طلال ناصر أمضى 24 سنة برفقة الحريري وقضى معه وجرى التعرف على جثته المشوهة من مسدس كان يحمله

TT

24 سنة امضاها طلال ناصر برفقة الرئيس رفيق الحريري. في السابعة عشرة من عمره كان الشاب طلال ناصر احد الحراس على ورشة اعادة اعمار جزء من وسط بيروت التجاري وذلك من خلال مساعدات قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بعد الاجتياح الاسرائيلي لبيروت في محاولة لإعادة اعمار ما تهدم منها.

وفي احد الايام قرر الرئيس رفيق الحريري زيارة وسط بيروت لالقاء نظرة على ورشة اعادة الاعمار فمنعه الحارس طلال ناصر من تخطي حاجز معين كانت وظيفته ان يحرسه. فقال له: «انا رفيق الحريري ومتابع لعملية البناء هذه». فأجابه: «حتى لو كنت رفيق الحريري فأنا مؤتمن على هذا المكان. وعلي ان احافظ عليه. وطلبوا مني أن أمنع اياً كان من دخوله».

حينها أعجب الحريري بصدق هذا الشاب وإدراكه لمعنى الأمانة فطلب منه الالتحاق بفريقه. ومن ذلك اليوم، والحريري كان لا يزال في السعودية، شغل طلال ناصر وظائف عدة في «اوجيه لبنان». وقبيل تولي الحريري رئاسة الوزراء في لبنان خريف سنة 1992 ارسل ناصر الى دورات تدريبية على الحراسة والأمن في الولايات المتحدة الاميركية وإسبانيا وفرنسا وايطاليا، ليكون في عداد مرافقيه الشخصيين. هذا ما روته شقيقة الفقيد منى ناصر كريدلي لـ«الشرق الأوسط» في منزل ذويها في منطقة الطريق الجديدة حيث يتقبل آل ناصر التعازي بمقتل ولدهم طلال.

يصعب ايجاد صورة او لقطة للرئيس الحريري من دون ان تلمح وراءه يحيى العرب المعروف بـ«ابو طارق» والشاب الاسمر طلال ناصر الذي يضع دائماً النظارات الشمسية بسبب اصابته خلال ايام الحرب بشظايا قذيفة في عينيه.

المرافق محمد دياب الذي صودف انه لم يكن في عداد موكب الرئيس الحريري لحظة اغتياله والذي يبدو الانهيار بشكل واضح على تقاسيم وجهه كان طوال الوقت في القاعة حيث يتم تقبل العزاء بالرئيس الشهيد. وتقول شقيقة طلال ناصر عن محمد دياب: «كان الله بعونه حالته صعبة جداً فقد ثلاثة من أقرب الاشخاص اليه». وتتابع «الرئيس الحريري كان يحبهم مثل اولاده».

وعن علاقة شقيقها بالرئيس الحريري تقول: «كان مستعداً لأن يحميه بدمه. وكلما سألناه اذا ما كانت مهنته تخيفه، كان يجيبنا: «نحن مؤمنون لماذا نخاف؟ المجرم والقاتل هو من يخاف. ثم ان الرئيس الحريري خطه واضح ويداه لم تتلوثا يوماً بالدماء، فلماذا سيتعرضون له؟ وكان يؤكد لنا انهم محتاطون جداً اذ يملكون اجهزة لتعطيل المتفجرات».

لطلال ناصر اربعة اشقاء وثلاث شقيقات، وترتيبه الثالث بين الشبان. عمره 44 سنة ومتزوج وله طفلتان سارة (7 سنوات) ولين (5 سنوات). والده توفي منذ سنوات. في دارة الوالد صورة كبيرة للرئيس الحريري في غرفة الجلوس. نساء العائلة وزوجته الشابة جلسن يتقبلن التعازي ويخرق الصمت احاديث خافتة لنسوة يتساءلن عن مدى الاجرام الذي وصل اليه من نفذوا هذه العملية. ويبتهلن الى الله ان يلهم والدته وزوجته الصبر والسلوان. مدخل العمارة حيث تقع شقة آل ناصر حائر ما بين زينة الحج لوالدة طلال التي أدت المناسك هذا العام وأوراق نعي الفقيد وصوره. وعن آخر ايام طلال تروي شقيقته: «لم يكن مرتاحاً للأوضاع السياسية السائدة. وكان يردد: الآتي اعظم».

وعن دفن رفاق الرئيس الحريري الى جانبه في باحة مسجد محمد الامين، علقت شقيقته: «هذه لفتة رائعة من آل الحريري ولن ننساها لهم. كنا نرتب لدفن اخي في جبانة الباشورة الى جانب والدي. لكن آل الحريري اقترحوا علينا ان يدفن الى جانب الرئيس. عزاؤنا الوحيد انهما عاشا معاً وماتا معاً ودفنا معاً. كما ان اشقائي ورجال العائلة يتقبلون التعازي في قصر قريطم. وآل الحريري قاموا على مدى ثلاثة ايام بتقديم الطعام خلال تقبلنا العزاء هنا في منزل اهلي. كما انه نظراً لضيق الوقت لم يكن من الممكن ان نأتي بجثمان اخي الى البيت فذهبنا الى قصر قريطم لإلقاء النظرة الاخيرة على الجثمان. كل هذه لفتات رائعة من آل الحريري لن ننساها». وعن تفاصيل الحادث تقول: «لا ندري بعد اذا كان طلال جالساً معه (الحريري) في السيارة او في سيارة اخرى. جثة اخي شوهت وعرف من المسدس الذي كان يضعه على وسطه».

وعن تفاصيل تلقيها الخبر، توضح: «انا معلمة في مدرسة البيادر في منطقة عرمون (احدى ضواحي بيروت) وكنت في المدرسة عند وقوع الانفجار فأخبرني زملائي بأن متفجرة استهدفت موكب الرئيس الحريري. فقلقت على اخي وفي البداية وصلتنا الاخبار بأن طلال اصيب لكنه بخير. طوال ثلاث ساعات كانوا يرددون انه يتم اسعافه. وخلال هذه الساعات الثلاث كان يتوافد زملاؤه الينا من قصر قريطم. وعندما لمسوا اننا لم نعلم بعد بخبر وفاته لم يخبرونا لكنهم كانوا يكتفون بالقول انهم اتوا للاطمئنان علينا. في تمام الساعة الخامسة (اي بعد حوالي اربع ساعات من وقوع الحادثة) علمنا بوفاته».

وبعيداً عن منزل آل ناصر «غصت» هواتف اللبنانيين النقالة برسالة تقول: «آت بالورد والشموع ولاقينا في تمام الساعة السابعة مقابل فندق فينيسيا لنجتمع من اجل ادانة هذا الحدث. وتجمعنا ستنقله المؤسسات الاعلامية العالمية. والرجاء اعادة ارسال هذه الرسالة».

وفي تمام السابعة تجمع حوالي خمسة آلاف شخص من مختلف الاعمار اضاءوا الشموع وبكوا وطالبوا الحكومة بالرحيل ونددوا بالوجود السوري وكتبوا اسم الرئيس الشهيد بالشموع. وبعدها ولغاية ما بعد منتصف الليل تقاطرت الوفود الى ضريح الرئيس الحريري الذي طفت الورود عليه. واليوم تناقلت الهواتف الجوالة رسالة تقول: «اللقاء في تمام الساعة الثامنة من هذا المساء عند ساحة مقهى النجمة. المكان الاخير الذي زاره وساحة الديمقراطية، صلوات وشموع من اجل رفيق الحريري... حلم قيامة لبنان».