دمشق تستغرب التصعيد الإعلامي والسياسي ضدها في لبنان وتربط تسريع الانسحاب بقدرة الجيش اللبناني على ملء الفراغ

حذرت من «تطورات سلبية» في حال استمرار «الاستفزاز والتحريض»

TT

بينما كان نائب وزير الخارجية السوري وليد المعلم يتلو بياناً رسمياً حول الموقف السوري من الشأن اللبناني كانت تجري في لبنان سادس عملية انتشار للقوات السورية فيه. وقد رأى البيان السوري أن ما قامت به سورية من انسحابات وما ستقوم به لاحقاً إنما يتم بالاتفاق مع لبنان على أساس اتفاق الطائف، وحذرت دمشق من أن الاستمرار في ممارسة الاستفزاز والتحريض ضد سورية ولبنان من شأنه حدوث تطورات سلبية تلحق الضرر بمصالح جميع الأطراف المعنية وخاصة بالطرف اللبناني الذي يدفع في الأزمات أثماناً باهظة من أمن وحياة مواطنيه.

أدلى المعلم امس ببيان جاء فيه أنه «بعد الزيارة الناجحة التي قام بها المبعوث الدولي تيري رود لارسن مطلع الشهر الجاري لكل من الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية، تعبر سورية حكومة وشعباً عن استغرابها الشديد للتصعيد الإعلامي والسياسي الذي استبق استكمال مهمة المبعوث الدولي الخاصة بمتابعة تطبيق القرار 1559.

ومن هذا المنطلق تعبر سورية عن حرصها الشديد على التعاون مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لإنجاز مهمته بأفضل صيغة ممكنة، وتؤكد مجدداً التزامها بتنفيذ اتفاق الطائف والاتفاقات الثنائية المعقودة بين سورية ولبنان، وعلى هذا الأساس فإن ما قامت به من انسحابات هامة حتى الآن وما ستقوم به لاحقاً سوف يتم بالاتفاق مع لبنان على أساس اتفاق الطائف والآليات التي يتضمنها، وترى سورية أن تسريع وتيرة الانسحابات يستدعي تمكين قوات الجيش اللبناني والأمن الداخلي من سد الفراغ الذي يمكن أن يحصل بطريقة لا تخل بأمن لبنان وسورية.

وتؤكد سورية أيضاً اهتمامها التام بإنجاز التحقيق في جريمة اغتيال المغفور له الرئيس رفيق الحريري ومرافقيه بأسرع وقت ممكن لإظهار الحقيقة بعيداً عن الاتهامات الانفعالية والتصريحات غير المسؤولة، وفي هذا الصدد تعرب سورية عن استعدادها لتقديم أية مساعدة يطلبها لبنان في التحقيقات التي يجريها إضافة إلى ما يطلبه لبنان أيضاً من مساعدات دولية وعربية أخرى، والتي من شأنها إماطة اللثام عن هذه الجريمة النكراء.

إننا نلفت انتباه الرأي العام المحلي والدولي إلى أن استمرار تعامل البعض داخل لبنان وخارجه باستفزاز وتحريض ضد سورية ولبنان من شأنه أن يؤدي إلى حصول تطورات سلبية تلحق الضرر بمصالح جميع الأطراف المعنية، وخصوصاًُ بالطرف اللبناني الذي كان دائماً يدفع عند كل أزمة ثمناً باهظاً من أمنه وحياة مواطنيه وازدهارهم على كل المستويات».

في غضون ذلك رأت أوساط سياسية في سورية أن البيان السوري والشروع في تنفيذ عملية انتشار جديدة للقوات السورية في لبنان يشكل معلماً بارزاً يدل على جدية الموقف السوري ويندرج ضمن رؤية سياسية استراتيجية سورية ورؤية سورية واضحة لسياسات الأطراف الأخرى، وأن سورية تعتبر اغتيال رفيق الحريري مقدمة لمشروع مؤامرة تستهدف لبنان وسورية والمنطقة مما يعطي أهمية فائقة للتحرك السوري الحالي الذي من شأنه نزع الفتيل الذي يود الآخرون إشعاله في مجمل المنطقة، معربة عن شعورها بأن البيان السوري يشكل خطوة أولى من مجموعة إجراءات وتحركات ستقوم بها سورية في وقت قريب لاحق».

واستنتجت الأوساط أن دمشق تعتبر إجراء انسحابات لاحقة من لبنان أمراً جوهرياً في سياستها تجاهه، مؤكدةً التزامها باتفاقية الطائف، والاتفاقات السورية اللبنانية وخاصة معاهدة الإخوة والتعاون والتنسيق المشرعنة دستورياً في البلدين.

ووصفت الأوساط ما جاء في البيان السوري بأنه يعكس احترام دمشق للقرارات الدولية ومنها القرار 1559 وملاحظتها وجود تزاوج بين هذا القرار واتفاقية الطائف لجهة الدعوة للانسحاب السوري من لبنان، وملاحظتها أيضاً وجود آلية محددة للانسحاب في اتفاق الطائف، في حين لم يتضمن 1559 هذه الآلية، حيث تحرص دمشق على عدم حدوث فراغ جراء الانسحاب، وعلى ضرورة تأمين مستلزمات هذا الفراغ لبنانياً.

ولاحظت الأوساط إشارة دمشق إلى أن تحقيق انسحابات سريعة من لبنان أمر مرهون باقتدار الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي اللبناني على سد الفراغ المحتمل من دون المساس بأمن البلدين، مما يعني برأي الأوساط أن سورية تدعو الجهات المعنية إلى العمل السريع لتقوية قدرة الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية ليكون قادراً على الاضطلاع بهذه المهمة على وجه السرعة.

وقرأت الأوساط في البيان السوري ما يشير إلى أن دمشق تتحرك في تعاطيها الشأن اللبناني ضمن سقف الطائف وآلياته وضمن القواسم المشتركة بينه وبين القرار 1559، وتريد أن تقول إنها في ما يتعلق بلبنان ملتزمة باتفاق الطائف الذي يتضمن آليات تحدد طريقة الانسحاب وإنها بصدد تنفيذه التام.

ولفتت الأوساط إلى أن إصدار هذا البيان يعكس حقيقة مفادها أن دمشق تأخذ على محمل الجد التهديدات الأميركية الأوروبية باعتبارها تندرج في إطار مشروع تآمري ضد مجمل المنطقة تقرأه سورية بموضوعية من خلال إدراكها أن أميركا وأوروبا المختلفتين في كل شيء أظهرتا الآن اتفاقاً في مواقفهما من سورية ولبنان، فيما لا تزال باقي الخلافات قائمة بينهما، مما يشير إلى أنهما تسعيان إلى حل ما أمكن من هذه الخلافات لكن على حساب سورية ولبنان.