كرامي صاحب شخصية قوية... وحظ عاثر

أمضى أشهرا معدودة في السلطة عبر حكومتين في 13 سنة

TT

لعل ابرز ما يمكن ان يوصف به الرئيس عمر كرامي هو انه ذو حظ عاثر في العمل السياسي. ففي المرتين الوحيدتين اللتين تولى فيهما رئاسة الحكومة اضطر للاستقالة بسبب ظروف طارئة ألمت بالبلاد، بعد 10 أشهر في السلطة على مرحلتين تفرق بينهما 13 سنة.

فكرامي ترك الحكومة اول مرة عام 1992 اثر موجة اضطرابات عامة بسبب انهيار الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، ثم اضطر لتركها مرة ثانية امس بعد موجة اضطرابات اخرى تسبب بها القرار 1559 وأججها اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري.

وكان كرامي قد عاد في 21 اكتوبر (تشرين الاول) الماضي الى رئاسة الحكومة بعد 12 سنة في المعارضة. وامضى في منصبه نحو 5 اشهر أنهاها باستقالته المفاجئة امس، مع انه كان يتمتع بالغالبية النيابية المطلوبة. وهو كان امضى نحو 5 أشهر اخرى على رأس الحكومة بين 24 ديسمبر (كانون الاول) 1991 و6 مايو (أيار) 1992. لكن في الفترتين القصيرتين كانت لحكومتيه انجازات لا بأس بها.

فقد قامت حكومته الاولى بانجازات ابرزها حل الميليشيات ووضع نظام داخلي لمجلس الوزراء ودخول مفاوضات السلام في مدريد، لكنها فشلت في مقاومة الضغط على الليرة. اما حكومته الثانية فقد أقرت الإلغاء التدريجي للخدمة العسكرية الإلزامية، وقدمت مشروعاً للانتخابات على أساس القضاء، اي على اساس القانون المعتمد في مرحلة ما قبل الطائف. كما قدمت مشروعاً للموازنة العامة بعجز نسبته 26 في المائة. لكن المشروعين لم يعرضا على مجلس النواب.

وكان «الافندي»، كما يلقب كرامي في طرابلس، ابرز المعارضين للرئيس رفيق الحريري من دون ان يقطع معه «شعرة» المودة الشخصية التي بدت ظاهرة في اكثر من مفصل رغم انه لم يخف يوماً اتهامه الحريري بالضلوع في «ثورة الدواليب» التي اطاحت حكومته عام 1992.

وكرامي، كما يصفه رئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري «رجل ينظر الى ابعد من الحدث، بل يحاكي الغد». وراهن كثيرون على ان قوة شخصيته ستساهم في سد الثغرة التي سيخلفها رحيل الحريري، لما عرف عنه من قدرة على اتخاذ المواقف الحاسمة والسريعة.

وورث عمر كرامي العمل السياسي وعايشه منذ نعومة اظفاره. فوالده الشيخ عبد الحميد كرامي مفتي طرابس وحاكمها قبل الاستقلال، وواحد من رجالات الاستقلال اللبناني الذين سجنتهم قوات الانتداب الفرنسي في قلعة راشيا في نوفمبر (تشرين الثاني) 1943 ، وكان توقيفهم شرارة اعلان الاستقلال. وقد تولى عبد الحميد كرامي رئاسة الحكومة عام 1945، لكنه عاد فاستقال وانتقل الى صفوف المعارضة.

اما شقيقه الراحل رشيد كرامي فقد ترأس العديد من الحكومات آخرها في عام 1987 حيث قضى اغتيالاً، ليتسلم «الافندي» العمل السياسي لعائلة كرامي السياسية.

وكرامي من مواليد طرابلس في الاول من مايو (ايار) عام 1935. وهو متأهل من السيدة مريم مصباح قبطان ولهما اربعة ابناء هم يمن وزينة وخالد وفيصل.

تلقى علومه الابتدائية والمتوسطة في دار التربية والتعليم الاسلامية في طرابلس، ثم تابع دراسته الثانوية في الانترناشونال كوليدج (IC) في بيروت. بدأ دراسته الجامعية في الجامعة الاميركية في بيروت، ثم انتقل الى القاهرة حيث نال اجازة في الحقوق من جامعة القاهرة عام 1956. ومارس مهنة المحاماة منذ عام 1956، حيث اسس مكتباً خاصاً، كما خاض ميدان الاعمال الحرة وخاصة في قطاع البناء والانشاءات.

وشارك في مؤتمر المصالحة الوطنية الاول الذي عقد في لوزان بصفته مستشاراً لشقيقه الرئيس رشيد كرامي. وبعد اغتيال الاخير انتقل لتولي رئاسة حزب التحرر العربي في طرابلس. ثم عين وزيراً للتربية في اولى حكومات الطائف عام 1989. وسرعان ما تولى رئاسة الحكومة الثانية في 24 ديسمبر 1991 وحملت اسم حكومة «المصالحة الوطنية» وضمت تنوعاً كبيراً من القوى والاحزاب التي كانت تاريخياً خارج السلطة.

ورغم ان كرامي بدا في غاية الانسجام مع الرئيس السابق للجمهورية الياس الهراوي، الا ان هذا الانسجام تحول لاحقاً الى تناقض شديد، فجرته أزمة «يللا ماشي الحال» عندما حاول الهراوي تمرير قرار تعيين السفير فؤاد الترك اميناً عاماً لوزارة الخارجية، اذ أنهى سجالاً دار في هذا الشأن في مجلس الوزراء بعبارة «يللا ماشي الحال». وهو ما فسره كرامي بأنه تراجع من الهراوي. لكن الاخير أوعز لأمين عام مجلس الوزراء هشام الشعار بتسجيل الموافقة على التعيين. فهدد كرامي بالاستقالة.

بعدها اعتبر الهراوي ان حكومة كرامي أدت قسطها للعلي، فجاهر برغبته باستقالتها لتأتي حكومة «اكثر انسجاماً». وطرح اسم رفيق الحريري للرئاسة في احد الاجتماعات مع الرئيس السوري حافظ الاسد، مما زاد الاحتقان بينه وبين كرامي.

بعدها زادت الضغوط على الليرة، ثم حدث الانهيار الكبير بعد بيان استغربه الكثيرون من حاكم مصرف لبنان ميشال الخوري اعلن فيه وقف التدخل في السوق دفاعاً عن الليرة التي هبطت الى اسوأ مستوياتها في تاريخها (ثلاثة آلاف ليرة للدولار). ويوم 5 مايو 1992 امتلأت شوارع لبنان بالدواليب المحروقة التي يقول رئيس المجلس النيابي نبيه بري انها من انتاج «عقل مدبر هو المخابرات اللبنانية». فسقطت حكومة كرامي الذي اعلن استقالته.

وكان كرامي قد دخل البرلمان لأول مرة في عهد حكومته عندما عينت هذه الحكومة 40 نائباً لسد الفراغ في المجلس النيابي. وبعدها بأشهر خاض الانتخابات النيابية وفاز، ثم تكرر فوزه في اعوام 1996 و2000 رغم انه تعرض لحرب كبيرة من معارضيه أضعفته كثيراً وأوصلت الى المجلس ابرز خصومه السياسيين كالوزير نجيب ميقاتي المرشح لدخول حكومته الجديدة.

والى قوة شخصيته، يمتلك كرامي حساً بالفكاهة قل نظيره بين رجال السياسة. وهو كمعارض كان يوصف بـ«المهضوم» أي خفيف الظل. لكنه يرتكب زلات لسان تضعه في مواقف حرجة ككلامه اخيراً عن انقسام الجيش او كلامه عن تجريد «حزب الله» من السلاح وما سماه «دك» المخيمات، او كلامه عن «شراء الإعلام (اللبناني) من بابه إلى محرابه».