بيرنابي غارثيا: لجنة ابن رشد المغربية الإسبانية فشلت لأنها تابعة لوزارتي الخارجية

خبير إسباني في الشؤون المغاربية: حكومة مدريد السابقة فضلت اللاتينيين على المغاربة

TT

قال بيرنابي لوبيث غارثيا خبير شؤون المغرب العربي وتاريخ الاسلام المعاصر بالجامعة المستقلة لمدريد في حوار مع «الشرق الأوسط»، ان السياسة التي اتبعتها الحكومة الاسبانية السابقة اتجهت الى تشجيع الهجرة الاميركولاتينية نتيجة التقارب الثقافي واللغوي بين هذه البلدان واسبانيا، واستغلت الاحكام المسبقة التي يحملها الاسبان عن المسلمين وخاصة المغاربة وتوظيفها لاغراض سياسية. واضاف غارثيا بمناسبة تقديمه موسوعة «اطلس الهجرة المغربية في اسبانيا» الذي انجزه فريق من الباحثين المغاربة والاسبان، ان تفجيرات 11 مارس (اذار) بمدريد كان لها تأثير سلبي على ظروف عيش الجالية المغربية بهذا البلد الاوروبي، لكنه اكد بالمقابل محدوديته حيث لم يسجل اي رد فعل ضد هذه الجالية.

واوضح الخبير الاسباني، ان لجنة ابن رشد التي انشأها المغرب واسبانيا من اجل التعاون الثقافي بينهما منذ سنوات فشلت في القيام بدورها بسبب انها كانت مؤطرة من طرف وزارتي خارجية البلدين حيث ظهر خلال الازمة التي عاشها منذ سنتين بسبب جزيرة نورة ان اللجنة ظلت بكماء أمام هذه الاحداث، فالمثقفون سواء الاسبان او المغاربة اتخذوا موقفا سلبيا لانهم لم يتمتعوا بالاستقلالية الكافية ليتمكنوا من انتقاد السياسة التي كانت متبعة في وقت من الاوقات. وفي ما يلي نص الحديث:

* ما هي أهم التحولات التي عرفتها ظاهرة الهجرة المغربية في اسبانيا انطلاقا من النتائج التي توصلتم اليها في موسوعة «اطلس الهجرة المغربية» التي اشرفتم على انجازها؟

ـ أظن ان اول شيء يجب ان نلفت الانتباه إليه انه رغم الادراك الذي لدينا في اسبانيا حول الهجرة المغربية في اسبانيا باعتبارها الاكثر اهمية وحضورا، الا ان معدل تطورها لم يعد الاقوى بسبب مجموعة من الاسباب اهمها سياسية اتجهت الى تشجيع الهجرة الاميركولاتينية نتيجة التقارب الثقافي واللغوي بين هذه البلدان واسبانيا، اضافة الى الاحكام المسبقة التي كانت تتعامل وفقها الحكومة اليمينية السابقة ورغبتها في انتقاء المهاجرين، لكن هذا لم يمنع الجالية المغربية من الانتقال من 70 الف مهاجر سنة 1991 الى 400 الف سنة 2005. وتحتل حاليا المرتبة الثانية بعد الجالية الاكوادورية التي لم تكن تمثل شيئا في بداية التسعينات، من القرن الماضي، وانتقلت في ظرف خمس سنوات من الصفر الى حوالي نصف مليون مهاجر اكوادوري نتيجة السياسة التي اتبعتها حكومة الحزب الشعبي طيلة الثماني سنوات التي تحملت فيها مسؤولية تدبير الشأن العام باسبانيا، ولقد اشرت في مقال في صحيفة «إيل باييس» قبل ايام الى وجود ارادة سياسية في السابق لتوظيف مجموعة من الاحكام المسبقة الموجودة في المجتمع الاسباني.

* تقصد ترسيخ صورة «الموروس» في الذهبية الجمعية الاسبانية؟

ـ نعم، صورة الموروس، استغلت من طرف حكومة الحزب الشعبي التي فضلت ان تستقطب مهاجرين ناطقين بالاسبانية ومعتنقين للديانة المسيحية.

* تعتقل السلطات الاسبانية بشكل يومي مهاجرين مغاربة للاشتباه في تورطهم في اعمال ارهابية بعد وقوع احداث 11 مارس بمدريد، ما هو تأثير بروز ظاهرة التطرف الديني في اوساط الجالية المغربية بإسبانيا على حياتها داخل هذا البلد الاوروبي الذي له خصوصية معينة؟ ـ مع الاسف، فالأحداث التي عرفتها بلادنا لها تأثير سلبي على وجود الجالية المغربية، لكن اعتقد أنه يبقى محدودا، لانه لم يسجل اي رد فعل ضد هذه الجالية، لان ضحايا اعتداءات مدريد كانوا من الاسبان ومهاجري اوروبا الشرقية والمغاربة وجميعهم ابرياء. فالمسؤولية الاسبانية في حرب العراق، التي كانت غير عادلة، لا تبرر التفجيرات التي هزت مدريد، إذ انه رغم عزم حكومة الحزب الشعبي السابقة المشاركة في الحرب على العراق الا ان الشعب الاسباني عبر عن رفضه لهذه الحرب، وبعد وقوع التفجيرات تعامل الاسبان بايجابية مع الاحداث، لكن رغم ذلك يبقى بعض الخوف والحذر كامنا في نفوسهم خاصة ان الصحف تخلق نوعا من الارهاب الثقافي، فمن بين الامور التي تروج لها الصحافة الاسبانية هو الخلط بين معنى المسجد والخطر وتركيز الاحكام المسبقة، واعتقد ان جميع وسائل الاعلام تتحمل مسؤوليتها في هذا الاطار.

* لكن، أليس صحيحا ان حكومة الحزب الشعبي السابقة ايضا تتحمل مسؤولية في هذا الوضع، إذ عوض أن تضع سياسة فعالة لادماج المهاجرين حاولت اللعب على الاحكام المسبقة الموجودة اصلا في ذهنية الاسبان لاغراض انتخابية، وهو ما قادنا، ربما الى تورط مهاجرين مغاربة في تفجيرات مدريد؟

ـ نعم الحكومة السابقة تتحمل مسؤوليتها، فنحن لم نستوعب حقيقة ان مساعدة المهاجرين على الاندماج في المجتمع سيمكننا من تطوير اقتصادنا ودفع الاقتصاد المغربي ايضا للتطور بفضل عائدات المهاجرين، وإذا اخذنا النموذج الاسباني فإننا نجد ان النمو الاقتصادي في اسبانيا عرف تطورا كبيرا بفضل ثلاثة عوامل هي عائدات المهاجرين الاسبان في الخارج، والسياحة والاستثمارات الاجنبية، وأظن ان هناك طريقة وحيدة للتطور لبعض البلدان النامية وهي عائدات مهاجريها بالخارج، فمساعدات المهاجرين تعني تقديم العون للمغرب لانجاح مشروعه التنموي، وأظن ان الحكومة السابقة لم تستوعب هذه الحقيقة، كما انها لم تهتم بفهم الدين الاسلامي في اسبانيا وهمشت دور المديرية العامة للشؤون الدينية وبذلك لم تفتح نقاشا حول هوية الاقليات، وهذا ما اعتبره خطأ ساهم في تضخم المشاكل التي نعيشها اليوم.

* هناك الان حكومة اشتراكية في اسبانيا اصدرت قانونا جديدا من اجل تسوية وضعية المهاجرين، كيف ترون هذه المقاربة الجديدة في التعامل مع ملف الهجرة الذي صار له ارتباط وثيق بملف الارهاب؟

ـ أظن انه اذا اردنا هجرة مستقرة بإسبانيا، فيجب توفير جميع شروط الاندماج للمهاجرين حيث أن تسوية وضعية المهاجرين السريين تعتبر اول خطوة في هذا المسار الذي تفرضه دوافع اقتصادية بطبيعة الحال، مما سيخرجنا من وضع عدم المساواة، واود ان اشير الى انه رغم كل شيء فإن الجالية المغربية تبقى اقل غبنا في اسبانيا، وبالتالي، فإن هذا المسلسل سيمكن من تسوية وضعية جزء من المهاجرين المغاربة التي لا تمثل رقما كبيرا رغم ما تروج له بعض الصحف من ارقام غير صحيحة.

* اشتغلتم منذ سنوات في جامعة مدريد المستقلة على موضوعات اجتماعية وسياسية مرتبطة بمنطقة المغرب العربي، انطلاقا من تجربتكم لماذا تغيب استراتيجية للتعاون الثقافي التي يمكن ان تمكن المغرب واسبانيا من توطيد علاقاتهما وطي صفحة الماضي نهائيا؟ ـ خلق البلدان لجنة ابن رشد من اجل التعاون الثقافي بينهما منذ سنوات، لكنها فشلت في القيام بدورها بسبب انها كانت مؤطرة من طرف وزارتي خارجية البلدين، وهو ما ضيق على حرية التعبير لدى المثقفين في البلدين الذين لم تكن لهم قدرة التدخل في بعض اللحظات الحرجة في العلاقات بين البلدين، وهذا ظهر خلال الازمة التي عاشها البلدان منذ سنتين بسبب جزيرة ليلى / تورة حيث بقيت لجنة ابن رشد بكماء امام هذه الاحداث، فلم تكن هناك اية امكانية للاجتماع بين مثقفي البلدين والخروج بتوصيات حكيمة تدعو البلدين الى العودة الى جادة الصواب.

* هل هذا يعني ان مثقفي البلدين لا يلعبون الدور الذي يجب ان يقوموا به؟

ـ لا أريد ان اقول إنهم لا يلعبون دورهم، لكنهم لم يتمتعوا بالاستقلالية الكافية ليتمكنوا من انتقاد السياسة التي كانت متبعة في وقت من الاوقات.