مئات الآلاف أحيوا ذكرى مرور شهر على اغتيال الحريري والمعارضة طالبت بالانسحاب السوري الكامل واستقالة لحود

بهية الحريري أكدت على العلاقة الأخوية مع دمشق وعلى حفظ المقاومة و«الطائف»

TT

نزل مئات آلاف اللبنانيين امس من كافة المناطق والطوائف الى حيث مدفن الرئيس رفيق الحريري في ساحة الشهداء في وسط بيروت لمناسبة مرور شهر على اغتياله واعتصموا في الساحة الفسيحة تلبية لدعوة من تيار «المستقبل» المؤيد للحريري، شاركت فيها قوى المعارضة وتيارات واحزاب مؤيدة للرئيس الراحل للمطالبة بـ«معرفة الحقيقة» في قضية اغتياله، وفيما طالب خطباء المهرجان الذين ناهزوا الثلاثين بالانسحاب السوري الكامل من لبنان ورحيل قادة الاجهزة الأمنية طالب بعضهم باستقالة الرئيس اميل لحود. وتراوحت التقديرات حول عدد المشاركين في مظاهرة امس بين السبعمائة الف والمليون وفقاً لتقارير وكالات الانباء العالمية، الا ان المراقبين اجمعوا على انها فاقت بكثير مظاهرة الثلاثاء الماضي التي دعا اليها امين عام «حزب الله» الشيخ حسن نصر الله باسم الاحزاب والقوى الموالية والمؤيدة لسورية.

كان كلام النائبة بهية الحريري شقيقة الرئيس الشهيد هادئاً واحتوى على اشارات ايجابية حيال سورية، مؤكدة ان تيار الحريري لن يقبل بالمس بالمقاومة و«حزب الله»، كما رفضت «محاولات العودة الى الصفر» في موضوع اتفاق الطائف، مؤكدة التمسك بهذا الاتفاق «الذي جهد من اجله الرئيس الحريري» واعلنت عن مبادرة لتشكيل هيئة وطنية لاعادة الاعتبار لهذا الاتفاق.

وكان الحشد الهائل الذي انصب من المناطق في اتجاه بيروت «ختام مسك» لمسلسل التظاهرات بين الموالاة والمعارضة الذي يتوقع ان يكون الاخير بعد دعوات من البطريرك الماروني لوقف «الاحتكام الى الشارع».

واتى الحشد الذي أمنه انصار الحريري ليضاف الى حشد المعارضة الذي اعتاد الاعتصام في ساحة الشهداء التي لم تتسع لقاصديها امس مما حدا بالمعتصمين الى «احتلال» قسم من ساحة رياض الصلح التي اعتصم فيها انصار القوى والاحزاب المتحالفة مع سورية الاسبوع الماضي.

وبدأ توافد المعتصمين الى ساحة الشهداء منذ ليل الاحد الماضي، ونزل آلاف اللبنانيين من المناطق الى بيروت حيث باتوا ليلتهم، اما الذين لا مكان يؤويهم في بيروت فقد قدموا منذ الصباح الباكر تحسباً لزحمة السير التي اخرت وصول الآلاف من المناطق.

وبدت واضحة دقة التنظيم الذي تولاه انصار «تيار المستقبل» حيث تواصل قدوم المشاركين في الاعتصام من المناطق وخصوصاً من البقاع الذي قدم منه حشد كبير اضطر المنظمين الى استعمال الشاحنات الكبيرة لنقل المشاركين لعدم توفر العدد الكافي من الحافلات والسيارات.

وكان اول المتحدثين في الحشود عضو كتلة النائب وليد جنبلاط النائب مروان حمادة الذي كان تعرض لمحاولة اغتيال في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، فاعتبر ان ما يحدث «ثورة شعبية عارمة من اجل الاستقلال، تؤكد على الاستقلال والسيادة والقرار الحر، وترفض الوصاية والهيمنة وتدعو الى علاقات ندية متوازنة، وتسقط حكم المخابرات والاجهزة والتنصت والابتزاز والسرقة، وتحمي المقاومة حتى وان تنصلت احياناً منا»، معتبراً انها «ثورة تؤمن الانسحابات كاملة حتى آخر جندي وآخر ضابط مخابرات الى ما وراء الحدود من دون ارصدة او بقايا مخابراتية وتدعو الى انتخابات نزيهة حرة شفافة».

ثم تحدثت النائبة نايلة معوض فرأت ان «الولاء للبنان يعني استعادة السيادة والاستقلال ويعني اننا نحن وانتم نصنع الاستقلال بوجودكم ونصنع السيادة بوجودكم. وهذا الاستقلال هو اهم من استقلال 1943 لان كل واحد منكم يصنعه». وطالبت بـ«كشف الحقيقة ومعناها اقالة المسؤولين الأمنيين واجراء تحقيق دولي». وتوجهت الى «حزب الله» بالقول «انتفاضة الاستقلال هي مسيرة التحرير وشرعية المقاومة ليست شيكاً يجيّر للدفاع عن السلطة الأمنية».

ثم تحدث عضو كتلة الحريري النائب محمد قباني الذي طالب بـ «الحقيقة» وقال: «بيروت تطلق صرخة واحدة: لقد سقطتم يا اهل السلطة يوم الرابع عشر من فبراير (شباط) ولن نسمح لاحد ان يقفز فوق دم الشهيد رفيق الحريري الذي يبني اليوم حلم لبنان الجديد».

وطالب النائب السابق كميل زيادة «بالانسحاب السوري الكامل والفوري... وبرحيل قادة الاجهزة الأمنية لاننا نريد استعادة تضامننا الديمقراطي البرلماني الحقيقي».

وتوجه عضو كتلة الحريري النائب وليد عيدو الى السلطة بالقول: «اذا كنتم تريدون طمأنة النفوس اطلبوا لجنة تحقيق دولية وادفعوا بعيونكم (المخابرات) الى الاستقالة او اقيلوهم... فالانتخابات النيابية ستقتلعكم من جذوركم وترمي بكم الى حيث يلعنكم التاريخ فنحن لا ثقة لنا بكم». واضاف: «نقول لسورية ان عروبتنا وقوميتنا ثابتة لا تهزها الاخطار ولا الخطايا ولا التدخلات. وانه لا مكان بيننا لا لاسرائيل ولا لعملائها».

وتحدث ممثل «القوات اللبنانية» المحظورة جو سركيس فاكد «ان «القوات» كانت وستبقى في صلب المعارضة، بل في قلبها النابض، لن نتراجع مع كل الحلفاء والاصدقاء عن مطالب المعارضة مجتمعة، وعلى رأسها كشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري».

ثم تحدث النائب احمد فتفت (عضو تيار الحريري في الشمال) فاعتبر ان «التاريخ يبدأ اليوم ومن هنا سيحدد التاريخ الوطنيين الحقيقيين».

واكد النائب مخايل الضاهر اننا «لن نقبل بأي سلطة واية حكومة لا تتعهد بكشف الحقيقة، كل الحقيقة، وبكشف كل المجرمين، وباقالة كل المسؤولين قبل ان يتسلموا اية سلطة او اية حقيبة». فيما اعتبر رئيس المنبر الديمقراطي حبيب صادق ان «لا خلاص للبنان الا بوحدة بنيه وحرية قرارهم». اما عضو «لقاء قرنة شهوان» جبران التويني فقد طالب بـ «الحقيقة والسيادة الحقيقية والاستقلال بلا مخابرات ولا عسكر ولا حكومة ظل».

وخاطب عضو كتلة جنبلاط النائب اكرم شهيب المتظاهرين قائلاً: «الحقيقة سنبقى نطلبها لاننا نعرفها ونريد ان تصبح معلنة امام الجميع هنا وفي كل العالم. انتم قوة ديمقراطية، حوارية، تتمسكون بآمالكم من اجل ان يكون لنا وطن، لا تتنكس فيه اي مرة اعلام لبنان».

وقال اللواء نديم لطيف باسم «التيار الوطني الحر» الذي يرأسه العماد ميشال عون: «لن يكون بيننا منذ اليوم عبيد يبيعون انفسهم في اسواق النخاسة طمعاً بمنصب مهما علا، او استدرار لرضى اي قريب او بعيد. لن يكون في امكان احد بعد اليوم ان يحرضنا على بعضنا البعض تحت ذرائع واهية».

وشدد النائب بيار الجميل على «ضرورة ان يكون الانسحاب السوري من لبنان كاملاً»، فيما طالبت عضو كتلة الحريري النائبة غنوة جلول بـ «اسقاط التقصير والاهمال والتخاذل، واسقاط الحكومة الخفية وكل صوت لا يعبر عن صوت الشعب اللبناني الواقف في ساحة الحرية». وانتقد عضو كتلة الحريري النائب عاطف مجدلاني التعاطي «غير المسؤول للسلطة مع الجريمة». فيما طالب النائب بطرس حرب بمعرفة «من قتل رفيق الحريري ولماذا وكيف» معتبراً ان لبنان «يعيش بجناحين وعندما نطالب جميعاً باستقلال لبنان عندها لبنان يعيش». واكد النائب ميشال فرعون «رفض الوصاية وحكم المخابرات والمافيات».

وشدد النائب محمد حجار على ان «الحقيقة لن تتحقق الا بلجنة تحقيق دولية». وطالب عميد الكتلة الوطنية كارلوس اده باستقالة الرئيس لحود «لنختار معاً رجل دولة يهتم هو بالرذيل والرذالة» (في اشارة الى كلام الرئيس لحود حول جريمة اغتيال الحريري). واعتبر النائب فارس بويز ان الحكم «غير موجود». فيما قال عضو لقاء قرنة شهوان فريد الخازن «نعم لسفارة للبنان في سورية ولسفارة سورية في لبنان»، مؤكداً على «علاقات حسن الجوار مع سورية». ورأى رئيس حزب الوطنيين الاحرار دوري شمعون ان المعارضة ربحت «معركة اخراج سورية ولكنها لم تربح الحرب. الحرب ضد الحروب، ورواسبها ومن اجل بناء وطن صالح لجميع ابنائه»، فيما رفض رئيس حركة اليسار الديمقراطي الياس عطا الله «دولة المخابرات والوجود العسكري السوري ومخابراتها في لبنان».

واكد النائب غازي العريضي (كتلة جنبلاط) ان المعارضة «لا تراهن على الخارج ولا تستقوي بالخارج» رافضاً «القرار 1559 وتجريد المقاومة من السلاح»، مؤيداً «حواراً وطنياً مع اخواننا في المقاومة حول كل الهواجس التي يعيشها عدد كبير من اللبنانيين».

ثم تحدثت النائبة بهية الحريري فألقت كلمة عاهدت فيها شقيقها الرئيس الراحل «بأننا لن نسمح لاحد ان يعبث بوحدتنا وارادتنا بالمضي في مسيرة المستقبل التي رسمت لنا. وبأننا جميعاً سنقاتل من اجل لبنان السيد الحر المستقل ولن نتقاتل عليه، وليكون لبنان كما اردته للجميع وفوق الجميع وطناً للحياة». ورأت ان «المسؤولية تقتضي ان يكون العقلاء في مقدمة الناس وليس فوقهم». وناشدتهم ان «يرفعوا الصوت عالياً في وجه من يسعى الى الفتنة ومن ينظر لها وخصوصاً من المسؤولين الذين تحولوا الى مراسلين يتحدثون عن خلافاتنا وانقساماتنا وهشاشة وحدتنا واقتتالنا فيما بيننا». واضافت: «اننا نقول لهؤلاء ارحموا المسؤولية التي انيطت بكم من عبئكم عليها، وان الشعب اللبناني بكل اطيافه وفي كل مناطقه وكذلك تياراته الواعية والتي صنعت جميعاً معجزة الوحدة والبناء والتحرير سوف تسقط ادعاءاتكم واوهامكم. وان دعوة الاحرار للانكفاء والاختباء في بيوتهم لترك الساحات لاصحاب الرذالات والسوابق، ان اللبنانيين الاحرار لن يرهبهم الرذال».

واكدت الحريري اننا «لن نتخلى عن قوى المعارضة جميعها من دون استثناء، فهم اصدقاء وحلفاء، واني اضع يدي بيد كل واحد منهم فرداً فرداً لنتعاهد بأننا سنمضي معهم فيما توافقنا عليه»، مؤكدة اننا «لن نرضى الا بلجنة تحقيق دولية سبيلنا الى الحقيقة».

ووصفت الحريري شقيقها بـ«شهيد الطائف والوفاق الوطني» معتبرة انه سعى الى هذا الوفاق «متجاوزاً حواجز النار والقتل والدمار، حدود الطوائف والقبائل داعياً الى الحوار والتلاقي». وقالت «ان هذا الاتفاق الذي يجمع عليه اللبنانيون اليوم نعاهدك بأننا لن نتنازل عن اي حرف فيه، وسنعيد الاعتبار والقداسة الى بنوده التي استبيحت وحرقت. نعاهدك بأننا خلال الايام المقبلة سنعلن عن لجنة متابعة وطنية لتطبيق اتفاق الطائف تمثل جميع اللبنانيين، لتتحول هذه الوثيقة مجدداً من شعار نرفعه في المناسبات الى حقيقة واقعة». واضافت قائلة «لن نعود الى نقطة الصفر التي يراد لنا ان نعود اليها، لأن الحوار قد تم ووثيقة الوفاق الوطني (الطائف) اصبحت دستوراً، وان عملنا الآن هو البحث في كيفية تنفيذ ما اتفقنا عليه وليس البحث عن اتفاق جديد. لم تكن ايها الرئيس الشهيد من ضمن الموقعين على هذا الاتفاق بل كنت من معديه وحاضنيه مع خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين. اما الآن وبعد ان وقعته بدمائك الزكية وشهادتك فإننا لن نتنازل عن تطبيقه مهما كانت التحديات». واكدت بـ«أننا سنبقى اوفياء لعروبتنا ولكل قضايا العرب التي أمنت بها وعملت من اجلها وفي مقدمها قضية العرب الاولى، قضية الشعب الفلسطيني الذي ما يزال متمسكاً بتراب وطنه وحقه في العودة وبناء دولته وعاصمتها القدس الشريف». واشارت الى ان الرئيس الحريري «ضحى بارادته وقناعاته وسار في عملية التمديد (للرئيس اميل لحود) وفاء للاشقاء ومنعاً لانكسارهم في لبنان». وتابعت: «مثلك لن يقول وداعاً سورية او شكراً سورية بل الى اللقاء دوماً مع الشقيقة سورية لأن الاشقاء لا يتباعدون ولا يتحاسبون.. وسوف نكون الى جانب سورية، كما كنت دائماً الى جانبها. وسوف نقف معها حتى تحرير ارضها واستعادة سيادتها على الجولان المحتل».

واكدت الحريري «عدم التراجع في المطالبة باقالة رؤساء الاجهزة الأمنية انتصاراً لارادة الشعب وحقه في محاسبتهم لئلا يستمروا في اعاقة التحقيق». وقالت: «وفاء لتضحياتك (رفيق الحريري) ولتضحيات الابطال المقاومين فإننا لن نضحي بأبطال التحرير المقاومين ولا بصمود اهلنا ولا مقاومة اهلنا وصمودهم تحت القهر والاحتلال في الجنوب والبقاع الغربي واننا نتمسك بهذا الانجاز الكبير الذي شرّف اللبنانيين جميعاً واحتضنوه وتوحدوا حوله ورفضوا استهدافه وشرعت حق اللبنانيين لمقاومة المحتل واسترداد سيادتنا على ارضنا».

وتوجهت الحريري الى الرئيس الحريري بالقول: «ان اسرتك وتيارك ومحبيك وأهلك في صيدا كل صيدا عاصمة الجنوب عاصمة المقاومة والتحرير وكل اللبنانيين معهم سيحافظون على هذا التحرير واننا هنا نمثل ايضاً دولة رئيس (مجلس النواب) نبيه بري وسماحة (الامين العام لحزب الله) الشيخ حسن نصر الله وكل المقاومين الوطنيين من احزاب وافراد وانهم معنا هنا لأنهم في قلوبنا ووجداننا وسطروا لتاريخنا صفحات مشرقة بيضاء ستعتز بها اجيالنا المقبلة واننا مصرون بأن نبني معهم مستقبل لبنان».