عصابة خلال فترة اعتقاله بالسجن المركزي بالقنيطرة الذي ظل فيه الى غاية 9 مارس 1975 حيث أطلق سراحه مؤقتا وذلك في إطار متابعة انتهت هي الأخرى ببراءته.

وقال أحمد بويقبة ان أحداث 1972 و1973 بمنطقة خنيفرة كانت «ثورة ضد العنف والاضطهاد والفساد» وجاءت كرد فعل لمشاعر اليأس والاحباط التي كان يشعر بها المواطنون الذين فقدوا الامل بعد الاستقلال في حصول أي تغيير. وذكر بويقبة ان المسؤولين لم يولوا آنذاك أي أهمية لمنطقة خنيفرة سواء من حيث التجهيزات الاساسية أو الصحة أو التعليم مما دفع السكان الى تنظيم «ثورة ضد العنف والاضطهاد والفساد».

وأضاف بويقبة، المولود سنة 1939، أن «الثوار» اضطروا عقب هذه الاحداث الى الصعود الى الجبال حيث بقوا هناك بدون أكل ولا شراب، مشيرا الى أنه تم خلال هذه الفترة القاء القبض على المواطنين بالمنطقة بمن فيهم الشيوخ والنساء والاطفال الذين تعرضوا خلال استنطاقهم لمختلف أنواع التعذيب وذلك لارغامهم على الإدلاء بمعلومات عن الأماكن التي كان يختبئ فيها «الثوار».

وأكد بويقبة، الذي صدر في حقه حكم بالاعدام من قبل المحكمة العسكرية الدائمة بتاريخ 30 اغسطس (آب) 1973، أن السلطات لم تكتف بتعذيب الأسر بل قامت بهدم المنازل ومصادرة الارزاق واعتقال الابرياء.

وذكر بويقبة أن أخته عانت بعد اعتقالها من مختلف أنواع التعذيب حيث ظلت في السجن مدة ثلاث سنوات وأربعة أشهر دون محاكمة قبل أن يطلقوا سراحها، مشيرا الى أنهم قاموا لنفس السبب باعتقال أخته الثانية.

وبعد ذلك، انتقل بويقبة، الذي اضطر بسبب مطاردته خلال أحداث 1973 وصدور حكم غيابي بالاعدام ضده الى مغادرة البلاد، لسرد الظروف القاسية التي كان يعيش فيها «الثوار» الذين كانوا يضطرون الى تغيير مكانهم عدة مرات سواء خلال الليل أو النهار.

وأشار الى أنه رغم مطاردتهم وتطويقهم من قبل السلطات لعدة مرات فانهم كانوا يتمكنون في كل مرة من الإفلات من الاعتقال، متحدين الظروف الصعبة التي كانوا يعانون منها من جوع وعطش وحرمان من أبسط شروط الحياة. وأكد أن «الثوار» ظلوا ينتقلون من مكان الى آخر في الجبال والسهول والغابات لأزيد من سنتين متمسكين بحريتهم وحاملين السلاح ومتحملين مختلف أنواع المعاناة قبل أن يضطر رفقة مجموعته الى مغادرة البلاد. وخلص بويقبة الى أنه عاد الى البلاد فى اول اغسطس 1995 بعد أن صدر عفو في حقه لكن مأساته، يقول الشاهد، لم تنته لانه وجد نفسه لدى عودته الى البلاد بدون سكن ولا مصدر للعيش، معربا في هذا الاطار عن أمله في أن تتغير الاوضاع بالبلاد.

من جهته، قال العربي الكميري، إنه تعرض بعد اعتقاله في اول مايو (آيار) 1964 لكل أنواع التعذيب رغم أنه كان من المناضلين من أجل تحرير البلاد من الاستعمار، ورغم أن حافزه كان هو الإخلاص للوطن والعرش.

وأوضح الكميري، الذي كان مكلفا الخدمات العامة بمطار مكناس العسكري أنه والضباط الـ 125، اعتقلوا في إطار قضية «الكولونيل بنحمو» الذي فر إلى الجزائر. واضاف أنه مورست ضده شتى أنواع التعذيب خلال فترة اعتقاله منها «الشنق والخنق واستعمال الصعق بالكهرباء»، وذلك على مدى ستة أشهر. وأكد أن عائلات الضباط الذين اعتقلوا بسبب «الاعتقاد بأنهم كانوا على علم بأن بنحمو سيفر إلى الجزائر» لم تكن تعرف مكان وجودهم كما أنهم لم يحالوا على أية محكمة «لأنه لم تكن هناك أية حجة ضد أي واحد منا». وأشار الكميري، وهو من مواليد عام 1930 ونقل بعد اعتقاله إلى معتقل دار المقري ثم إلى السجن المركزي للقنيطرة حيث أمضى ثلاث سنوات في زنزانة انفرادية، إلى أن الملك الراحل الحسن الثاني بعد اطلاعه على أنه كان في السجن «أناس حاربوا من أجل الاستقلال ومن أجل عودة الأسرة الملكية من المنفى» أعطى أمره «بإخراجنا من سجن القنيطرة».

وأضاف الكميري، الذي أفرج عنه في مايو 1967 أنه بعد مرور شهرين على الخروج من السجن، أعرب المفرج عنه عن خشيتهم من عدم معاملتهم بشكل حسن في حال عودتهم إلى الثكنة العسكرية إن لم تتم محاكمتهم لإثبات براءتهم. وفي سياق ذلك، قال الكبير الواسطي، انه تعرض للاحتجاز لما يزيد عن ثمانين يوما أصيب بسببها والده بمرض عقلي جراء البحث عنه في كل مكان. وقال الواسطي، المولود سنة 1937، إن اعتقاله تم بمدينة خريبكة في أبريل (نيسان)1957، بينما كان يلعب كرة القدم، رفقة مجموعة من التلاميذ ينتمون للشبيبة العبدلاوية، التابعة لحزب الشورى والاستقلال. وأوضح الواسطي أنه بمجرد اعتقاله اقتيد هو ورفاقه إلى ثكنة للدرك الملكي مكثوا بها 12 يوما تعرضوا خلالها للتعذيب، مضيفا أنه «حينما كان يتعب رجال الدرك من ضربنا كانوا يأمروننا بضرب بعضنا بعضا وهم يتفرجون علينا».

وقال الواسطي إنه نقل ورفاقه بعد ذلك إلى باشوية (حاكمية) مدينة خريبكة «ومكثنا بها ستة أيام تعرضنا فيها للتعذيب حيث كانوا يضعون رأسي في مكان قذر بالمرحاض، وكنت أنام على قطعة إسفنج مبللة بالماء والملح». وأضاف: «ثم نقلنا بعد أن عصبوا أعيننا وكبلوا أيدينا إلى الدار البيضاء وقضينا هناك يومين بثكنة للقوات المساعدة قبل أن يتم ترحيلنا إلى بنسليمان (شرق الدار البيضاء) لنبقى هنالك مدة 45 يوما لم تتحسن فيها أوضاع احتجازنا». ومضى الواسطي قائلاً: «ثم نقلنا إلى أبي الجعد (جنوب شرقي الدار البيضاء) حيث قضينا 45 يوما تحسنت فيها أوضاع احتجازنا قليلا ليتم نقلنا من هناك إلى سجن لعلو بالرباط ثم تمت إحالتنا بعد شهرين من ذلك على المحكمة»، و«بعد تسعة أشهر قضيناها بسجن لعلو حكمت المحكمة ببراءتنا». وأشار الواسطي إلى أنه بعد خروجه من السجن استمرت معاناته إذ أصيب خلال فترة الاحتجاز بقصر النظر وبضيق في التنفس إضافة إلى أمراض أخرى.

من جهتها، قالت فاطمة أمزيان احدى ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بمنطقة خنيفرة انها تعرضت اثر اعتقالها سنة 1972 رفقة أطفالها لمختلف أشكال التعذيب الجسدي والنفسي بما في ذلك التهديد بالقتل. وأضافت أمزيان أنها تعرضت للاختطاف مرة ثانية سنة 1973 اثر فرار زوجها، واقتيدت الى معتقل مولاي بوعزة وهي حامل، بعد مداهمة منزلها وإتلاف جميع أغراضها.

واستعرضت أمزيان مختلف أشكال التعذيب التي مورست عليها، ومن جملتها، الضرب المبرح والخنق بواسطة «الشيفون» (الاسفنجة) والصعق بالكهرباء، فضلا عن التهديد بالاغتصاب، مذكرة أن رضيعتها التي وضعتها خلال فترة الاحتجاز، عانت من غياب التغذية والملبس الكافيين. وطالبت أمزيان بمساعدتها على استرداد حقوقها التي سلبت منها في خضم أحداث بلدة مولاي بوعزة، وتحسين أوضاع العائلة المادية والمعنوية.

يذكر أن أمزيان اعتقلت سنة 1972 رفقة أطفالها، واحتجزت بمركز الشرطة بخنيفرة حوالي أربعة اشهر، ثم اختطفت ثانية ابان أحداث مارس 1973 لتحتجز في مولاي بوعزة وفاس وخنيفرة ويطلق سراحها بعد 19 شهرا من الاعتقال.

وقال محمد القاسمي، الذي كان أحد ضحايا انتهاكات حقوق الانسان خلال احداث مارس 1973 بخنيفرة ان اعتقاله «تم في اطار مؤامرة استهدفت المنطقة بأكملها». واستعرض القاسمي، 65 سنة، مختلف أنواع التعذيب التي طالت أبناء المنطقة وخاصة المناضلين في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ سنة 1963 .

وأضاف أن هذه الممارسات القمعية كانت بسبب كون «هؤلاء المناضلين كانوا يتوقون الى تغيير الاوضاع نحو الاحسن وهو ما كان مصدر إزعاج لمن كانت لهم مصلحة في بقاء الامور على حالها مما جعلهم يفكرون كل لحظة في محاولة النيل من هؤلاء المناضلين». وأشار الى أن «مناهضي التغيير كانوا وراء اعتقال العديد من المواطنين من خنيفرة والمناطق المجاورة عقب احداث سنة 1973»، مبرزا أن الاعتقالات طالت عددا كبيرا من الرجال والنساء واحيانا الاطفال من جميع القبائل خاصة قبائل ايت خويا، وتغسالين، وايت اسحاق، وايت قبو، وايت لعجين، وغيرها .وأضاف ان الامر «لم يقف عند حد اعتقال هؤلاء المواطنين الشرفاء بل تم السطو على كل ما يملكونه من أموال وماشية وتجهيزات منزلية وغيرها وإتلاف محاصيلهم الزراعية». وقال إنه اعتقل بمدينة خنيفرة التي قدم اليها من كلميمة: لا لشيء إلا لكونه كان يسهر رفقة بعض المناضلين على تأطير العمل السياسي دفاعا عن الديمقراطية وحرية التعبير وذلك في 9 مارس 1973، ومكث بمركز الشرطة بالمدينة لمدة سبعة أيام قبل أن ينقل الى فاس حيث احتجز وأخضع للتعذيب لمدة شهر باكمله.

ونقل القاسمي بعد ذلك الى الدار البيضاء، وخاصة الى معتقل درب مولاي الشريف قبل إحالته على النيابة العامة بالمحكمة العسكرية التي أمرت بوضعه رهن السجن الاحتياطي الى أن صدر في حقه حكم بالبراءة في30 اغسطس 1973 فيما عرف بقضية عمر دهكون ومن معه.

وبدلا من أن يفرج عنه نقل القاسمي الى تمارة (ضواحي الرباط) وبقي في احدى الثكنات العسكرية هناك رهن الاعتقال في ظروف سيئة لمدة خمسة أشهر قبل أن يحال على السجن المركزي بالقنيطرة ثم صدر في حقه حكم بالبراءة سنة 1976 .

من جهتها، قالت فاظمة أوخلف، أرملة أحمد عسيل، الذي أعدم على خلفية أحداث مارس 1973 انها عانت الأمرين من أجل ضمان قوت ابنائها الخمسة بعد إعدام زوجها، حيث عاشت وأسرتها على صدقات المحسنين. وأوضحت فاظمة، وهي إحدى ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان انها تعرضت للتعذيب الشديد بالثكنة العسكرية بمولاي بوعزة لأكثر من شهرين قبل نقلها وعدد من أفراد أسرتها الى معتقل «الكوربيس» بالدار البيضاء. وأضافت فاظمة التي أدلت بشهادتها باللغة الأمازيغية أنه بعد اطلاق سراحها، لم يكن أبناؤها الخمسة يجدون ما يسدون به الرمق، بعد هدم منزل الأسرة واتلاف ممتلكاتها. وظلت على هذه الحال لمدة خمس سنوات. وكان أحمد عسيل زوج الضحية قد احتجز بأماكن سرية بكل من خنيفرة ومكناس قبل اصدار المحكمة العسكرية الدائمة حكما بالاعدام في حقه بتاريخ 30 اغسطس 1973 .

بدورها، قالت ثريا تناني، التي اعتقلت على خلفية أحداث 1984 بسبب تأسيسها مع آخرين فرعا لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي في بلدة الفقيه بن صالح إن «حب الشعب ثمنه باهظ لا يعرفه سوى من داهم بيته زوار الليل».

وأوضحت تناني أنه في ليلة 27 يناير (كانون الثاني) 1984 داهم بيتها ثلاثة أشخاص ورابعهم مقدم الحي (مختار الحي) حيث احتجزوها وعذبوها تحت أنظار إخوتها الصغار قبل أن يفتشوا البيت ويعبثوا بمحتوياته، مشيرة الى أنها قضت ليلتها في زنزانة وسخة قبل عرضها على التحقيق. وأضافت تناني، وهي من مواليد عام 1959، أنها وضعت تحت الحراسة النظرية لمدة 17 يوما بكل من مركز الشرطة بالفقيه بن صالح وبني ملال حيث خضعت خلالها لمختلف صنوف التعذيب، موضحة في هذا السياق أن جلاديها الذين لا يفرقون بين رجل وامرأة طرحوها أرضا ثم قيدوها وعلقوها(الطيارة) ليبدأوا في ضربها بالسياط على الرجلين.

وقالت: «أنزلوني من (الطائرة) بعد أن أغمي علي ونقلوني الى المستشفى»، مؤكدة أنه تم استنطاقها بعد ذلك بشأن أنشطتها الثقافية والسياسية والنقابية بل إنهم اعتقلوا أختها التلميذة لاتخاذها كشاهدة ضدها ولم يطلقوا سراحها الا بعد سبعة أيام.

وأضافت انها قضت 15 يوما رهن الاعتقال ليحكم عليها بعد ذلك بسنتين أمضتهما بالسجن المدني ببني ملال مع سجناء الحق العام. لكن، تضيف تناني، أن معاناتها لم تتوقف عند هذا الحد بل استمرت حتى بعد خروجها من السجن بتقييد تنقلاتها فضلا عن المضايقات التي كانت عانت منها أسرتها . يذكر أن ثريا تناني أصيبت أثناء اعتقالها بأضرار عضوية ونفسية وحرمت عائلتها من مورد عيشها وبعد الافراج عنها أرجعت الى عملها بتاريخ 1987 .

اما عبد القادر السويدي، أحد ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، فقال إنه كأستاذ كان يفضل التعذيب على سماع أنين وصراخ تلاميذه وهم يعذبون. وأوضح أن الاعتقالات التي طالته وتلاميذه كانت نتيجة للاضراب الذي شنه تلاميذ ثانوية «طارق بن زياد« بآزرو للمطالبة بالتدفئة بسبب البرد القارس الذي تعرفه المنطقة أواخر يناير، مضيفا أن الثانوية «تحولت إلى ثكنة عسكرية توجد فيها جميع أجهزة الأمن»، التي قام أفرادها باعتقال حوالي مائة تلميذ، تقل أعمار غالبيتهم عن 18 سنة، لينقلوهم من آزرو إلى إفران، حيث تعرضوا «لأبشع أنواع التعذيب». وأضاف السويدي أن دائرة الاعتقال اتسعت فيما بعد لتشمل أعضاء حزب التقدم والاشتراكية والتلاميذ المنتمين لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

كما روى السويدي ظروف اعتقاله يوم 2 فبراير (شباط) 1984، حيث طوقت أجهزة الأمن منزله وفتش خمسة من أفرادها، خلال أربع ساعات، كافة أوراقه وكتبه، ليتم نقله، معصوب العينين، إلى مقر سري للاعتقال بمدينة إفران.

وأضاف السويدي أنه من بين مجموع المعتقلين، تم الإبقاء على 18 تلميذا قيد الاعتقال بالإضافة إلى أعضاء فرع حزب التقدم والاشتراكية بآزرو وأشخاص آخرين «لا علاقة لهم لا بالثانوية ولا بالحزب».

وعن ظروف «التعذيب» التي عاشها المعتقلون، قال السويدي إن الجلادين انتهجوا «سياسة التعذيب بالطقس»، حيث كانت «وجبات التعذيب» تبدأ على الساعة 11 ليلا إلى 4 صباحا، يتعرض خلالها المعتقلون لشتى أنواع سوء المعاملة، ليتم فيما بعد نقلهم إلى ساحة خلف «مفوضية الشرطة» ليقضوا ساعات طوال من الليل في العراء حيث تنخفض درجات الحرارة بإفران إلى ما دون الصفر، قبل إعادتهم من جديد إلى المعتقل.

واستحضر السويدي كواليس الاستنطاق، الذي قال إنه بدأ بتهمة نشر ملصقات على باب الثانوية تدعو إلى شن الإضراب، ليتخذ «منحى آخر تمثل في اتهامنا بنشر مقالات تفضح أعمال سرقة الثروات الغابوية بآزرو، وليستمر الاستنطاق باتهام المجموعة بسبب موقف حزب التقدم والاشتراكية من التدخل السوفياتي في أفغانستان».

واسترسل السويدي في سرد تجربته رفقة مجموعة آزرو، التي تمت إحالتها على أنظار المحكمة الابتدائية بمكناس، التي أدانت التلاميذ بالحبس مدة ستة أشهر وأعضاء حزب التقدم والاشتراكية بثلاث سنوات، ليتم بعد الاستئناف إدانة الجميع بخمس سنوات سجنا، أمضوا ثلاثا منها بإفران واثنتين بمكناس. كما أعرب السويدي عن قناعته بأن عملية اعتقال مجموعة آزرو كانت «تصفية لحسابات مع القوى التقدمية والقضاء على اليسار في البادية». ودعا السويدي في الختام الدولة إلى «الاعتذار لكل مناضلي هذه الفترة والاهتمام بهذه الفئة التي عانت من السجن وما زالت تعاني من عدد من الأمراض»، قائلا «إن مصيره بعد الخروج من السجن كان قرار التوقيف من مهنته كأستاذ، فيما انتهى الحال بباقي المعتقلين إلى الموت أو الجنون أو التسكع في الشوارع».

وكان السويدي قد اعتقل من مقر عمله كأستاذ بثانوية بآزرو يوم 2 فبراير 1984 في سياق الاعتقالات التي واكبت الأحداث الاجتماعية لسنة 1984. وتم إيداعه بمعتقل سري بإفران حيث تعرض للتعذيب بحضور تلاميذه الذين تعرضوا للمعاملة نفسها.

من جهتها، قالت فاطمة الزهيري، احدى ضحايا انتهاكات حقوق الانسان في بلدة تكلفت (ضواحي خنيفرة) انها شارفت غير ما مرة على الاجهاض من شدة التعذيب الذي تعرضت له خلال احتجازها. واستعرضت الزهيري في الشهادة التي أدلت بها باللغة الأمازيغية قساوة الأوضاع التي عانت منها، والتي طبعها اساسا النقص الملحوظ في المأكل وبرودة الطقس، لا سيما أنها وضعت عارية في زنزانة فارغة.

وبعد تجاوزها مرحلة الاعتقال التي قضتها بين معتقلين في «تكلفت» و«بين الويدان» بسبب نشاط الزوج ومشاركته في حركة «القائد البشير»، اضطرت الزهيري الى بيع الحطب والخبز أحيانا من أجل سد جوع أبنائها، خصوصا بعد أن تمت مصادرة أملاك الأسرة.

وذكرت الضحية أنها فقدت طفلتها الرضيعة بعد سبعة اشهر على ولادتها بسبب المرض والفاقة، كما أصيبت هي نفسها بضعف البصر.