البحرين: الحكومة تمنع مسيرة «الإصلاح» وجمعية الوفاق تصر على تنظيمها اليوم

تحذيرات قوية من أن «التحشيد الطائفي» يضع البلاد «على فوهة مدفع»

TT

تصاعدت الأمور بشكل مفاجئ بين الحكومة والمعارضة البحرينية قبيل 24 ساعة من انطلاق المسيرة «الضخمة» التي دعت إليها المعارضة للمطالبة بالتعديلات الدستورية، ففيما أعلنت وزارة الداخلية أنها لم توافق على الطلب الذي قدمته جمعية الوفاق للقيام بالمسيرة، تحدت المعارضة بقيادة جمعية الوفاق الوطني الإسلامية قرار الحكومة، وأعلنت أن المسيرة ستجرى في موعدها، في الوقت نفسه، شن المحامي عبدالله هاشم رئيس التجمع الديمقراطي (قوميين) وأحد الرموز السياسية في البحرين، هجوما شرسا على منظمي المسيرة وهم أعضاء جمعية الوفاق الوطني الاسلامية، متهما إياهم بـ«الحض على الطائفية بين أفراد الشعب البحريني»، ودعا العلماء إلى اتخاذ موقف ضد تسيير هذه المسيرة، وقال لـ«الشرق الأوسط» العقيد راشد محمد بوحمود القائم بأعمال مدير الشؤون القانونية بوزارة الداخلية، إن عدم الموافقة على السماح بالمسيرة يأتي لسببين، الأول قانوني وهو عدم اتخاذ الجهة المنظمة للمسيرة الاجراءات القانونية التي ينبغي الالتزام بها في مثل هذه الحالات، فيما يكمن السبب الآخر الذي اعتبره العقيد بوحمود بالموضوعي، في صلاحية رئيس الأمن العام إلغاء المسيرة إذا ما كانت تسبب الاخلال بالأمن العام في البلاد. وشدد على أن تعامل وزارة الداخلية مع المسيرة في حال إقامتها سيكون «في إطار القانون»، مبينا أنها ستعتبر مخالفة قانونية تستلزم التعامل معها في هذا الإطار. وحول تأخر وزارة الداخلية في الرد حتى قبل أقل من 24 ساعة من قيام المسيرة، قال بوحمود إن النظام يحدد 6 ساعات كحد أدنى للرد على الطلب، في الوقت الذي تم ابلاغ المنظمين قبل وقت كاف.

واعتبر بوحمود أن هذه الممانعة جاءت بسبب «الظروف الأمنية الراهنة التي تمر بها المنطقة وحفاظا على السلامة الوطنية لعدم التورط في مسيرات ومسيرات مضادة من شأنها الإخلال بالأمن والنظام العام والإضرار بالاستثمارات والنشاط الاقتصادي ومصالح المواطنين». وأفاد بأن المنظمين لم يلتزموا بالشروط المنظمة لمثل هذه المسيرات، وقال إنه تم «توجيه النصح المخلص بالعدول عن تنظيم مثل هذه المسيرة مع التأكيد على استمرار حرية ووسائل التعبير الديمقراطية أمام الجميع للإعراب عن وجهة نظرهم طبقا للحريات العامة التي كفلها الدستور وان يكون بحث كل ما يتعلق بالدستور في إطار مجلسي الشورى والنواب وبالإجراءات القانونية المتعارف عليها».

وأهابت وزارة الداخلية بالمنظمين أن «يتفهموا أسباب عدم السماح بالمسيرة والظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد والمنطقة وان يتعاونوا من خلال وقف أية إجراءات أو أعمال أو أنشطة بشأن تنظيم المسيرة أو الدعوة لها وتلافي كل ما من شأنه ان يضر بالمصلحة العامة أو يخل بالأمن والنظام العام».

من ناحيته، عقد مجلس إدارة جمعية الوفاق الوطني الإسلامية اجتماعا عاجلا مساء أمس بحضور أعضاء من المؤتمر الدستوري وشخصيات سياسية للتشاور حول خطوة الجمعية المقبلة على ضوء رفض وزارة الداخلية التصريح بالمسيرة. ورجحت مصادر مطلعة أن يتم إلغاء المسيرة تحسبا لأية مواجهات محتملة مع الحكومة، خاصة مع قرب استضافة البحرين لسباق الفورميلا 1 في الأول من الشهر المقبل.

وفي السياق نفسه، قال المحامي عبدالله هاشم رئيس التجمع الديمقراطي لـ«الشرق الأوسط» إن هذه المسيرة لا تقوم بها المعارضة البحرينية كما يود البعض تصويرها وإنما جمعية الوفاق الوطني الاسلامية بالتحديد، واصفا هذه المظاهرة بأنها «عمل طائفي بحت لا يمت إلى الاصلاح الاجتماعي بصلة»، وان المطالبة بالتعديلات الدستورية «تأتي? ?على أرضية اجندة التسيد الطائفي»، مشيرا إلى أن دعاوى منظمي المعارضة برفع العلم البحريني فقط دون اعلام الدول الأجنبية «لا يغير من البناء الثقافي لمن دعا إلى رفعه»، مضيفا أنه منذ اسابيع فقط رفعت صور لزعامات سياسية? ?غير بحرينية واعلام تمثل كيانات سياسية? ?غير بحرينية. وقال إن ذلك «كان يمثل استفزازا صريحا للطائفة الأخرى في البحرين (الطائفة السنية)». وهاجم هاشم جمعية الوفاق الوطني الاسلامي متهما إياها بأنها «حزب سياسي مشكل من طائفة واحدة وجميع أعضائه من نفس الطائفة (الشيعية)».

وتأتي تصريحات رئيس التجمع الديمقراطي على خلفية تنظيم المعارضة البحرينية قبيل رفض وزارة الداخلية طلب تنظيم المسيرة المعارضة تحت شعار «الاصلاح الدستوري أولا» للمطالبة بتعديل الدستور، حيث حشدت الأمانة العامة للمؤتمر الدستوري والتي تمثل المعارضة بجمعياتها الأربع المقاطعة للانتخابات، بقيادة جمعية الوفاق الاسلامية، طاقاتها من أجل خروج أكبر عدد ممكن من مناصريها في منطقة سترة ذات الأغلبية الشيعية.

وعاد عبدالله هاشم للتأكيد على أن توقيت ومكان المسيرة يزيد من الشكوك حول طائفيتها، معتبرا أن اختيار منطقة (سترة) بالتحديد «يبين الأهداف الحقيقية لجمعية الوفاق»، متسائلا عن أسباب عدم التنسيق مع الجمعيات الأخرى من الطائفة السنية في هذه المطالب الدستورية، التي يراها هاشم ضرورة في مظهرها، ولكنها كما يقول «تحمل الكثير من الغموض في ثناياها». وحذر هاشم مما أسماه بـ«التحشيد الطائفي»، معتبرا اياه أنه إطار خطر يضع البحرين في فوهة المدفع، وانتقد جمعية الوفاق التي تقوم بهذا التحشيد الذي قال إنه «يقود البلاد إلى صراعات طائفية تؤدي إلى أنهار من الدم بدلا من الذهاب بنا إلى ديمقراطية الأمن التي نسعى إليها جميعا». وقال هاشم إننا نتفق مع جمعية الوفاق في التعديلات الدستورية التي نطالب بها نحن أيضا، ولكن «من داخل المؤسسة الدستورية وليس بعدم الاعتراف بهذه المؤسسة أصلا»، مبينا أنه لا يمكن الحصول على كل هذه المكاسب من دون ان تكون بشكل متدرج حتى «نستطيع التقدم بالمجتمع البحريني ككتلة واحدة وليس بتقسيمه إلى جزءين».

ووفقا لهاشم فإن الوضع السياسي اللبناني والمظاهرات التي ظهرت بعد مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، «فتح شهية أفراد جمعية الوفاق الذين يعتقدون أنهم سيجدون مساندة مماثلة من الدول الاوروبية والولايات المتحدة والمنظمات الدولية على غرار ما حدث في لبنان»، مشيرا إلى أن الفرق كبير باعتبار أن هناك توافقا كبيرا لدى الشعب اللبناني بكافة اديانه وطوائفه في مواجهة وجود أجنبي، «بعكس ما يحدث في البحرين حيث بدت الأمور كأنها متجهة لتعزيز الطائفية أكثر منها للمطالبة بتعديلات دستورية»، مشيرا إلى أن المظاهرت والتحشييد تنفر الطائفة السنية، وتجعلها في حالة من الاستنفار والترقب الدائم بأنها مستهدفة من الطائفة الشيعية. وأعرب عن مخاوفه من حدوث مواجهات طائفية بين الشعب البحريني ومن الإضرار بالوحدة الوطنية إذا استمرت طريقة التحشييد كما هي من قبل جمعية الوفاق الوطني الاسلامية.

وكان كل من رئيس جمعية الوفاق الوطني الاسلامية الشيخ علي سلمان والدكتور عزيز أبل عضو أمانة المؤتمر الدستوري قد دعيا الحكومة البحرينية لـ«الالتزام بضوابط اللعبة السياسية والتحلي بروح الديمقراطية وسلمية التعامل مع من يحمل الرأي الآخر»، في إشارة للمسيرة التي من المقرر تنظيمها اليوم. وأكد الشيخ علي سلمان خلال ندوة نظمتها الأمانة العامة للمؤتمر الدستوري مساء أول من أمس، وأقيمت بأحد مآتم منطقة سترة التي كان من المخطط أن ستقام فيها المسيرة على تسخير كافة قدرات جمعية الوفاق من أجل ضبط المشاركين.

ومن جهته أعلن الدكتور عزيز أبل مسؤول التحرك الدولي بأمانة المؤتمر الدستوري عن وجود اتصالات مع أربع منظمات دولية متخصصة في الجوانب الدستورية والبرلمانية بالإضافة للسعي إلى التواصل مع عدد آخر من المنظمات غير الحكومية بعد ترجمة جميع الوثائق الدستورية وتوزيعها على مستوى واسع للمنظمات المتخصصة بالشأن الدستوري، وتزويد الصحافيين الأجانب الذين يزورون البحرين، فضلا عن إنشاء موقع إلكتروني متخصص.