جاك سترو لـ«الشرق الأوسط»: قلت ما قلته عن دمشق لأن هناك شكوكا بأن مؤامرة اغتيال الحريري حيكت في سورية

وزير الخارجية البريطاني متفائل بتحقيق نتائج عملية في اجتماع اليوم لدفع عجلة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين

TT

قال وزير الخارجية البريطاني جاك سترو إن «ثمة حقيقة لا تخفي نفسها «بان» مؤامرة اغتيال (الحريري) قد حيكت في سورية». ولفت الى ان «ضغوطاً متزايدة (ستمارس) على السوريين بهدف حملهم على الخروج من لبنان». واذ رحب بتسليم دمشق لعدد من اقطاب النظام العراقي المخلوع، فإن رئيس الدبلوماسية البريطانية اعرب عن امله في ان يكون ذلك «بداية تغير استراتيجي» من جانب سورية. وأبدى تفاؤله بان يكون الاجتماع الذي ترعاه لندن اليوم، «محطة متقدمة» نحو سلام دائم بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وان يتمخض عن نتائج عملية لدعم السلطة الوطنية.

وجاء ذلك في مقابلة خص بها سترو امس «الشرق الأوسط»، وقد حرص المسؤول المعروف بتواضعه ودفئه على استقبال ممثل الصحيفة ومصورها في القاعة الخارجية، قبل ان يقودهما الى مكتبه الواسع. والوزير الذي كانت عقارب الساعة تلاحقه، كالعادة، لاسيما ان المسؤولين الكبار المدعوين لاجتماع اليوم قد بدأوا يتوافدون على العاصمة لندن، كان كريماً الى درجة انه وافق على الاجابة على سؤالين اضافيين، وهنا نص المقابلة:

* لابد ان الهجوم الذي شهدته الحلة هذا الصباح يشغلك؟

ـ إنه من اقبح النماذج الممكنة للارهاب المفضوح، وهو يسلط الضوء على حقيقة ان الهدف الرئيسي لهؤلاء الارهابيين هو في الحقيقة قتل العراقيين، فمن يقتلون على يد هؤلاء المجرمين الارهابيين هم من العراقيين المسلمين الابرياء. والارهابيون بذلوا قصارى جهدهم لعرقلة الانتخابات لكن الفشل كان نصيبهم واجريت كما كان مقرراً في الثلاثين من يناير (كانون الثاني)، كما سعوا ويسعون الى نسف العملية السياسية، بيد اني واثق انهم لن يحققوا هذه الغاية.

* ما هي الاهداف التي تأمل ان يحققها اجتماع الغد؟

ـ ما نطمح الى انجازه هو توفير دعم افضل للسلطة الفلسطينية وهي تتخذ الخطوات الاولى على طريق تأسيس دولة فلسطين القابلة للحياة، وذلك في اعقاب الانسحاب الاسرائيلي من غزة والمستوطنات الاربع في الضفة الغربية. (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس سيطرح برنامجه الذي سيكون اساساً للمناقشات حول الامن وبناء المؤسسات السياسية وإعادة البناء الاجتماعي والاقتصادي.

* هل فكرتم في الاسابيع الثلاثة الماضية في امكان رفع مستوى اللقاء، لاسيما ان قدراً من التقدم قد تحقق بين الفلسطينيين والاسرائيليين في شرم الشيخ وبعدها؟

ـ لا لم يخطر لنا ذلك، لاننا لسنا معنيين بعقد المؤتمرين الدوليين الرئيسيين المشار اليهما في المرحلتين الثانية والثالثة من خريطة الطريق، فهذه مهمة (المجموعة) الرباعية. والسبب الذي دفعنا لتسميته اجتماع لندن (الرئيسي) بدلاً من مؤتمر دولي، هو لإيضاح ذلك الفرق. إذا ساعدنا الحظ سيكون بمثابة المحطة المتقدمة على الطريق الى (تنفيذ) المرحلتين الثانية والثالثة من خريطة الطريق، لكنه ليس مؤتمر سلام يتناول الوضع النهائي، وايضاً الاجتماع ليس مؤتمراً للدول المانحة، لكن سيكون هناك بين الوفود المشاركة من سيتم حثه على التعهد بتقديم دعم مالي سيُبحث في مؤتمر للمانحين في غضون شهر.

* إذن سيكون «محطة متقدمة» تمهد الطريق لمحطات قادمة، فهل لك ان تعطينا مزيداً من التفاصيل بشأن مؤتمر المانحين والمحطات الاخرى التالية؟

ـ ستكون هناك نشاطات عملية مهمة لاستكمال ما تم في الاجتماع، والارجح انه سيكون (بنتيجة اللقاء) للولايات المتحدة حضور دائم (في الاراضي المحتلة) لتقديم النصح والدعم للسلطة الفلسطينية في الجانب الامني من عملها. وسنبحث ايضاً عن سبل رفع الاتحاد الاوروبي والبنك الدولي مستوى دعمهما للسلطة الفلسطينية، وهذا ليس عملاً منفرداً، بل ان الحدث في حد ذاته ايضاً مهم للغاية.

* لكن طبيعة اللقاء وغاياته ليست واضحة تماماً، انتم تقولون انه اجتماع و«محطة متقدمة» بينما وصفه الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي بـ«مؤتمر السلام»، من الاكيد ان لديه من المعلومات ما يكفي لجعله يستخدم هذه العبارات بدقة. فهل انتم تأملون بإحراز نتائج اهم مما تتوقعونه علناً، لجهة تمهيد الطريق الى السلام؟

ـ هدف الجميع هو تحقيق السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين. لكنه ليس مؤتمر سلام رئيسيا (مميزا) فهذا ما ينبغي بالرباعية ان تقوم به. لكني آمل جداً ان أثر المؤتمر ونتائجه سيصبان في قناة دفع عجلة السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين و(مساعدتهما) على التوصل الى السلام، لذلك لا اعتقد ان هناك فرقاً بين ما قلته وبين ما ذكره الامير سعود.

* هل انت مرتاح للدعم الذي حظي به المؤتمر في المنطقة العربية وعالمياً؟

ـ نعم، وقد وجدت هذا الدعم مشجعاً، ستكون الولايات المتحدة ممثلة بوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ونظيري الآخر سيرغي لافربوف سيمثل الفيدرالية الروسية. ومن الاتحاد الاوروبي سيشارك وزراء خارجية دول رئيسية، إذ سيكون هنا يوشكا فيشر (ألمانيا) وميشال بارنييه (فرنسا) وفرانكو فيني (ايطاليا) وميغيل موراتينوس (اسبانيا)، فضلاً عن خافيير سولانا الممثل الاعلى للامن والخارجية. كما سيحضر كوفي انان، ومن الواضح انه ليس بوسعنا ان نحظى بتمثيل ارفع من هذا عن الامم المتحدة. أما بالنسبة للتأييد العربي، فهو ايضاً جيد، كان هناك بعض القلق من جانب بعض الدول العربية، ربما عبرت عنه قبيل احتفالات الميلاد ورأس السنة، بان اللقاء سيكون مؤتمراً هدفه ممارسة ضغوط كبيرة على الفلسطينيين، لكنه في الحقيقة لم يكن قط لقاءً يرمي الى ذلك، واستطعنا ان نطمئنهم ونبدد مخاوفهم.

* على رغم هذا الدعم العربي الذي ذكرت، من الواضح ان هناك طرفاً في المنطقة ليس راضياً عن اللقاء، كما تدل العملية الانتحارية في تل ابيب يوم الجمعة الماضي. من هو هذا الطرف برأيك، هل يمكن ان يكون سورية كما زعمت اسرائيل ام انه ايران، ام انه «جهة ثالثة» وكفى مثلما قال ابومازن؟

ـ من الواضح ان الجهة الثالثة هي منظمة رافضة تحاول في وقت واحد ان تقتل اسرائيليين ابرياء وتعيق عملية السلام وتقلل من اهمية السلطة الفلسطينية ايضاً. وهناك تكهنات عما إذا كانت تلك الجهة الثالثة التي اشار اليها الرئيس عباس، هي دولة اخرى، بيد ان علينا الانتظار للتحقق من ذلك.

* وهل هناك تصورات حول هوية الجهة التي تورطت في الضربة؟

ـ نعم هناك أفكار وتوقعات بهذا الخصوص.

* بالنسبة لسورية، قال رئيس الوزراء توني بلير قبل ايام ان حديثك عن «مستوى عال للشكوك» بشأن تورط دمشق باغتيال الرئيس رفيق حريري قد استند الى معطيات محددة تلقيتها؟

ـ من دون الخوض في التفاصيل كلها، اتصور انها حقيقة لا تخفي نفسها ان هناك شكوكا كبيرة بأن مؤامرة الاغتيال قد حيكت من داخل سورية، وهذا ما كنت اشير اليه. ستنجلي الحقيقة في المستقبل بخصوص ما إذا كانت هذه الشكوك ستُثبت كحقيقة واقعة وان هذا ما حصل فعلاً.

* لبنان على شفير الانفجار في اعقاب الاغتيال، فهل ينبغي بالسوريين ان يغادروا على الفور كما طلب منهم الاميركيون ام انك توافق على بقائهم هناك بغرض تهدئة الوضع كما يقولون؟

ـ اعتقد انه في نهاية المطاف يجب ان يقرر ذلك البلد (المضيف) ونفسه ولحكومته ان تحدد اذا كان بوسعها ان تبقى مستقلة ذات سيادة فيما تتمركز قوات اجنبية على ارضها. لدينا قوات اجنبية اميركية على الاراضي البريطانية، إلا اننا مرتاحون تماماً لذلك وهي تؤدي دوراً حميداً للغاية. لكن للقوات السورية في لبنان دورا مختلفا من دور القوات الاميركية المتمركزة في قواعد عدة في انحاء المملكة المتحدة، وهو ( الوجود السوري) كان مثيراً لكثير من الجدل، وكما تعلم هناك في لبنان ما يعارض ذلك الوجود بشدة. علي ان اقول ان كثيراً من اللبنانيين يقولون ان وجود آلاف من القوات (السورية) يجعل عليهم من الصعب ان يمارسوا استقلاليتهم ويتمتعوا بسيادتهم، إذن وجود القوات الاجنبية بحد ذاته لا يقلل من سيادة واستقلالية بلد ما بل كيفية استخدام هذه القوات والدور الذي يُسند اليها وما يفعلونه على الارض. واعتقد اننا سنرى ضغوطاً متزايدة على السوريين، بدأت بقرار مجلس الامن 1559، وذلك بغرض البدء في تخفيض وجودهم.

* لكن يبدو ان دمشق بدأت تدرك ما هو مطلوب منها واخذت تستجيب بدليل تسليمها سبعاوي ابراهيم الحسن شقيق صدام حسين وعدد من رفاقه الى السلطات العراقية؟

ـ نعم، وانا ارحب بذلك، وآمل ان تمثل هذه الخطوة بداية تغير استراتيجي من جانب سورية، لان التعاون الذي قدمته في الماضي، لم يكن قاطعاً تماماً بالنسبة للعراق. وآمل ان يكون تسليمهم لهؤلاء (المسؤولين العراقيين السابقين) دليلاً على توجه جديد من قبل سورية.

* هناك من يقول انك ازددت تشدداً في التعاطي مع سورية وايران بعد وصول كوندوليزا رايس الى منصبها الحالي، فما رأيك بهذا التقييم؟

ـ لم يكن وصول رايس بل اغتيال الرئيس الحريري هو سبب تغير الظروف، وبطبيعة الحال كان لدينا شعورنا بالقلق، لكني كنت على الدوام اتبع موقفاً منسجماً خالياً من التناقض.

* في نهاية الامر التعاطي مع البلدين بدبلوماسية بدلاً من التصعيد هو لب سياسة «التواصل الناقد البناء» التي صممتها انت للتعامل مع دول من هذا النوع بشكل اكثر نجاحا من التصعيد والاتهام. هل مازلت عازماً على اتخاذ هذه السياسة دليلاً لاسلوب تعاطيك مع دمشق وطهران؟

ـ هناك فرق بين الحالتين، ولإيران وضع مختلف، وتربطنا بسورية علاقات دبلوماسية والحوار هو دائماً اسلوب افضل لحل المسائل، اما ما بيننا وبين ايران، فهو بالطبع حوار على مستوى رفيع من التنظيم من جانب الدول الاوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا والمانيا) فيما يتصل بمخاوفنا حول تطويرها قدرات نووية. إذن نحن منشغلون بصورة اكبر من الناحية العملية مع ايران مما نحن مع سورية.

* معظم أسلافك وزراء الخارجية البريطانيين وجدوا صعوبات بالتعامل مع اسرائيل، وكانت لك خلافاتك العلنية مع كل من آرييل شارون وبنيامين نتنياهو (حين كان وزيراً للخارجية الاسرائيلي). من الواضح ان التعاطي مع اسرائيل صعب جداً على البريطانيين، فما الذي يجعلك مطمئناً الى انها ستبارك جهود السلام الحالية بدءاً بمؤتمر الغد؟

ـ كان هناك قبل ما يزيد عن ثلاث سنوات ونصف السنة بعض الصعوبات اساسياً حول استعمالي لعبارة (دولة) فلسطين، لكن من الممتع ان يلاحظ المرء كيف تطورت الامور خلال هذه المدة (5 ـ 3 سنوات) فقد بات ( إنشاء) دولة فلسطينية سياسة محددة لكل من الولايات المتحدة والامم المتحدة، وعلاقاتي مع الحكومة الاسرائيلية كانت جيدة.

* في الحقيقة احترام العرب والمسلمين لك قد ازداد بوضوح بسبب خلافاتك تلك مع الاسرائيليين وما فعلته عند وفاة الرئيس ياسر عرفات؟

ـ دعني اقول انني سعيت على الدوام الى التصرف بشكل متوازن مع اسرائيل والسلطة الفلسطينية بشأن قضية اسرائيل / فلسطين، وسياستنا العامة هدفت الى توفير الامن لدولة اسرائيل ضمن حدودها الواضحة وايضاً التشجيع على تأسيس لدولة فلسطين المستقرة القابلة للحياة، وهذا ما فعلته حتى الآن، بعض الناس في هذا الجانب يقولون انهم يتفقون معي او يخالفونني وكذلك الامر بالنسبة لهؤلاء في الجانب الآخر.

* لكن احترام العرب والمسلمين هذا يجعلني مطمئناً الى ان السفير السابق جيمس موراي (ممثل بريطانيا في كازاخستان الذي اتهم سترو بالتواطؤ مع واشنطن ومع انظمة تمارس التعذيب ضد سجنائها السياسيين) لن ينتزع منك مقعدك البرلماني في دائرة بلاكبرن حيث أن غالبية الناخبين مسلمون؟

ـ أعتقد ان اعضاء دائرتي الانتخابية (ضاحكاً) ـ لو انهم هنا لكانوا البادئين بقول هذا ـ يعرفون انني لا اجلس هنا (مشيراً الى طاولته العريضة في صدر المكتب الواسع) وافكر ما هو الاثر الذي سيحدثه (هذا القرار او ذاك الاجراء) في دائرتي الانتخابية، فانا اقوم بمهمة تمثيل البلاد ككل، والذي آمل به هو ان اعضاء دائرتي الانتخابية بغض النظر عن مذاهبهم الدينية سيتأملون ما قمت به على الصعيد الوطني وايضاً ما اعمله محلياً في بلاكبرن بما يخص كل قضايا الخبز.

* بدأت بالعراق وسأنهي اللقاء به، الا تشعر بالقلق لان ضربة الحلة تدل ان التمرد او ما تسميه الارهاب لن ينتهي سريعاً وكثيرون يتوقعون تصاعد وتيرة العنف؟

ـ دعني أقول ان (الارهاب) سيهزم وسيهزم بصورة اساسية من قبل العراقيين انفسهم، لكن بمساعدة قوات التحالف العاملة هناك حالياً بموجب موافقة الشعب العراقي. هؤلاء أفراد قساة لا يتمتعون بالانسانية، وهم ايضاً تدميريون بمعنى ان لهم رغبة في نسف كل شيء وليس لديهم ما يقدمونه للعراقيين، وفي النهاية سيتم القضاء عليهم كما يؤكد تاريخ ارهابيين كهؤلاء، مع ان ذلك قد يستغرق بعض الوقت.

* وهل انت واثق من ان الحكومة التي يتوقع ان يكون العنصر الشيعي طاغياً عليها، ستنجح في التعامل مع المنطقة ومع العالم بدون صعوبات؟

ـ لا أجد مشكلة في التعامل مع الاحزاب السياسية التي توضح احترامها للدين، بل انا اكن لهذا الموقف كل الاحترام، وليس لدينا في هذه البلاد فصل تام بين الدولة والكنيسة الانغليكانية، بل هما مرتبطان بحكم القانون وتتلى الصلوات (مع بداية يوم العمل) في البرلمان، والامر نفسه ينطبق على دول كثيرة، خذ مثلاً تركيا، حيث الحزب الحاكم العلماني يتخذ من الاسلام ايديولوجية له وقد انتخبه الناس ويحظى بدعم واسع، ومن وجهة نظرنا، كان التعامل مع الحكومة التركية (الحالية) من اسهل ما يمكن وقد حققت تقدماً هائلاً على صعيد حقوق الانسان وبشأن دخولها الاتحاد الاوروبي، لذا لن نواجه صعوبات على الاطلاق في التعامل مع حكومة لها طابع ديني.

* البعض يشكون ان بوسع الحكومة المقبلة ان تبقي العراق دولة واحدة، خصوصاً ان الاكراد يطالبون بالاستقلال؟

ـ ينبغي ان تبقى دولة واحدة، والامم المتحدة قد اوضحت ذلك تماماً. حدود العراق مرسومة بدقة، والقادة الاكراد الرفيعو المستوى يدركون ذلك ويدركون ايضاً ـ حتى اذا كانوا لا يعلمون ـ انه ليست هناك وسيلة في العالم تجعل تركيا وايران توافقان على تغيير حدودهما الدولية، ودعني اقول ايضاً ان الجيران الاربعة الآخرين للعراق لن يوافقوا ايضاً على تغيير لحدودهم.