المراسلون الأجانب وصفوا المظاهرة بـ«انقلاب سلمي» بالأبيض والأحمر

TT

حمل اليوم الثلاثون بعد جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مشهداً لا مثيل له في تاريخ لبنان. فقد جاء رد قوى المعارضة على تجمع «حزب الله» والقوى والاحزاب الموالية لسورية الثلاثاء الفائت، ليظهر قدرة هذه القوى على اخراج الاكثرية الساحقة من بيوتها وقراها وجبلها وبقاعها وشمالها وجنوبها، وذلك من دون «تكليف شرعي» او تعبئة حزبية منظمة او استعانة بحافلات من خارج الحدود اللبنانية.

النداء كان كافياً ليصبح الحشد مستعصياً على الاحصاء، ليس في ساحة الشهداء قرب ضريح الراحل الكبير وساحة رياض الصلح المجاورة لها فقط، وانما في مساحة طاولت معظم الاحياء والمناطق المحيطة بوسط العاصمة وصولاً الى مداخلها حيث توقف السير على الاوتوسترادات.

المشهد على الارض لم يكن يحتاج الى وصف لكنه من سطح احد الابنية المتاخمة للوسط بدا مذهلاً: غابة من البشر والاعلام اللبنانية.

«انه انقلاب سلمي بالابيض والاحمر». هكذا وصفت مراسلة اذاعة اوروبية مفعول الحشود، فيما بدا مراسل CNN برنت سادلر مأخوذاً بالمشهد الذي كان يراقبه من شرفة الطابق الأخير من المبنى نفسه. قال لمن معه: «غير معقول»، جلس على حافة الشرفة متأملاً الحشود، وكأنه غير مصدق. مراسل التلفزيون البلجيكي فيليب لامير قال: «ان هذا التجمع يفوق بضعفين على أقل تقدير تجمع الثلاثاء الماضي، اذا حسبنا فقط المساحة التي خصصت لهذا الاخير. فالمعارضة اجتاحت الساحتين والبلد كله. المقارنة لم تعد ممكنة». ثم سأل: «هل يعقل ان لا تؤدي هذه الحشود الى تسمية احد غير عمر كرامي (الرئيس المكلف تشكيل الحكومة). يبدو المسؤولون عندكم في مكان بعيد عن الشعب».

جندي من الجيش اللبناني قال: «انا في هذا المكان منذ شهر. ولكن لا يمكن الانكار ان هذا التجمع لا مثيل له».

الاعداد للمظاهرة بدأ بتقديم حبوب مرطبة للحنجرة الى المتظاهرين ومياه للشرب ولم ينته بتأمين مستشفى نقال للحالات الطارئة، اضافة الى تأمين مكان للأطفال حتى لا يضيعوا. قال شاب مقبل من البقاع: «لم نعد اولاد مناطق او طوائف او احزاب صرنا لبنانيين»، مضيفاً «تعرضنا الى التهديد لكننا حضرنا منذ الصباح الباكر. نحن لا نكره سورية لكننا لا نريد تدخلها في بلادنا». وقال آخر جاء من كسروان مع عائلته: «لم افكر يوماً اني سأصطحب بناتي الى مظاهرة. وانا لا ارد على مظاهرة الثلاثاء لاني لا افرق بين مسلم ومسيحي».

الشعارات هذه المرة جاءت رصينة وغير استفزازية بالقدر الذي كانت عليه سابقاً، ولكنها تحمل رسالتها وهي معرفة حقيقة من قتل الحريري والمطالبة بالسيادة والحرية والاستقلال، مع التشديد على انتقاد رئيس الجمهورية اميل لحود ومطالبته بالاستقالة، فإحدى اللافتات كتبت عليها عبارة «يا ليتك سبحت وما حكيت يا اميل»، واخرى جاء فيها «قدرنا البقاء وقدرهم الرحيل» و«من اجل الحقيقة نحن هنا» و«لم يعد حيّ فينا الا لبنان» و«نحن نطلب استقالة لحود لأنه لم يحم الوطن، عليه ان يرحل مع الجيش السوري»، و«لبنان واحد لا لبنانان» و«رذالة أم غزالي» (في اشارة الى وصف الرئيس لحود جريمة اغتيال الحريري بأنها رذالة وفي اشارة اخرى الى رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية رستم غزالي).

وقالت صبية من بيروت: «نحن لسنا عنصريين نحن نكره العنصرية ونحن شعب مسالم ولكن نرجو الجيش السوري ومخابراته ان يخرجوا من لبنان».

كل شيء توقف في بيروت ما عدا الحشود التي راحت تتدفق منذ ليل امس وساعات الصباح الاولى، قال احد الخطباء عبر مكبر الصوت: «انتشروا في الشوارع والساحات تستطيعون التجمع في ساحة رياض الصلح، تستطيعون ان توحدوا الساحتين». قال احد المصورين: «هذه خاتمة المظاهرات من يجرؤ بعد اليوم ان يتكلم عن «الزوم ان» و«الزوم اوت» من يستطيع ان يحشد مثل هذا التجمع. واذا كان الحديث عن النوعية جائزاً فقد قضت المعارضة على الموالاة لسورية بالضربة القاضية كماً ونوعاً».

النائبة غنوة جلول خطفت الاهتمام، وكانت «نجمة» التجمع عندما قالت مخاطبة الرئيس الشهيد: «اشتقنا لك، اشتقنا الى صوتك تقول لنا: «زي ما هيّ». جئنا نقول للذين اغتالوك: رفيق الحريري بنى وانعش الاقتصاد وحمى المقاومة وعلم ابناء هذا الشعب، وهم خونوه وحاولوا تفشيله وحاولوا تحجيمه ثم اغتالوه لكننا كلنا رفيق الحريري». وأشاد رئيس مجلس النواب نبيه بري بالكلمة التي ألقتها النائبة الحريري في المتظاهرين فقال «لقد جمعت الأخت بهية في كلمتها المسؤولة بين كل المظاهرات والاعتصامات، وبالتالي عبرت عن لبنان كله».