تقرير الأمم المتحدة ينقل عن شهود وقائع لقاء عاصف بين الأسد والحريري في دمشق

حديث عن «تكسير لبنان على رأسي الحريري وجنبلاط» * أنبوب ماء في موقع الجريمة «غسل» الأدلة * إهمال في تعقب «بيك آب» مرت قبل وقوع الجريمة بلحظات

TT

هدد الرئيس السوري بشار الأسد رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري بإلحاق «أذى جسدي» به، الصيف الماضي، إذا تحدى الهيمنة السورية على الحياة السياسية اللبنانية، الأمر الذي ساهم في خلق مناخ عنف ساهم بدوره في اغتيال الحريري و19 آخرين في 14 فبراير (شباط) الماضي، حسبما جاء في شهادات أوردها التقرير الذي أصدره فريق تقصي الحقائق التابع للأمم المتحدة أول من أمس.

والتقرير الذي يدعو إلى إجراء تحقيق دولي حول مقتل الحريري، وصف لقاء جرى في أغسطس (آب) الماضي في دمشق أمر فيه الأسد الحريري بدعم اقتراح تعديل الدستور اللبناني، وهو التعديل الذي تم إقراره يوم 3 سبتمبر (ايلول) وأتاح لإميل لحود، الرئيس اللبناني المدعوم من سورية، تمديد ولايته في الرئاسة ثلاث سنوات جديدة، حسبما جاء في شهادات أكثر من شخص واحد بحثوا موضوع لقاء دمشق مع الحريري.

وقال الأسد في هذا اللقاء إن «لحود يجب أن يُنظر إليه باعتباره ممثله الشخصي» في لبنان وإن «معارضته هي بمثابة معارضة للأسد نفسه»، حسبما ذكر التقرير. ثم حذر الأسد من أنه «يفضل تكسير لبنان فوق رأسي الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط» على أن يجد «كلمته تُكسر في لبنان».

واتهم الفريق الدولي الذي ترأسه بيتر فيتزجيرالد، نائب رئيس الشرطة في آيرلندا، السلطات اللبنانية الخاضعة لسورية بأنها أظهرت «عدم التزام واضح» في اجراء تحقيق موثوق به حول اغتيال الحريري من خلال التلاعب بالأدلة والفشل في ملاحقة اي مقاربة واعدة في التحقيق.

لكن فيتزجيرالد لم يتهم سورية وحلفاءها اللبنانيين بتفجير القنبلة التي يبلغ وزنها حوالي 1000 كلغم والتي سبَّبت مقتل منافس سياسي أساسي للأسد في لبنان، الا انه اتهم سورية «بتحمل المسؤولية الأولية عن التوتر السياسي الذي سبق» مقتل الحريري.

وقال فيتزجيرالد إن فريق التحقيق الدولي «سيحتاج إلى سلطة تنفيذية للقيام بالتحقيقات والتفتيشات ومهام أساسية أخرى»، لكنه أضاف أنه «لأمر مشكوك فيه» أن ينجح أي تحقيق دولي في الجريمة طالما بقيت المؤسسة الأمنية اللبنانية المدعومة من سورية في السلطة.

ويمكن اعتبار التقرير المكون من 20 صفحة، والذي قدمه كوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى مجلس الأمن الدولي أول من أمس، من أكثر الشهادات انتقادا لدور سورية في لبنان. وتحدث أنان هاتفيا مع الأسد ولحود لتحذيرهما من نتائج التحقيق.

وطرح فيصل مقداد مندوب سورية لدى الأمم المتحدة تساؤلات عن الحاجة إلى تحقيق دولي حول مقتل الحريري، قائلا إن المسؤولين اللبنانيين قادرون على إداء هذا العمل. ونفى مقداد أيضا أن يكون الأسد أو أي من المسؤولين السوريين قد لعبوا أي دور في مقتل الحريري. وأضاف مقداد «أستطيع أن أؤكد لكم أننا لا نعمل بهذه الطريقة».

وتعمقت الأزمة في لبنان بالموازاة مع مقاومة سياسية متصاعدة للهيمنة السورية للبنان الذي كان خاضعا للانتداب الفرنسي. وظلت سورية، التي أرسلت قوات إلى لبنان عام1975 تتخوف من حركة معارضة لبنانية لوجودها فيه، فالعديدون من كبار قياديي حزب البعث السوري يملكون مصالح اقتصادية وسياسية في لبنان. وكان الحريري يطرح وبشكل مستمر تلك المعارضة للنفوذ السوري في لبنان.

وواجه مسعى سورية لفرض تعديل على الدستور اللبناني السنة الماضية معارضة شديدة من الحريري ووجوه معارضة أخرى تسعى أن تكسب لصالحها السلطة. ودعم الحريري مع حزبه في نهاية المطاف تمديد ولاية الرئيس لحود. لكن السياسي اللبناني الشعبي ورجل الأعمال استقال على أثر ذلك احتجاجا على التمديد للحود ولعب دورا مهما في الحصول على دعم من الرئيس الفرنسي جاك شيراك، ومن الولايات المتحدة، لتبني قرار مجلس الأمن الذي صدر في 2 سبتمبر (ايلول) الماضي وطالب سورية بسحب قواتها البالغ عددها حوالي 20 ألف جندي ورجل استخبارات من لبنان.

وقال فيتزجيرالد إن المصادر التي تحدث معها أخبرته بأن «القيادة السورية حمَّلت الحريري شخصيا مسؤولية صدور القرار الدولي ضدها. وبالتأكيد فإن اغتيال الحريري وقع على خلفية صراعه مع سورية».

وقال التقرير إن عدد الحراس الحكوميين الذين كانوا يقومون بحماية الحريري خفض إلى ثمانية أفراد بعد أن استقال من رئاسة الحكومة اللبنانية على الرغم من استمرارا التهديدات على حياته. وقال فيتزجيرالد «فشل جهاز الأمن اللبناني في توفير حماية كافية للحريري».

وقال التقرير إن الحريري قُتل حينما مر موكبه فوق قنبلة موضوعة على الطريق خارج فندق السان جورج في وسط بيروت التجاري.

وبعد الاعتداء فشلت السلطات اللبنانية في المحافظة على الموقع وأزالت منه أدلة رئيسية بما فيها نقل ست سيارات من موكب الحريري، حسبما جاء في التقرير.

وفشلت الشرطة اللبنانية ايضا في إغلاق أنبوب ماء أغرق موقع الجريمة غاسلا أي دليل مهم. وقال فيتزجيرالد «الأدلة المهمة إما تمت إزالتها أو تم تدميرها بدون سجل».

كذلك اتهم التقرير المحققين اللبنانيين بإهمال تعقب شاحنة بيضاء «مشتبه فيها» من نوع «بيك آب» سبق أن ابطأت سرعتها في موقع الجريمة في اللحظة التي سبقت الانفجار. كذلك لم يقوموا باستجواب شهود محتملين، وهو فشل يعتبر بمستوى «الإهمال الشديد».

وشكك فيتزجيرالد بتلك التقارير التي قالت إن ناشطا أصوليا متطرفا، هو اللبناني أحمد أبو عدس، 22 سنة، كان حسب زعمه مسؤولا عن عملية الاغتيال. ووصف ابو عدس نفسه بأنه عضو من مجموعة ناشطة غير معروفة اسمها «جماعة النصر والجهاد» في سورية الكبرى. وجاء هذا الاعتراف في فيلم فيديو تم بثه عبر فضائية «الجزيرة».

وقال فيتزجيرالد إن «فردا لوحده أو منظمة إرهابية صغيرة» تفتقد القدرة علي تنفيذ هجوم بهذه المواصفات التي تتطلب «تمويلا هائلا ودقة عسكرية في تنفيذها مع دعم لوجستي ضخم».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»