كرامي أكد اجتماع شيراك مع المعارضة ونصر الله تساءل عن تجاهل مسؤولية إسرائيل في جريمة اغتيال الحريري

«اللقاء الوطني الموسع» دعا المعارضة إلى الحوار تحت سقف اتفاق الطائف

TT

اعتبر «اللقاء الوطني الموسع» الذي عقد اجتماعه الثاني امس في مقر رئيس البرلمان اللبناني في عين التينة ببيروت، بدعوة من نبيه بري، ان «استهداف الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو استهداف لوثيقة الوفاق الوطني التي اقرت في الطائف، باعتبارها ضمانة لترسيخ السلم الاهلي». وجدد دعوته المعارضة للمشاركة في «حوار وطني مفتوح وغير مشروط يرتكز على هذا الاتفاق». واعلن رفضه المطلق «للطروحات المتطرفة التي يعبّر عنها البعض والمنادية بإسقاط المؤسسات والسلطات الدستورية».

الا ان الاهم في اللقاء هو المداخلات التي جرت خلاله، خصوصاً ما ادلى به رئيس الحكومة عمر كرامي وامين عام «حزب الله» الشيخ حسن نصر الله. فقد اكد الاول انه خلافاً لما ذكره نواب من كتلة الرئيس الراحل رفيق الحريري فان الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي جاء قبل ايام الى بيروت ليقدم التعازي الى اسرة الرئيس الحريري، امضى فيها اربع ساعات بينها ساعتان التقى خلالهما عدداً من اقطاب المعارضة. وعلمت «الشرق الأوسط» ان كرامي اعتبر «ان ما يحصل على الارض لا يمكن عدم ربطه بتلك اللقاءات التي جرت». كما اعلن انه جاهز للاستقالة في هذا اللقاء «اذا كانت الاستقالة تخدم وحدة لبنان وتمنع التشرذم وتؤدي الى الانقاذ». كما اكد ان الدولة «اتخذت قراراً باقامة مأتم رسمي للرئيس الشهيد لكن عائلته رفضت ذلك، كما رفضت مشاركة اركان السلطة في التعزية والتشييع». واوضح انه «احتراماً لحرمة الحدث ولمقام الشهيد اتخذت السلطة قراراً بعدم الرد على اي مواجهات كلامية تطالها».

اما امين عام «حزب الله» فأكد على دعوته الجميع للحوار، لافتاً الى «ان كل ناس عندها شارع فاذا وضعنا شارعاً امام شارع فاين يصبح البلد؟». واستغرب تحميل فريق من اللبنانيين مسؤولية الجريمة الى كل من السلطة اللبنانية والسورية متناسياً ومتجاهلاً اسرائيل. وقال: «اهانة للرئيس الحريري ان يقال ان اسرائيل لا تغتال الحريري».

وكان اللقاء الذي حضره بري ورئيس مجلس الوزراء عمر كرامي وامين عام «حزب الله» الشيخ حسن نصر الله ونائب رئيس مجلس النواب ميشال المر ونائب رئيس الحكومة عصام فارس وعدد كبير من الوزراء والنواب ورؤساء الهيئات والاحزاب السياسية، قد توسعت حلقته امس بحيث ضم عدداً من الوزراء والنواب تغيبوا عن المشاركة في اللقاء السابق، وبينهم الوزيران جان لوي قرداحي ووئام وهاب والنائب ناصر قنديل، فيما اعتذر عن عدم الحضور رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني والنائب قبلان عيسى الخوري الذي بعث برسالة ضمنها موقفين; اولهما «ان لبنان هو وطن رسالة والحوار والوفاق وان طابعه المميز ينعكس على نظامه وشعبه لان في كل مسلم لبناني شيئا من المسيحية يميزه عن كل مسلمي العالم وفي كل مسيحي لبناني شيء من الإسلام يميزه عن كل مسيحيي العالم. وان اللقاء الوطني العفوي لمناسبة تشييع شهيد لبنان دولة الرئيس رفيق الحريري هو التأكيد على ذلك»، وثانيهما «ان وثيقة الوفاق الوطني والدستور اللبناني هي السقف الاساس الذي يتوجب علينا الخضوع له في حياتنا السياسية، وبالتالي فان كل موقف وتشريع يجب ان يكون تحت هذا السقف والا فقد لبنان توازنه ووفاقه». ودعا الجميع الى تفعيل لغة الحوار في سبيل الوصول الى قواسم مشتركة تخرجنا من حالة التشرذم والفوضى.

وفي ختام اللقاء الذي استمر من الثالثة من بعد ظهر امس حتى السادسة مساء، تلا بري البيان الختامي الذي جاء في ابرز نقاطه ومقرراته «ان المجتمعين تداولوا في ابعاد الفاجعة التي حلت بلبنان عبر جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. كما توقفوا عند المواقف المتشنجة التي تعبر عن نهج تصعيدي مقصود شديد الخطورة يفاقم من حدة الاحتقان السياسي الى درجة باتت تهدد الاستقرار والنظام العام».

وأكد المجتمعون «استنكارهم للجريمة الارهابية التي استهدفت احد اهم الرموز الوطنية الذي عمل باستمرار لترسيخ الوحدة الوطنية. وكان بذلك مثالاً للاعتدال والانفتاح الوطني بين المكونات السياسية والاجتماعية لوطنه لبنان على امتداد انحائه ومناطقه ومهاجره». ورأوا «ان استهداف الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو استهداف لوثيقة الوفاق الوطني باعتبارها ضمانة لترسيخ السلم الاهلي ولثقة المواطنين بوطنهم ومقدمة لمسيرة الاعمار واطاراً ضامناً لدور المقاومة مكنها من تحرير معظم الاراضي اللبنانية وقاعدة للنظام الميثاقي اللبناني ومرجعية لواقع الشراكة بين لبنان وسورية». وشدد المجتمعون على «ضرورة اعطاء الاولوية القصوى للتحقيقات العدلية الجارية توصلاً الى كشف النقاب عن المجرمين الذين ارتكبوا هذا العمل الارهابي». كما شددوا على «اهمية الاسراع في الاجراءات الكفيلة بالوصول الى هذه النتيجة بفعالية كاملة وشفافية عالية بما في ذلك الاستعانة بالخبرات العربية والدولية». واعتبر المجتمعون «ان جلاء كل الملابسات المحيطة بهذه الجريمة من شأنه بالاضافة لكونه واجبا وطنيا ودينيا واخلاقيا ان يخفف من درجة التشنج والاحتقان ويمنع بالتالي اي استغلال سياسي لهذه الجريمة البشعة». وجددوا «الدعوة الى حوار وطني مفتوح وغير مشروط يرتكز على اتفاق الطائف ويرفض مبدأ الغاء الآخر ومنطق العزل الذي جرّ البلاد في الماضي القريب الى الفتنة والحروب». كما عبروا عن «رفضهم المطلق للطروحات المتطرفة التي يُعبر عنها البعض والمنادية لاسقاط المؤسسات والسلطات الدستورية». واكدوا حرصهم على «حماية مشروع الدولة وحرماتها الدستورية». وفي هذا الاطار اشاد المجتمعون «باهمية المواقف والدعوات التي عبرت عنها المرجعيات الدينية، والتي شددت على دعوة اللبنانيين الى نبذ التطرف والابتعاد عن المطالب المستحيلة، ورفض شعارات اسقاط الدولة والتركيز على وحدة اللبنانيين واهمية الحوار الداخلي».

واكد المجتمعون «ان المقاومة دورها وسلاحها هي خيار طبيعي لمواجهة اطماع اسرائيل في ارضنا ومياهنا وللتصدي لعدوانها على سيادتنا. وان المقاومة تشكل في حضورها واستمرارها ضمانة وضرورة لبنانية حتى تحقيق السلام العادل والشامل». كما اكدوا «ان التطوير السياسي في البلاد لا يمكن ان يتم الا عبر الوسائل الديمقراطية المعتمدة في بلدان العالم المتطور اي الانتخابات النيابية»، وطالبوا «بانجاز قانون الانتخابات بأقصى سرعة واجراء الانتخابات في مواعيدها من دون اي تأخير».

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر مطلع على محضر اللقاء في عين التينة، ان ابرز المداخلات فيه كانت لرئيس مجلس الوزراء عمر كرامي ولامين عام «حزب الله» الشيخ حسن نصر الله.

وقد استهل كرامي كلامه بالقول: «ان جريمة الحريري زلزال سيكون له ارتدادات لوقت طويل، لان حجمه وأثره واضح وجلي في لبنان والعالم العربي والعالم ككل. وربما من اجل هذا كان استهدافه». ولفت الى انه في اللقاء الماضي شارك بصفته الشخصية، اما اليوم فيشارك بصفته رئيس حكومة.

وتطرق الى ما يثار حول الطائفة السنية بعد رحيل الحريري، فقال: «بالنسبة الى السنة او للطائفة السنية سمعنا كلاماً كثيراً لان الطائفة ثائرة ومتأثرة. اريد ان اؤكد ان كل هذه المعاني صحيحة ولكن ليست هذه حال السنة فقط بل حال الطوائف كلها». وتحدث رئيس الحكومة عن التحقيقات في جريمة اغتيال الحريري، فأشار الى «ان التحقيق سري. وعندما ترد معلومات، اي معلومات، الى هيئة التحقيق فمن الواجب متابعتها، صحيحة كانت ام غير صحيحة. والقضاء يعمل على الشبهات». وتابع: «لقد تم تسريب بعض المعلومات عن التحقيق وهذا خطأ (في اشارة الى «مجموعة استراليا»). نحن لنا مصلحة في تحقيق جدي وسريع والاستعانة بالخبرات الخارجية. وقد صدر عن مجلس الأمن قرار بإرسال محققين للمشاركة في التحقيقات واطلاعه عليها. وصدر عن امين عام الامم المتحدة قرار بتأليف لجنة يرأسها ضابط ايرلندي. وتلقت وزارة الخارجية الطلب ولكن ثمة شيئاً ملتبساً فيه. فهذه اللجنة ستطلع على النتائج والاسباب، فهل يحق لها ان تستدعي من تشاء، وكأنها لجنة تحقيق دولية؟ هذا الامر رفضناه. نحن نساعد اي لجنة تحقيق ضمن شرطين; سيادتنا واستقلالية القضاء، وعلى اساسه نتعاطى مع كل لجنة دولية. ولن نفرط في السيادة والاستقلال لمؤسساتنا. كما اننا في الوقت نفسه جاهزون للتعاون».

وقال كرامي: «لقد تهجم الكثيرون من المعارضة والموالاة على الحكومة تحت عنوان: الحكومة تتخبط وترتبك. والمطلوب برأيهم ان تستقيل السلطة. اود ان اوضح انه عندما وقعت الجريمة التأم مجلس الدفاع الاعلى واتخذ قرارات، ثم اجتمع مجلس الوزراء ووافق عليها. لم نعلن حالة طوارئ حتى لا نخض البلد. استدعينا القادة الأمنيين وكانت التعليمات بان تصرفوا وكأن هناك حالة طوارئ، لان الأمن خط احمر، وممنوع الاعتداء على المؤسسات الرسمية والخاصة. عدا ذلك استخدموا الاسلوب المرن والاستيعابي مهما كانت التصرفات والشعارات». وتطرق كرامي الى موضوع تشييع الرئيس الراحل رفيق الحريري، فذكر بأن الحكومة اتخذت قراراً باقامة مأتم وطني وتشكلت لجنة وزارية لهذه الغاية «لكن العائلة رفضت مشاركتنا في العزاء والتشييع. واحتراماً منا لحرمة الموت ولمقام الرئيس الشهيد اتخذنا قراراً بتجنب المواجهات الكلامية».

وفيما لفت الى التجييش الاعلامي الداخلي والخارجي ضد الدولة ومؤسساتها، قال: «وردتنا ملاحظات عن تصريحين للوزيرين عبد الرحيم مراد وايلي الفرزلي حول زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك. وهنا اقول ان الرئيس شيراك جاء الى لبنان لمدة اربع ساعات امضى نصفها في اجتماع مع المعارضة، وما يحصل على الارض لا يمكن عدم ربطه بتلك اللقاءات التي جرت». واكد الرئيس كرامي: «ان لقاء عين التينة اليوم (امس) لقاء وطني يعبّر عن الاكثرية. واريد ان اؤكد اننا لن نتمسك بالسلطة، فانا جاهز للاستقالة في هذا اللقاء اذا كانت الاستقالة تخدم وحدة لبنان وتمنع التشرذم وتؤدي الى الانقاذ. اما ان يدعوننا الى الاستقالة من دون ان نعرف ما وراء الاستقالة، فمسألة لا بد من التوقف عندها. واذا لم يكن هناك حوار واتفاق على ما بعد الاستقالة فاننا سنسير الى المجهول بالطبع. نحن متمسكون بالحكم من اجل الانقاذ. وانا اقول باسمي الشخصي ان قانون الانتخاب في المجلس اليوم، والذين قالوا بالانتخابات يترددون الآن. انا اصر على اجراء الانتخابات في موعدها».

من جهته اكد امين عام «حزب الله» في مداخلته ان «مسألة الحوار مسألة جدية نطرحها ليس من موقع رمي الحجة على الآخرين بل لقناعاتنا بان البعض يريد جر البلاد الى الهاوية، ولاننا حريصون على البلد واهله». واشاد بما صدر عن البطريرك الماروني نصر الله صفير في عظته امس قائلاً: «ان هذه اللغة تشجعنا على متابعة الحوار الذي طرحناه، لكن ليس من موقع الضعف». واضاف: «انا قلت اول من امس (في ذكرى عاشوراء) كل ناس عندها شارع فاذا وضعنا شارعاً امام شارع فأين يصبح البلد؟ واقترح تسمية لجنة اتصال مع كل المرجعيات والمعارضات. هم يتحدثون عن حوار بشروط. نحن سنظل نطاردهم بالحوار وان قالوا لا».

وتحدث نصر الله عن الشائعات والتصريحات التي حمّلت السلطة وسورية مسؤولية اغتيال الحريري، ولفت الى «المساهمة الاعلامية في ذلك لتضليل الناس الذين كانوا في حال من الدهشة فأخذوا بها». وتابع قائلاً: «نحن نفهم ان يقال ان السلطة في لبنان تتحمل المسؤولية، وكذلك سورية لانها شريكة بالأمن. لكن ان يجتمعوا على ان السلطة وسورية مسؤولتان عن الجريمة فهذا امر مرفوض قبل ان تنجلي وتتبين الحقيقة. واستغرب ان احداً لم يتحدث عن فرضية مسؤولية اسرائيل وراء هذه الجريمة. ولماذا لم يتساءل احد عن هذه الفرضية. وهذه اهانة للرئيس الحريري ان يقال ان اسرائيل لا تقتل الحريري. وطالما ان الفرضيات موزعة فلماذا لا تكون فرضية اسرائيل واحدة منها؟». وبعد ان تلا بري مقررات اللقاء اجاب عن اسئلة الصحافيين ومنها رأيه في ما قالته المعارضة عن الدعوة الى جلسة عامة لمناقشة مسلسل الاغتيالات في لبنان حيث قال: «لقد طُلب مني موعد. وهذا صحيح وتم تحديده غداً (اليوم) الساعة الثانية عشرة. ولم افهم سبب طلب الموعد، فإذا كان لاقامة تأبين ووقوف المجلس النيابي عند هذه الذكرى المؤلمة، فهذا الامر رئاسة المجلس النيابي والمجتمعون هنا مصرون على قيام جلسة بهذا الصدد، وسريعة لاجل هذه الغاية، خصوصاً ان الذي حصل لم يكن امراً مألوفاً، بل هو زلزال حصل لاكثر من زميل. اما اذا كان المقصود جلسة نيابية لمناقشة وطرح ثقة فانا لست ضد ذلك. وهذه هي اللعبة الديمقراطية. ولكن هذا الامر له اصول وتبليغات للنواب. ولا اعتقد انه يوجد تباين حول هذا الموضوع». وعن التعاون مع لجنة التحقيق التي قرر الامين العام للامم المتحدة كوفي انان ارسالها الى لبنان، افاد بري: «ان رسالة انان وصلت الى الرئيس اميل لحود. وهو اجاب عليها من منطلق التعاون. وهناك بعض الاستيضاحات. ولكن من حيث المبدأ الدولة اللبنانية ستتعاون لانه من مصلحتها وضمن سيادتها تبيان الحقيقة. والاولوية الاولى والثانية والعاشرة هي الآن في كشف هذه الحقيقة، حقيقة الاغتيال، لان ذلك يريح النفوس ويزيل التهم التي تلقى جزافاً وتضلل التحقيق».

وايد بري الحوار «أكان في المجلس النيابي او عند رئيس الجمهورية وحتى في الشارع، ولكن على شكل مؤتمر. وسقف الحوار هو اتفاق الطائف الذي ارتضاه جميع اللبنانيين من دون استثناء. وهذا ليس شرطاً. وانا مستعد لان يكون سقف التوافق والحوار هو ما ورد على لسان البطريرك الماروني نصر الله صفير. وانا مستعد لان ادفع بالوفاق تحت هذا السقف».

وعن امكانية التطرق الى الوجود السوري خلال هذا الحوار، قال بري: «ان كل شيء مفتوح للحوار ولا محرمات الا خارج الحوار».