ردود فعل متباينة بين المثقفين والأكاديميين السعوديين حول تصريحات الأمير سعود الفيصل: البعض يعترف برفض بعض القطاعات التغيير وآخرون يرون عدم تحميل الرأي العام أكثر من طاقته

TT

أثارت تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل حول الوضع الداخلي في السعودية ردود فعل متباينة على الصعيد الأكاديمي والشعبي بين متفهم ومتحفظ على ما أورده الوزير على هامش مؤتمر «مملكتان... التحديات المستقبلية» في لندن. وكان الامير سعود الفيصل علق على الانتخابات الأخيرة التي جرت في الرياض بالقول «إن المملكة عازمة على متابعة السير على طريق الإصلاح»، مضيفا «أن الانتخابات وسيلة وليست غاية»، وأوضح الفيصل خلال مخاطبته للوفد البريطاني برئاسة وزير الخارجية جاك سترو «إن الصورة في العالم الخارجي، وكأن الشعب ثائر ويريد الإصلاح، لكن العكس هو الحقيقة، فالحكومة ـ أي السعودية ـ ثائرة تريد الإصلاح والعقبة آتية من الرأي العام, لاسيما أن لدينا مجتمعاً متديناً ومحافظاً».

«الشرق الأوسط» رصدت آراء مجموعة من الأكاديميين السعوديين والعرب، وبعض طلاب قسم العلوم السياسية في جامعة الملك سعود.

الدكتور خالد الدخيل أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة قال «أتفق مع ما قاله الأمير سعود الفيصل». وأفاد أن هذا صحيح ودلل بمثال هو موضوع قيادة المرأة للسيارة وأضاف أنه اجرى استفتاء بين الطلاب الذين يدرسهم في الجامعة وكانت النتيجة هي أغلبية معارضة لهذا الأمر، ولكن الدكتور الدخيل يستفهم عن الذي جعل الرأي العام متحفظاً تجاه التغيير، بأنه هل جاء عن طريق اختيار بين مواقف مختلفة موجودة أم أن هذا الموقف هو نتيجة لصياغة له بهذا الشكل عن طريق وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم والمساجد؟، مشيرا إلى أن المسجد منبر كبير ومحترم وهو محصور لرؤى التيار الديني فقط، وأفاد الدخيل بأنه حان الوقت لكي نفتح المجال للرؤى المختلفة، وأوضح بأنه لا يمكن أن تجرى انتخابات ديمقراطية وفي الوقت نفسه هناك رفض أن يفوز بها شخص مختلف معه بالرأي، وقال إن المطلوب طرح بدائل لكل القضايا، مشيرا «الى أن التعليم لم يفسح له المجال لتشكيل رأي عام, فالتيار الديني سمح له بأن يستغل هذه المنابر وأن يتم تشكيل الرأي العام وفق رؤيته، وتم إبعاد الخيارات أو الطروحات الأخرى».

أما الدكتور عوض عباس أستاذ الإعلام والتربية في جامعة الملك سعود فأوضح أنه يوجد عادات وتقاليد في السعودية وهذه الفئات المتمسكة بالموروث الاجتماعي ترى في الإسلام هذا الدين العظيم أنه يحقق للانسان السعادة في الدنيا والآخرة، لذا فهم ينفرون ويرفضون كل النظريات الفلسفية مثل المثالية والماركسية وغيرها، وأضاف عباس أنهم ينظرون إلى هذه المذاهب الفلسفية كونها لا تحقق للانسان طموحاته في الدارين. واضاف ان الدولة السعودية قامت على أساس مبادئ وأفكار الشيخ محمد بن عبد الوهاب فهو المصلح الاجتماعي الكبير الذي حارب الخزعبلات والعادات التي لا تتفق مع الدين، بالإضافة إلى ما سبق فإن السعوديين وغيرهم من أولئك الذين يعيشون الإسلام يرون أن الشورى في الإسلام تعتبر من أرقى أنواع الديمقراطيات، ولا نستطيع أن نقول إن الشعب السعودي لا يريد التغيير، لاسيما أن الحكومة قامت بإنشاء العديد من الجامعات، المستشفيات، المعاهد الفنية، المهنية والتربوية، إضافة إلى وجود العديد من المؤسسات الصحافية ودور الإعلام كل هذه القنوات الفكرية والمعرفية ساهمت في نمو الوعي بأهمية التغيير ولكن التغيير يكون على مراحل ونحو متدرج أفضل من التغييرات السريعة والتي تسبب ردود فعل عكسية.

وأشار عباس إلى أن الحكومة قامت بتجذير الديمقراطية بإنشاء مجلس الشورى، وهو مجلس يضم في عضويته النخب السعودية المؤهلة تأهيلا رفيعا في كافة المجالات، وهؤلاء يقومون بدراسة الموضوعات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية وقراءة الميزانيات والتعليق عليها وتقديم اقتراحاتهم البناءة لصانع القرار بالإضافة إلى ما سبق فإن المملكة في إطار سعيها الدؤوب لتحقيق التطور في كافة الميادين لإشراك المواطنين في حكم بلادهم أجرت الانتخابات البلدية أخيرا يستتبعها مستقبلاً انتخابات على نحو متدرج. وأوضح المتخصص بالإعلام والتربية أن الحكومة والشعب السعودي يسيران في طريق تحقيق الديمقراطية. واكد رغبة السعوديين في التطوير الذي يهدف في تحليله النهائي تحقيق التنمية بمعناها الشامل في كافة الصعد والذي لا يتعارض مع قيمهم ومبادئهم الدينية. وقال عباس إن الديمقراطية في تحليلها النهائي ليست إلا وسيلة لتحقيق الأمن الصحي والتعليمي والتربوي والغذائي والمملكة بتوفيق من الله حققت للشعب السعودي كل المتطلبات الذي ذكرتها ولم تكتف بتحقيق هذه الأهداف لشعبها، بل بتجذير وتحقيق الديمقراطية في السعودية بخطوات متأنية ومبرمجة. وأوضح أن المجتمعات لا تقبل التغيير بسهولة فالمجتمع متمسك بعاداته وتقاليده وموروثه الاجتماعي، فبرنارد شو وهو كاتب أيرلندي حائز جائزة نوبل رفض أن يدخل في انتخابات مجلس العموم البريطاني وآثر أن يدخل في المجالس الشعبية لأنها برأيه تمثل جحر الزاوية في الديمقراطية.

من جهة أخرى أفاد الطالب هاني باجابر من قسم العلوم السياسية بأنه يتفهم ما أورده الأمير سعود، ولكن يجب أن لا نحمل الرأي العام أكثر من طاقته بكونه أبرز عوائق برنامج الإصلاح لدى الحكومة.

وقال إن الانتخابات لن تحل مشاكل مثل البطالة والفقر، ولكنها تبقى جيدة ومعبرة في البداية، فالمجتمع الآن مختلف عن وضعه في الستينات عندما قام الملك فيصل بفرض التعليم للمرأة كحق من حقوقها، رغم الرفض الشعبي لها، وحتى لو كانت نتائج الانتخابات فرضت أشخاصا نجحوا بعباءات دينية، فهذه هي ضريبة البداية.

أما الطالب عبدالعزيز العجمي فقال ان تجربة الانتخابات البلدية بغض النظر عن نتائجها عكست درجة كبيرة من الوعي لدى الشارع السعودي. وأضاف العجمي أنه راقبها جيداً وعن كثب وأفاد أنه لم يلاحظ أي وجود على مظاهر للعنف كما يحدث في بعض دول العالم المتقدمة وحتى وإن حصلت فإن كثيرا من الدول المتقدمة الآن التي تضغط باتجاه الديمقراطية على شعوب المنطقة فإنها في بدايتها بدأت تجربتها الانتخابية بكثير من العنف والدماء كما في بريطانيا.