رئيس مجلس شورى : ما يجري في دارفور والشرق محاولة لاستعجال ثمرة اتفاقية السلام

قال إن «مزايدات قرنق» السياسية قصد منها كسب المعارضين للانتخابات المقبلة في السودان

TT

توقع رئيس مجلس الشورى في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان الدكتور عبد الرحيم علي زوال كثير من المشاكل التي تواجه الحكومة المركزية في إقليمي دارفور والشرق، بعد تنفيذ اتفاقية السلام التي وقعتها الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان مطلع هذا العام، مرجعا ما يجري الآن في هذين الإقليمين من توتر بأنه محاولة لاستعجال ثمرة اتفاقية السلام.

وطلب من الشعب السوداني تقدير ما يواجهه زعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق من صعوبات سياسية بعد توقيعه لهذه الاتفاقية التي حولته من قائد مليشيات إلى مسؤول في الحكومة، وأكد في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط»، ان الحكومة «لن تتنازل عن نسبتها التي حصلت عليها في مفاوضات السلام لأي قوى غير حليفة حتى لا تعرض الاتفاقية للخطر».

* كيف تنظر الحكومة السودانية للتحديات التي تواجه تنفيذ اتفاقية السلام التي وقعتها أخيرا مع الحركة الشعبية، ممثلة قي قضية دارفور واندلاع الأحداث في شرق السودان واحتمال تفجر الوضع في الشمال؟

ـ ما يجري في دارفور والشرق يعتبر من تداعيات اتفاقية السلام وآثارها الجانبية، وأنه غالبا ما يسقط جزء كبير من هذه المشاكل بعد تنفيذ الاتفاقية ومرور زمن كاف من تنفيذها، لان الاتفاقية تتضمن حلولا للقضايا الأساسية مثل قسمة السلطة وتوزيع الثروة والفيدرالية وغيرها من القضايا، وهناك اتفاق بأن تطبق كل هذه الأشياء على بقية الولايات أي أن الحكم الذاتي ليس للجنوب وحده وإنما سيطبق في كل ولايات السودان، وهذا يعني أن ما يحدث في دارفور والشرق هو محاولة لاستعجال ثمرة الاتفاقية مع الجنوب وإحساس لدى بعض الأطراف بأنه تمت تسوية مشكلة الجنوب من دون أن ينظر إليهم وهذا فهم خاطئ في تفسير المشكلة لان موضوع الجنوب يتعلق بإنهاء حرب، ويبدو أن الحكومة لم تقم بالدور المطلوب لتوضيح الاتفاقية لدى كل الأطراف.

ـ بدون شك هناك علاقة بين حركة تحرير دارفور وحركة قرنق حيث أن هناك أشياء كثيرة تدل على هذه العلاقة، وهي ليست محل إنكار من الحركة، وقد وعد قرنق باستخدام ما عنده من نفوذ على حركة تحرير دارفور بعد توليه منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية. أما بالنسبة للعلاقة ما بين حركة العدل والمساواة في دارفور والمؤتمر الشعبي، فهي علاقة تشهد بها قيادات تلك الحركة لأنها كانت قيادات معروفة في المؤتمر الشعبي، لكن الرأي المصرح به من حزب المؤتمر الشعبي هو أن هؤلاء دخلوا في هذه الحركة باختيارهم الشخصي وليس بإيعاز أو تحريض من المؤتمر الشعبي، وأن الموقف الصادر عن حزب المؤتمر الشعبي هو أنه يؤيد القضايا السياسية قي دارفور ولا يؤيد القضايا العسكرية، وهو موقف دبلوماسي في اعتقادي.

* هل اعتراف حركة قرنق بوجود علاقة بينها وبين حركة تحرير دارفور كان ضمنيا أم صريحا؟

ـ اعتقد أن الاعتراف كان ضمنيا ولم يكن صريحا.

* يلاحظ أن الحركة الشعبية ما زالت توجه انتقادات لاذعة لحكومة الخرطوم رغم التوقيع على اتفاقية السلام بما تتبعه من سياسات فما تفسيركم لذلك؟

ـ في الحقيقة يجب أن يقدر الناس أن قرنق يواجه صعوبات سياسية أهمها أنه تحول من قائد ثورة وقائد مليشيات شعبية إلى مسؤول في الحكومة والى قائد سياسي، لذلك فهو يعبر عن هذه المرحلة أحيانا بالكلام ليكافئ أو يعوض عن العمليات العسكرية التي كانت تشغل مؤيديه، ولذلك تبدو أحيانا في تصريحاته مزايدات سياسية القصد منها كسب المؤيدين وخصوم الحكومة وكل المعارضين. وبلا شك أن هذه المرحلة بالنسبة لقرنق هي مرحلة جمع أكبر حشد من المعارضين للحكومة حوله ليكسب بهم في الانتخابات المقبلة.

* هناك مخاوف لدى كثير من السودانيين من حدوث انتكاسة لاتفاقية السلام ما أسباب ذلك؟

ـ في تقديري إن هذه المخاوف طبيعية لأن المرحلة فيها نوع من المجهول، ومعروف أن المجهول دائما مخيف، وأن أهم هذه المخاوف هي أن الحركة الشعبية ستكون في موضع سلطة ولا يدري الناس أنها ستستخدمها بمسؤولية أم لا، والأمر الثاني هو أن هناك مليشيات مسلحة ستدخل الخرطوم وبالتالي يخشى الناس أن يحدث توتر كما حدث في مراحل مختلفة، ومن بين المخاوف أيضا هو ربما يستخدم الجنوب السلطة التشريعية المتاحة له في إعلان الانفصال حتى قبل الموعد المحدد، فكل هذه المخاوف مبنية على عدم الثقة، وهي مرحلة يراد تجاوزها بالاتفاقية، فإذا وجدت الثقة فإن نصوص الاتفاقية كافية جدا لضمان قيادة المرحلة بما يمنع أي انفجار أو أي تخلف عن تنفيذ الاتفاقية.

* هناك رأي متداول مفاده أن هناك ضغوطا غربية مورست على الحكومة أدت إلى تنازلات كبيرة لصالح الحركة؟

ـ لا أعتقد أن الحكومة تعرضت لضغوط أثناء مفاوضاتها مع الحركة الشعبية، وأظن أن المراقبين وأصدقاء الإيقاد كانوا أذكياء عندما امتنعوا عن الدخول في أي تفاصيل أثناء سير المفاوضات وتركوا حسم هذه القضايا للمفاوضين من الجانبين، وفي الحقيقة أن المفاوضين لم يجدوا صعوبة في التوصل لتسوية المشكلة من دون تدخل من جهة خارجية أو غيرها بل أن معظم القضايا تركت للجان الفنية ثم بالتفاوض تم التوصل إلى النسبة التي حصلت عليها كل من الحكومة والحركة.

* يرى البعض من أهل شمال السودان أن إسناد وزارة الخارجية للحركة الشعبية قد يؤدي إلى إضعاف علاقات السودان العربية والإسلامية بل قد يسيء لها من خلال تطوير علاقاتها السابقة مع الدوائر الغربية المعادية للإسلام؟

ـ في نظري أن الحركة الشعبية ستكون عاقلة جدا إذا جاءت بشخص عاقل لهذه الوزارة لأنها وجدت فرصة لأول مرة في تاريخ السودان لتنال حقيبة مثل الخارجية، فإذا أساءت استخدامها من خلال الإساءة إلى علاقات السودان في العالمين العربي والإسلامي، أو سلكت سلوكا لا يتماشى مع السياسة الخارجية للحكومة، فهذا سيسيء للحركة أكثر مما يسيء للحكومة، وعندئذ ستكون هناك معالجات للموضوع. ولكن أتوقع أن يحدث العكس لان التحدي الذي يواجه الحركة هو أنها ستحاول أن تثبت أنها قدر المنصب، وأنها قادرة على حمل سياسة متوازنة تمثل وجه السودان الذي هو وجه معقد، فالسودان له علاقات أفريقية متميزة وله علاقات عربية قوية لا يفرض فيها من خلال عضويته في الجامعة العربية، وله علاقات إسلامية راسخة فهو عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، وليس في اتفاقية السلام أبدا أي اتفاق يدعو إلى التقصير في أي من هذه العلاقات. أما بالنسبة لعلاقات الحركة مع الغرب، فالأخير الذي دعم الحركة الشعبية طوال هذه الفترة سيشاهد نتيجة ثمرة الاتفاقية التي ساعد على التوصل إليها، ومن هذا المنطلق، فأظن أن الحركة الشعبية ستختار وزيرا ناجحا لهذه الوزارة.

* فسر كثير من المراقبين اتفاقية السلام بأنها شراكة سياسية بين المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية، وأنها تؤدي بشكل أو آخر إلى ممارسة شمولية في الحكم بدليل ما حدث من إقصاءات للقوى السياسية الرئيسية في السودان مثل حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي وغيرهما من أحزاب الشمال والجنوب؟

ـ لم يتم إقصاء أو تجاوز أحد في هذه الاتفاقية، فالاتفاقية تمت بين الحكومة والحركة الشعبية، وكان الغرض منها إيقاف الحرب في الجنوب، أما فيما يتعلق بتفاصيل الاتفاقية فقد عرضت على القوى السياسية في الشمال والجنوب، كما كان هناك اتفاق يتيح لقرنق إشراك أحزاب التجمع الوطني المعارض، إذا أراد، في وفده المتفاوض لكونه حليفا معه. وفي المقابل يمكن للحكومة إذا أرادت أن تشرك حلفاءها من الشمال والجنوب في تلك المفاوضات، ولكن من الحكمة أن المفاوضات اقتصرت على الوفدين فقط لأنه كان من الممكن أن يؤدي تعدد الوفود إلى تعقيد عملية التفاوض وجعل من الصعب جدا الوصول إلى اتفاق خاصة ان الصيغة المتبعة في كل الاتفاقات الدولية هي أن يكون التفاوض ثنائي الشكل بين الطرفين الأساسيين. أما فيما يلي توقيع الاتفاقية أو الوصول إلى اتفاق إذا كانت الأطراف الأخرى تريد أن تشارك في المرحلة المقبلة، فالحكومة فتحت الباب لهذا الاحتمال بكل الوسائل الممكنة.

* هل هذا يعني أن لديها الاستعداد للتنازل عن جزء من نسبتها التي حددت في الاتفاقية؟

ـ أعتقد أن هناك حوارا جاريا الآن حول هذا الموضوع بين الحكومة والأحزاب الأخرى، لكن طبعا سيكون من الصعب على الحكومة أن تتنازل عن النسبة القليلة التي أحرزتها في المفاوضات مع الحركة الشعبية، فهي لا تستطيع أن تقسمها إلا مع حليف لها في الحكومة، لانه إذا ما أضعفت نسبتها ربما يكون تنفيذ الاتفاقية نفسه في خطر لان الحكومة في هذه الحالة لن تستطيع تحمل مسؤولية القرارات المتعلقة بتنفيذ الاتفاقية.

* هل تسلمت الحكومة السودانية أسماء الأشخاص الذين تتهمهم الأمم المتحدة بارتكاب جرائم في دارفور وما موقف الحكومة لتسوية هذه القضية؟

ـ ليس لدي علم بأن الحكومة تسلمت فعلا أسماء الأشخاص الذين يُتهمون بأنهم ارتكبوا جرائم في دارفور والبالغ عددهم 51 شخصا، لكن موقف الحكومة هو أن أي متهم يقدم إلى محاكمة، وأن يتم ذلك في القضاء السوداني لان السودان بلد له سيادة وقضاء، وهو ذات الموقف الذي يوافق عليه المؤتمر الوطني الحاكم.