زعيم أصولي مغربي طلب من أحد مساعديه تشكيل خلية الاغتيال ووافق على قرار تصفية القيادي الاتحادي

«الشرق الأوسط» تنشر وثيقة نادرة حول ملابسات اغتيال السياسي المغربي عمر بن جلون

TT

حصلت «الشرق الأوسط» على وثيقة نادرة ظلت طي الكتمان تكشف تفاصيل مثيرة حول عملية اغتيال عمر بن جلون، السياسي المغربي المعارض، التي وقعت في ديسمبر (كانون الأول) 1975، حيث اعترف المتورطون في اغتياله لأول مرة، واقروا أنهم تلقوا تعليمات من عبد الكريم مطيع، زعيم منظمة الشبيبة الإسلامية المحظورة تقضي بتصفية بن جلون باعتباره من أكبر المناوئين للأصوليين في المغرب. وقال الجناة في رسالة، حصلت عليها «الشرق الأوسط»، وكانوا قد بعثوا بها الى اسرة بن جلون قبل 17 سنة، ولم يكشف النقاب عنها من قبل، بأنهم نادمون على ما قاموا به، وان مطيع طلب منهم عدم الاشارة خلال التحقيقات، إليه او الى الشبيبة الإسلامية، باعتبارها الجهة التي خططت ونفذت عملية الاغتيال.

وكان بن جلون آنذاك احد ابرز قادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض (مشارك في الحكومة الآن) وتم اغتياله امام منزله في الدار البيضاء بعد ان سددت له طعنات بسكين في صدره أردته قتيلا مضرجا بدمائه. والوثيقة هي عبارة عن رسالة وجهها سبعة معتقلين كان حكم عليهم بالاعدام والسجن المؤبد بعد ادانتهم باغتيال بن جلون الى اسرته في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 1988. وكان بن جلون اغتيل امام منزله في الدار البيضاء بعد ان سددت له طعنات بسكين في صدره اردته قتيلا مضرجا بدمائه.

يشار الى ان عفوا صدر العام الماضي في حق مصطفى خزار واحمد سعد اللذين ادينا بتنفيذ جريمة الاغتيال، بيد انهما قالا بعد الافراج عنهما انهما ذهبا الى عمر بن جلون من اجل نصحه وان النصيحة تحولت الى شجار ادى الى اغتياله كما نفيا علاقتهما بأي تنظيم اصولي، وقالا في حوارات صحافية في بعض الصحف المغربية ان لا علاقة لأية جهة بجريمة القتل. واصبحا يطالبان الآن بتعويضات عن فترة السجن من «هيئة الانصاف والمصالحة» وهي هيئة شبه حكومية تأسست لمعالجة ملفات الاعتقال والاختفاء السياسي.

لكن الرسالة الوثيقة، التي وقع عليها سبعة اشخاص من بينهم احمد سعد، احد المتورطين مباشرة في جريمة القتل، وأرسلت الى اسرة عمر بن جلون، كمحاولة للتكفير عن ارتكاب الجريمة، تشتمل على وقائع مغايرة لا علاقة لها بالمزاعم الحالية التي اصبح المتورطون يرددونها.

اذ تشير الرسالة الى ان القاتلين كلفا صراحة مهمة قتل عمر بن جلون من طرف عبد الكريم مطيع، رئيس جميعة الشبيبة الاسلامية (يعيش حاليا في ليبيا)، وفي الوقت نفسه الاعتداء على استاذ يساري يدعى عبد الرحيم الميتاوي في الدار البيضاء شرط ان لا يصل الاعتداء حد قتله كما هو الشأن بالنسبة لعمر بن جلون. وكان مبرر الاغتيال طبقا لاعترافات مرتكبي الجريمة في رسالتهم لأسرة بن جلون هو ان عمر بن جلون سيضيق الخناق على التيار الإسلامي اذا فاز في الانتخابات (جرت بين عام 1976و1977(.

وتقول الرسالة ان مطيع طلب من احد مساعديه وهو عبد العزيز النعماني تشكيل جماعة من خلايا الشبيبة الاسلامية وكان ذلك بحضور نائبه كمال ابراهيم، وعقد الاجتماع للتحضير لقتل بن جلون في منزل مصطفى خزار (تورط مباشرة في الجريمة) في الدار البيضاء، كما عقد اجتماع آخر في منزل جابر حسن. وقال لهم مطيع في الاجتماع المشار اليه ان خصومهم هم اليساريون.

وبعد تلك الاجتماعات تقرر تصفية عمر بن جلون. وطلب مطيع من المنفذين بعد ان تمت عملية التنفيذ انكار أية علاقة لمطيع او كمال ابراهيم او الشبيبة الاسلامية بالأمر اثناء التحقيقات. وكان مطيع قد فر خارج البلاد بعد اعتقال الجناة، وتردد وقتها ان بعض الجهات سهلت خروجه.

ويقول المتورطون في رسالتهم ان العدالة لم تحدد قط المجرم الحقيقي، في اشارة الى مطيع ومن يقف خلفه، كما تقول بالحرف «لم تحدد المسؤوليات في قضية تعتبر مأساة في النضال المغربي ذهب ضحيتها مناضل كبير له وزن وتأثير في الساحة السياسية» في اشارة الى عمر بن جلون.

وتضيف رسالة الاعتراف «بعد ان تخلصنا من الحماسة الدينية المتهورة ومن الرؤية الضبابية ومن التعلق بالأشخاص تبين لنا أننا كنا مخدوعين وصار من الضروري مراجعة النفس والتوقف عن مسيرة الضلال». وتعلن الرسالة انفصال حركة الشبيبة الاسلامية وإدانة كل «اعتداء ضد الأبرياء».

ووقع على الرسالة سبعة من المعتقلين آنذاك وهم احمد سعد (شارك مباشرة في عملية الاغتيال) ومحمد مستقيم، وعمر حليم، وحسن جابر، وعمر أوركلة، وحسن كندي، وأحمد شعيب.

وظلت اسرة بن جلون محتفظة بهذه الرسالة ولم تطلع عليها أي احد، الى ان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها بعد ان شرع المتورطون يختلقون روايات جديدة مغايرة لما كتبوه بأنفسهم في رسالة الاعتراف.

وتعقيبا على تراجع المتورطين عما اقروا به عام 1988 وتقديمهما رواية أخرى ينفيان فيها التربص ببن جلون وقتله، كما ينفيان اية علاقة بحركة الشبيبة الاسلامية، قال احمد بن جلون شقيق عمر بن جلون، والأمين العام لحزب الطليعة الاشتراكي «منذ البداية وحتى الآن لم أرغب في سجال او نقاش مع هؤلاء القتلة الذين كانوا مجرد ادوات مسخرة لتنفيذ الجريمة». وزاد قائلا «شيء مخجل ان بعض الصحف اعتبرتهم سجناء رأي.. ومن المخجل كذلك ان يطالب قتلة بتعويضات من هيئة الإنصاف والمصالحة على جريمة قتل اقترفوها».