تراجع الإنفاق الأميركي على برامج دعم الديمقراطية في مناطق العالم باستثناء الدول الإسلامية

TT

أشاد الرئيس الاميركي جورج بوش خلال الاسابيع التي تلت الانتفاضة التي اطاحت الحكومة الفاسدة في اوكرانيا بما يسمى بـ«الثورة البرتقالية» كدليل على زحف الديمقراطية، ووعد بتخصيص 60 مليون دولار اميركي للمساعدة في تأمين الديمقراطية الوليدة في كييف، إلا ان اعضاء الكونغرس عن الحزب الجمهوري اعترضوا على هذا المبلغ وقررا خفضه الى 33.7 مليون دولار. ويشير تراجع الالتزام المالي الاميركي ازاء دعم الديمقراطية في اوكرانيا الى الهوة الواسعة بين الاحاديث والتصريحات وبين الموارد المتوفرة.

وخصصت الادارة الاميركية مبالغ جديدة لـ«دعم الديمقراطية» في الدول الاسلامية من دون بقية الدول، فقد خفضت إدارة بوش ميزانيات مخصصة لمجموعات ومنظمات تعمل لبناء وتعزيز المجتمع المدني في روسيا ودول شرق اوروبا وآسيا، حتى في ظل تراجع موسكو عن الديمقراطية واستمرار حكومات قمعية في الحكم في دول مثل الصين وبورما واوزبكستان.

وتقلص تمويل الصندوق الوطني للديمقراطية خلال العامين الأخيرين باستثناء الدعم المخصص لدول الشرق الأوسط، فيما تراجع دعم برامج بناء الديمقراطية بنسبة 38 في المائة في اوروبا الشرقية و46 في الاتحاد السوفياتي السابق خلال رئاسة بوش، فيما لم تعد تتسلم اذاعات راديو اوروبا الحرة وراديو الحرية وراديو آسيا الحرة مبالغ كبيرة كما كان عليه الحال في السابق. وقال لورن كرانر، الذي عمل حتى وقت قريب مساعدا لوزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحق الانسان والعمل، ان التغيير الذي طرأ على الأولويات جاء نتيجة منطقية لأوضاع عالم ما بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، حيث باتت تعتبر قضية ترقية ودعم الديمقراطية في المجتمعات المسلمة وسيلة لمكافحة الارهاب. وأضاف كرانر قائلا ان الناس في مناطق اخرى ظلوا يرددون خلال عامين او ثلاثة بعد هجمات 11 سبتمبر ان الولايات المتحدة لا تخصص لهم الاهتمام الذين يستحقونه، ويعتقد كرانر ان هذا انتقاد صحيح مما دعا واشنطن الى انتهاج سياسة جديدة في هذا الشأن إزاء الشرق الاوسط. وأضاف قائلا ان الشرق الاوسط استحوذ بعد هجمات 11 سبتمبر على الكثير من الوقت والاهتمام الذي كان من المحتمل ان يوجه الى مناطق اخرى، ويرى ان هذا امر ايجابي بصورة عامة، مؤكدا الحاجة الى تخصيص المزيد من الاهتمام للشرق الاوسط. كما قال كرانر ان التركيز على العراق سيكون عاملا حاسما في ايجاد نموذج للمناطق الاخرى، وأضاف قائلا ان نموذج العراق اذا لم ينجح فإن الكثيرين سيتساءلون: «هل هذا ما تقصدونه بالديمقراطية؟».

من جانبه قال توم مالينويسكي، مدير منظمة هيومان رايتس ووتش بواشطن، ان دعم ومساندة الديمقراطية من جانب جورج بوش امر ايجابي، إلا ان ثمة فوارق كبيرة بين الدول والمناطق فيما يتعلق بالتزام ادارة بوش تجاه الديمقراطية. ويقول كرانر، الذي يترأس حاليا المعهد الجمهوري العالمي، ان المعهد والمعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية، وهما الوكالتان الرئيسيتان في الولايات المتحدة المسؤولتان عن تدريس الناشطين السياسيين كيفية إجراء انتخابات حرة ونزيهة، يخصصان نصف ميزانيتهما تقريبا للعراق والشرق الاوسط. ويرى مراقبون انه من الصعب قياس حجم إنفاق واشنطن على دعم الديمقراطية، لأن الأموال المخصصة لهذا الشأن موزعة على عدة برامج ومعظمها يأتي في صورة منح من الوكالة الاميركية للتنمية الدولية. وكانت جملة الأموال التي انفقتها الوكالة على برامج ترقية الديمقراطية ونظم الحكم قد وصلت إلى 671 مليون دولار عام 2002 وارتفعت إلى 1.2 مليار دولار العام الماضي، إلا ان معظم هذه الزيادة خصصت للعراق وافغانستان، علما بأن إنفاق الوكالة باستثناء هاتين الدولتين خلال عام 2004 كان حوالي 685 مليون دولار. وكان المعهد الوطني للديمقراطية، الذي يمول كلا من المعهد الجمهوري العالمي والمعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية، قد تلقى مبلغ 80 مليون دولار، أي ضعف ميزانيته لعامين سابقين، إلا الزيادة بكاملها (40 مليون دولار) خصصت لمبادرة بوش الخاصة بالديمقراطية في الشرق الاوسط. وتلقت إذاعة صوت اميركا زيادة في ميزانيتها وصلت الى 10 ملايين دولار خصصت لتوسيع البرامج لتشمل اللغات الفارسية والداري والاوردو والبشتو الموجهة للمستمعين المسلمين غير العرب. الاذاعات الاخرى التي تلقت زيادة في ميزانياتها هي تلك الموجهة الى كوبا، اذ ارتفعت ميزانياتها من 27 مليون دولار الى 37.9 مليون دولار.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»