محتجو قرغيزستان يسقطون النظام والمعارضة تتسلم مقاليد الأمور

قبل أن تداهمه الجماهير الغاضبة .. الرئيس عسكر أكاييف يفر خارج البلاد

TT

بيشكيك (قرغيزستان) ـ وكالات الانباء: في صورة مشابهة لسيناريوات الثورات البيضاء التي دهمت عددا من الأنظمة في جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا، اقتحمت المعارضة القيرغيزستانية امس، مسنودة بقوة جماهيرية، مبنى رئاسة الجمهورية في العاصمة بيشكيك، قبل ان تواصل زحفها نحو مبنى التلفزيون الذى سيطرت عليه في لحظات كان يبث فيها اغاني راقصة ، غير آبه بالحركة الاحتجاجية طيلة التجاذبات السابقة.

ووسط هذه الاجواء المفعمة بنصر المعارضة، دخل زعيم المعارضة القرغيزي كرمان بك باكييف وسط تصفيق وهتافات الحشد الى مبنى الرئاسة، تبعته زعيمة المعارضة الرئيسية الاخرى روزا اتوباييفا. وبعد ذلك مباشرة شرع المتظاهرون بإلقاء صور الرئيس عسكر اكاييف من النوافذ. وقبل ان تتواصل عمليات الاقتحام للمبانى الحكومية، غادر الرئيس القرغيستاني عسكر أكاييف مبنى الرئاسة فارا مع افراد عائلته على متن مروحية باتجاه حدود كازاخستان. وقالت مصادر اعلامية عديدة إن مروحية الرئيس هبطت في اراضي كازاخستان. وقد تأكد لاحقا ان اكاييف قد ترك كرسى الرئاسة شاغرا، بعد 14 عاما من الحكم المتواصل. ومع انه قيل ان الرجل ترك رسالة الاستقالة على مكتبه حين غادره ، إلا ان الاستقالة جاءت متأخرة جدا.

وأمام تقدم انصار المعارضة ، انسحبت قوات الامن المدججة بالسلاح والتي كانت طوقت في وقت سابق «البيت الابيض»، مقر الحكومة، في الوقت الذي تدفق فيه المحتجون على المبنى. وكان الجنود قد تمكنوا من صد محاولة أولى لمداهمة مبنى البيت الابيض الذي تحطم الكثير من نوافذه.

وسمع المراسلون في وقت سابق أصوات أعيرة نارية في العاصمة بيشكيك ، حيث اندلع قتال بين مؤيدي أكاييف وآلاف من المتظاهرين. ولم يتضح ما اذا كانت هناك اصابات، ولكن شهودا رأوا تعرض عدد من الاشخاص من الجانبين وكذلك رجال شرطة لضرب مبرح. وشوهدت برك من الدماء بعد القتال. ووضع الكثير من المتظاهرين شريطا باللونين الوردي والاصفر على أذرعهم، وهما اللونان اللذان أصبحا يعبران عن الاحتجاجات المناهضة لاكاييف. وكانت هناك مخاوف من احتمال خروج الوضع في البلاد عن نطاق السيطرة ، وبالرغم من الشعور البالغ بالسعادة السائد بين الحشود، فان المناخ العام لا يزال متوترا للغاية. وفى هذه الاثناء، وجهت المعارضة القرغيزية امس نداء الى الشرطة والجيش للانضمام الى صفوفها والتوصل الى حل سلمي للأزمة التي تمر بها هذه الدولة السوفياتية السابقة.

وقال الزعيم المعارض كرمان بك باكييف «اذا انضم جنرالات الشرطة الى صفوفنا سنتمكن من حل المشكلة بصورة سلمية». وكان باكييف يتحدث الى انصاره امام البيت الابيض في بيشكيك، مقر الحكومة والرئاسة الذي اقتحمه المتظاهرون. واضاف باكييف «حققنا هدفنا بعد ان سيطرنا على البيت الابيض. اشكركم لأنكم حافظتم على النظام».

وتعهد الزعيم المعارض البارز كرمان بك باكييف عقب تلك الاحداث باجراء انتخابات جديدة في قرغيزستان، وقال باكييف، الذي سبق أن تولى منصب رئيس الوزراء ثم برز كأحد الشخصيات الرئيسية في الاحتجاجات المناهضة لحكم الرئيس عسكر أكاييف، «سنرسي دعائم الامن والنظام. لن نسمح بالنهب. سنجري انتخاباتنا حتى نبدأ حكمنا». ولمح كينيش بك دوشباييف وزير الداخلية الجديد الذي عينه أكاييف، وهو ضابط شرطة سابق من المتشددين، الى أنه لن يتهاون مع أي احتجاجات لن تكون سلمية. وقال دوشباييف للصحافيين «نطلب من المحتجين ألا يدمروا وألا ينهبوا وألا يداهموا المباني والمتاجر الحكومية. لن أصدر أبدا أمرا باستخدام الاسلحة ضد المحتجين السلميين».

وتتاخم البلاد ، التي يسكنها خمسة ملايين نسمة ، الصين وتقع في منطقة غنية بالنفط تتنافس فيها واشنطن وموسكو على النفوذ. وتحتفظ القوتان بقواعد عسكرية خارج العاصمة.

وجاءت الاحتجاجات نتيجة مطالب من المعارضة بضرورة ابطال نتيجة الانتخابات البرلمانية التي أجريت في فبراير (شباط) ومارس (اذار) والتي هزمت فيها المعارضة التي قالت ان تلاعبا وقع فيها. وقال مراقبون دوليون ان الانتخابات تضمنت مخالفات.

وعرض عثموناكون ابراهيموف، أمين مجلس الدولة في قرغيزستان الاستقالة في مواجهة هذه الاحتجاجات. وينظر له على أنه العنصر الرئيسي الذي يصوغ ايديولوجية أقاييف، وهو شخصية مكروهة من المعارضة.

الى ذلك انتقدت روسيا بحدة تصريحات الاتحاد الاوروبي بشأن قرغيزستان وذكرت بان بيشكيك شريكتها في اطار اتفاقية للامن الجماعي. وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي ايفانوف «يجب الا ننسى ان قرغيزستان شريكتنا في اتفاقية الامن الجماعي. اعتقد ان المعارضة المزعومة ستكون حكيمة الى الحد الذي يسمح لها بالهدوء والتوجه الى الحوار السياسي». واضاف ان «تطورات الوضع» في قرغيزستان «تثير قلقي. ما يجري في جنوب البلاد تجاوز منذ فترة طويلة حدود الشرعية».

اما وزارة الخارجية الروسية فقد دعت الى «اعادة الشرعية» في قرغيزستان والى تطبيق الدستور في هذا البلد ، وذلك في بيان نشر امس. وجاء في البيان ان «الاحداث في قرغيزستان تثير قلقا شديدا»، وان «المشاركين في مظاهرات الشارع استولوا على مقر الرئاسة والحكومة. في مثل هذا الوضع من المهم جدا الدعوة الى اعادة الشرعية على الارض». وتابع البيان «من الضروري جدا ضمان تطبيق الدستور في اسرع وقت ممكن في قرغيزستان والامتناع عن اي عمل من شأنه تشكيل مخاطر على السلم الاهلي وإعادة فرض النظام». من جهته، انتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «الحكم غير السليم» الذي صدر عن الممثل الاعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي خافيير سولانا. وكان سولانا اكد ان الاوروبيين «قلقون من الا تكون الانتخابات البرلمانية لبت معايير منظمة الأمن والتعاون في اوروبا ولا معايير دولية اخرى في عدد كبير من المجالات». واضاف ان «هذا ما ادى الى تصاعد التوتر»، مبررا بذلك تحركات المعارضة.

يذكر ان موسكو اقامت منذ خريف عام 2000 قاعدة عسكرية جوية في «كانت» قرب بيشكيك، هدفها حماية جمهوريات آسيا الوسطى الاعضاء في اتفاقية الامن الجماعي. وقد وقع الاتفاق في 1992 بين روسيا وخمس جمهوريات سوفياتية سابقة ، من بينها قرغيزستان وطاجيكستان وكازاخستان، بهدف تعزيز الامن وخصوصا في مواجهة اي هجمات خارجية او خطر ارهابي.

وفى خضم هذه التطورات دعت منظمة الامن والتعاون في اوروبا الى تشكيل حكومة وحدة وطنية في قرغيزستان. وقال الويج بيتريلي المبعوث الخاص لمنظمة الامن والتعاون في اوروبا ان اعضاء الهيئة سيجتمعون مع زعماء المعارضة في وقت لاحق. ويقول بعض المراقبين ان شبح الحرب الاهلية قد بدأ يطل برأسه بعد تهديدات عديدة صادرة عن زعماء محليين من قوميات مختلفة داخل جمهورية قرغيزستان، وهي المخاوف التي ابدتها بعض الاوساط الروسية ايضا.