المعارض الإسلامي الموريتاني محمد جميل منصور: الانقلاب على الديمقراطية جريمة.. والحكم لم يضع شروطا مقابل الإفراج عن المعارضين

قال لـ«الشرق الأوسط» في أول حوار بعد الإفراج عنه إن الشروط المسبقة مفسدة للحوار الجاد

TT

قال المعارض الموريتاني، المعروف محمد جميل منصور، ان «الحوار شرط لازم لتجاوز الأزمة في موريتانيا، وهو السبيل الأنجع للتوصل إلى الحلول»، مشيرا الى أنه لا شروط مسبقة مفروضة على المعارضة أو مقترحة من قبلها باعتبار أن «الشروط مفسدة للحوار الجاد».

وأكد منصور في أول حديث له بعد تبرئته من تهم نشر وفبركة صور تسيء للسلطات الأمنية تظهر معتقلين شبه عراة يتعرضون للتعذيب، أنه لن يعتزل الحياة السياسية، ومستعد لتحمل التبعات ودفع الثمن في سبيل إنجاح مشروعه السياسي «على نحو معتدل وحكيم يغلب المصلحة الوطنية ويُبقي التيار الإسلامي على حقيقته، إسلامي المنطلق، وسطي المنهج، محلي النزعة والانتماء».

واشار منصور في حوار هاتفي مع «الشرق الأوسط» الى ان «الأحكام الصادرة عن محكمة واد الناقة هي في عمومها أقرب إلى التهدئة، لكنها مع ذلك تضمنت أحكاما قاسية»، مضيفا أن «الانقلاب على الديمقراطية جريمة، لكن أجواء القمع ومحاصرة الرأي تولد ردود فعل متشنجة ليست مقبولة ولكنها واضحة».

ونفى ان يكون الإفراج الأخير عن المعارضين والإسلاميين «مرونة واعتدالا من قبل السلطات وإن بدا كذلك»، مؤكدا على أن «قرارات التبرئة هي للأبرياء وأن الحرية المؤقتة لمستحقي الحرية الدائمة»، داعيا السلطات الى العمل من أجل تحقيق مطالب الشعب الذي «ينادي بإصلاح سياسي وقطيعة مع سياسة النهب والتبذير والفساد».

وفي ما يلي نص الحديث:

* إذا كانت السلطات قد اتهمتكم في السابق بفبركة ونشر صور مسيئة لها، ونفيتم بشدة هذا الاتهام، كيف تفسرون أن يكون موقع «الأخبار» الالكتروني المحسوب على التيار الإسلامي اول من نشر هذه الصور؟

ـ أود أن أوضح أن موقع «الأخبار» وحده هو الذي يستطيع تأكيد أو نفي وصفه بأنه محسوب على التيار الإسلامي، والذي أراه هو أنه موقع يظهر مستوى من الاستقلالية والمهنية ويتناول أخبار الإسلاميين مثل غيرهم. حتى ولو افترضنا أنه محسوب على التيار الإسلامي ووجد فرصة للسبق الإعلامي في موضوع حساس كهذا وبادر إليه، فإن ذلك لا يبرر اتهامنا نحن بفبركة الصور. فذلك أمر مستقل يحتاج الى أدلة وبراهين غير نشر موقع لصور يفترض توفرها لمن يسعى لها خصوصا إذا كان مستعدا لدفع الثمن.

* ما السبب الذي يدعو السلطات الى الاعتقاد بأن المعارضين دوما على اتفاق ويربطهم تعاون وعمل مشترك تكون نتيجته اتهامهم جماعة بأي جرم ارتكبه بعضهم؟

ـ هذا السؤال يجب توجيهه إلى السلطة، لأنها عن فعلها تسأل، وعموما تعيش السلطة أو بعض المجموعات الفاعلة فيها على افتعال الأزمات والاتهامات المتكررة للمعارضة وتصويرها على أنها مخيفة وعدوة للدولة والوطن.

* أترون أن التيار الإسلامي في موريتانيا يتعرض لضغوط من أجل تقويض عمله، وبأن التهم والمحاكمات تدخل في هذا السياق؟

ـ التيار الإسلامي مثل كل التيارات الوطنية الرافضة لخنق الحريات ومسخ الهوية وإفساد الاقتصاد والأخلاق والحياة العامة يواجه من يقوم بهذه الأمور، وبالتالي من الطبيعي أن يسعوا لتقويضه والنيل منه وإلصاق التهم الباطلة به، والظاهر أن سياسة التشويه هذه عرفت تناقضا بينا في الآونة الأخيرة، فمن تهمة التآمر على النظام الدستوري وتهديد الأمن الداخلي والخارجي إلى فبركة الصور ونشر ثقافة العري، إلى مخالفة الآباء، ومذهب المالكية، إلى التعصب والإرهاب والتشدد.

فمنذ بداية التسعينات تم منع تأسيس الجبهة الإسلامية وبعدها حزب الأمة، وأخيرا رفض استقبال ملف حزب «الملتقى الديمقراطي» الذي يشكل الإسلاميون أهم مكوناته. ولعل هذا هو الذي دفع كل القوى الوطنية بل وحتى الجهات الأجنبية إلى ادراك خطط السلطات من هذا المنع وتلك التهم، وبالتالي رجع كيد القوم عليهم وبقي التيار الإسلامي على حقيقته، إسلامي المنطلق، وسطي المنهج، محلي النزعة والانتماء.

* يرى البعض أن الإفراج عنكم ورقة سياسية أحسنت السلطات استغلالها في هذا الوقت بالذات، ما رأيكم بما يقال؟

ـ ربما أرادت السلطة من وراء عملية الإفراج عنا التأكيد على رغبتها في التهدئة خصوصا بعد صدور أحكام واد الناقة، وتبرئة زعماء المعارضة، وقد كان لها شيء من ذلك، ولكن الأوضاع في البلاد تستلزم غير هذا، فإن كان واردا أن تستفيد السلطة من إطلاق سراحنا مثل ما سبقه في فترة وجيزة فإنها تحتاج الى ما هو أهم وأكثر جدية. فالناس تريد إصلاحا سياسيا، تريد قبل هذا وذاك حوارا وانفراجا في الحالة السياسية، تريد قطيعة مع سياسة التبذير والإفساد.

* غالبا ما بادر النظام الحاكم الى تمتيع معارضيه بالبراءة أو السراح المؤقت، ويرى المراقبون أن هذه المبادرات غير غريبة على موريتانيا، وتبرهن على أن العلاقة بالمعارضين تتميز بالمرونة والاعتدال وقابلية المراجعة واعادة النظر، ما رأيكم في هذا الطرح وهل استفاد الاسلاميون من تساهل الحكم؟

ـ الذي ينبغي أن يفهمه الناس أن قرارات التبرئة هي للأبرياء وأن الحرية المؤقتة لمستحقي الحرية الدائمة، ولا تدل على المرونة والاعتدال وإن بدت كذلك، فالحرية المؤقتة تهديد واضح وسعي للتشويه ولجعل بعض المعارضين تحت سيف يقتضي إمكانية الاستدعاء أو الاعتقال كل لحظة.

أما التيار الإسلامي الذي يرحب بالمرونة والاعتدال لأنهما من صميم طبيعته، فلا يهتم كثيرا بهذه الأمور وهو ماض فيما اختاره لنفسه، لن تقيده حرية مؤقتة عن عمله، ولن يدفعه اعتقال مؤقت أو مستمر إلى اختيار سبيل التشدد والغلو.

* ان لم يكن الافراج تساهلا ومرونة من قبل السلطات، فهل هو مشروط بتقديم تنازلات وقبول املاءات من طرف المستفيدين من الافراج؟

ـ لا أتصور أن هناك شروطا بل أجزم أن لا شروط على زعماء المعارضة، والشاهد على ذلك أنهم خرجوا من السجن وهم أكثر عزيمة وحماسا لمواصلة مسيرتهم السياسية المعارضة، وإن أبدوا مرونة يقتضيها الوضع العام والمصلحة الوطنية.

* يكاد يجمع المهتمون بالشأن الداخلي أن الأحكام الصادرة بحق صالح ولد حننا، قائد المحاولة الانقلابية، ورفاقه كانت جد قاسية، وإذا نظرنا بموضوعية للقضية نرى أن المحكوم عليهم متهمون بانقلاب عسكري، ألا ترى أن الأحكام نتيجة طبيعية للجرم المرتكب؟

ـ كانت الأحكام الصادرة عن محكمة واد الناقة في عمومها أقرب إلى التهدئة، لكنها مع ذلك تضمنت أحكاما قاسية بحق مجموعة من الضباط، وهي أحكام لا تتلاءم وبيِّنات وقرائن ملف محاكمتهم. صحيح أن الانقلاب على الديمقراطية جريمة ولا يبرره شيء بالنسبة لنا نحن معشر المؤمنين بالعمل السياسي، لكن أجواء الاستبداد والقمع ومحاصرة الرأي وظلم الناس يُولدان ردود فعل متشنجة ليست مقبولة ولكنها واضحة.

* يعتبر المراقبون أن الإفراج عنكم، والأحكام التي صدرت في حق المتهمين بالانقلاب، هي بداية لانفراج سياسي، ما تعليقكم على ذلك؟

ـ الانفراج السياسي مطلوب من طرف الجميع. وما وقع حتى الآن لا يدل عليه، قد يكون ممهدا لمؤشرات، ولكن الانفراج الحقيقي يقتضي ما هو أهم، أي يقتضي حوارا مع المعارضة، وشفافية في تناول القضايا العامة، ومراجعة للسياسة الاقتصادية المتبعة.

* باعتباركم أهم قادة التيار الإسلامي في موريتانيا كيف تقيمون مسيرته؟ وكيف تنظرون الى مستقبله؟

ـ مسيرة التيار الإسلامي رغم حداثتها بالمقارنة مع الحركات الإسلامية الأخرى مسيرة حافلة بالأحداث والتطورات، تحتوي أخطاء بلا شك، وعرفت ارتباكا لا تخفى على المراقب، ولكن التيار الإسلامي مع ذلك قدم مساهمة معتبرة في الدفاع عن هوية موريتانيا والنضال من أجل الوحدة الوطنية والحريات العامة. وقد شهد في السنوات الأخيرة تطورا ظاهرا سواء على مستوى رؤيته ومواقفه أو على مستوى حجمه ومكانته. أما مستقبله فواعد بإذن الله رغم التحديات الداخلية والخارجية، ومضمون طالما حرص على مراجعة دائمة للمواقف وقدرة على التعاطي مع المستجدات والتحديات.

* ترفض السلطات الترخيص لحزب الملتقى الديمقراطي الإسلامي ما سبب رفضها؟ وهل تنوون الترشح في الانتخابات المقبلة؟

ـ لم تستطع السلطات تقديم أي مبرر لرفضها تسلم ملف الملتقى الديمقراطي الذي استوفى كافة الشروط المطلوبة لتأسيس حزب سياسي، وشهد الجميع على خرق وزارة الداخلية لقانون الأحزاب. ولعل ما يتبادر للذهن كسبب لرفض السلطات هذا الحزب هو الإحساس بوزنه الشعبي والسياسي، وما زلنا نتدارس موضوع الترشح للانتخابات المقبلة رغم أن الحديث عنه سابق لأوانه.

* صرحتم في مؤتمر صحافي بأنكم لن تنساقوا وراء ما يريده نظام الحكم، ما الذي يريده هذا الاخير للتيار الاسلامي؟

ـ نعم صرحنا بأننا لن ننساق إلى ما لا نريد، لن نغير خطنا، لا إلى منطق التزلف والتبرير والتأييد، ولا شك أن النظام يريد ذلك، ولا إلى أسلوب العنف والتشدد والتطرف، ولا شك أن النظام سيبرر به عنفه وظلمه.

*كيف تودون أن تكون بداية الحوار الذي دعوتم اليه بين مختلف الفعاليات السياسية في البلاد، هل هناك مطالب تشترطونها؟ وهل تقبلون بتقديم تنازلات مقابل مطالبكم؟

ـ الشروط المسبقة مفسدة للحوار الجاد، المهم أن يفهم الجميع سلطة ومعارضة أن الحوار شرط لازم لتجاوز الأزمة، وأنه السبيل الأنجع للتوصل إلى التفاهمات والحلول ولا شك أن حوارا كهذا يستلزم أن يكون شاملا لكل القوى الفاعلة في المجتمع، وموجها للمواضيع الهامة في الساحة الوطنية من وحدة داخلية وحريات سياسية ومسار ديمقراطي وأسلوب متبع في الاقتصاد والعلاقات الدبلوماسية.

* يدعي الحكم دوما بأن المعارضة بشتى فروعها تدعو للحوار لكنها لا تحترم دعوتها في البحث بجدية عن قنوات حوار، وكل ما يهمها هو كيل التهم للحكم بماذا تردون على ذلك؟

ـ قد تكون المعارضة في مرحلة من المراحل غير متحمسة للحوار وغير مقتنعة بجدواه مع النظام الحاكم. ولكنها منذ فترة دعت للحوار وبجدية لا تخفى على المراقب. صحيح أنها لا تخلط بين الحوار والعمل على تكريس الواقع، وصحيح أنها تريد أن تحاور السلطة لا أن تؤيدها، ولكنها جادة في الحوار ومستعدة لمستلزماته ومقتضياته، ولعل النظام اليوم هو المتردد والرافض، وما تصريحات وزير الخارجية، محمد فال ولد بلال، لصحيفتكم إلا دليل على هذا الموقف حينما اعتبر مطلب الحوار تحصيل حاصل، ووصف المعارضة بما لا يليق.

* تتهمون السلطات بجركم نحو التطرف والعنف وتدعونها لفتح حوار جاد، كيف ذلك؟

ـ نتصور أن السلطة بعد أن فشلت في تحويلنا إلى رابطة للتأييد والتبرير، وفشلت في جرنا نحو مسالك العنف والتشدد، مدعوة لأن تراجع نفسها وتستجيب لمطالب شعبها بالحوار الجاد معنا ومع مختلف الفرقاء في الساحة.

* ألا تفكرون في اعتزال الحياة السياسية بافتراض أن ذلك يصب في مصلحة البلاد واستقرارها السياسي والاجتماعي؟

ـ سنواصل بإذن الله سعينا للشرعية القانونية ولا نفكر مطلقا في اعتزال الحياة السياسية، ومستعدون لتحمل التبعات ودفع الثمن، ولكن كل ذلك على نحو معتدل وحكيم يغلب المصلحة الوطنية ولا يضيع الحقوق، ويكرس استقرار البلد وأمنه ومستقبله، هذا المستقبل الذي يقتضي إشراك جميع أبناء موريتانيا في بنائها ورفعتها.

* ما سبب فشل التيار الإسلامي في الوصول للحكم في عالمنا العربي؟

ـ التيار الإسلامي له إيجابياته الكثيرة وله أخطاؤه المعروفة، وممارسته السياسية بالذات موضوع مراجعة وتقويم، وربما أخطاؤه فيها أكثر من غيرها من جوانب عمله. أما فشله في الوصول إلى السلطة رغم أن السلطة ليست هدفا في حد ذاتها خصوصا بعد تبني كثير من الحركات الإسلامية لمنطق المشاركة والإسهام لا موقف الانفراد والاحتكار، فأسبابه كثيرة منها الخارجي، مثل استهداف الإسلاميين والتضييق عليهم والانقلاب عليهم، ومنها الداخلي المتعلق باستراتيجية الإسلاميين السياسية من أساليب ومراحل وآليات.