سياسيون مغاربة يعرضون تصوراتهم حول تعديل الدستور

أمين عام حزب الاستقلال يدعو إلى انتخاب رئيس الوزراء

TT

توصل فاعلون سياسيون مغاربة، وأمناء عامون للأحزاب، الى شبه إجماع على ضرورة اعتماد تعديلات دستورية بتوافق مع المؤسسة الملكية. لكن الآراء تباينت في ندوة علمية رعتها اول من امس جمعية هيئات المحامين بالرباط، بخصوص الأولويات التي يجب وضعها على أجندة الاصلاحات المرتقبة. واختلف المشاركون حول أسبقية الاصلاحات، فمنهم من يطالب باستنفاد مضامين الدستور الحالي وبين من يؤكد على ضرورة القيام بمراجعة جذرية.

وقال عباس الفاسي، وزير دولة بدون حقيبة والأمين العام لحزب الاستقلال (مشارك في الحكومة) إن حزبه لا يكل عن المطالبة بتقوية مؤسسة رئيس الوزراء وتوسيع صلاحياتها حتى لا تظل مرتبطة فقط بالتدبير الفني للقضايا، بل تتحمل المسؤولية السياسية في مباشرة عملها، مشيرا الى أن ذلك لا يحد من صلاحيات المؤسسة الملكية التي تظل في نظره جد مهمة دستوريا، لكونها ضامنة لوحدة تراب المغرب، وموحدة المغاربة قاطبة باختلاف انتماءاتهم الثقافية والسياسية.

وأوضح الفاسي «أن حزب الاستقلال، لا يريد المواجهة مع الملك، بل يسعى كما هي عادته منذ بداية الستينات الى التوافق مع الملك حول الإصلاحات التي يجب أن تعتمد لخدمة تطور البلاد، وهو ما كان قد حصل مع الزعيم الراحل علال الفاسي الذي اقترح على العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني التصديق على اول دستور عام 1962، كشرط لمشاركة حزب الاستقلال في الحكومة». واستغرب الفاسي استمرار اعتماد مبدأ تعيين رئيس الوزراء بدل انتخابه، مما يؤدي الى خلل في أدوار السلطات، إذ لا يمكن محاسبته على سياسته بعد انتهاء ولايته، كما يحرم في ذلك التعيين أحزاب الغالبية من تطبيق برنامجها، لكون رئيس الوزراء لا يمثلها، مقترحا بدل ذلك انتخابه من الأحزاب الحائزة الغالبية في الانتخابات التشريعية كي تتم محاسبته هو والفريق الحكومي على نوعية السياسة التي باشرها.

وطالب الفاسي بحق الوزراء تسمية كتاب عامين (وكلاء وزارة) بدل أن يتم التعيين من جهات لا تخضع للمراقبة، لم يرد أن يسميها، تكون نتيجتها عدم احترام قرارات الوزير، وبالتالي إضعافه بالوزارة مما يعيق عمليا أي إصلاح، مضيفا أن تعيين مديرين للمؤسسات العمومية يعد مخالفا للدستور الحالي، لكونه يجرد الأحزاب من مسؤوليتها ويضعفها لصالح «التكنوقراط» الذين يضطرون الى مغادرة الأحزاب للوصول الى المناصب العليا.

وألح الفاسي على ضرورة إضافة فقرة جديدة في الدستور المغربي الحالي لتفعيل دور مجلس النواب ( الغرفة الأولى بالبرلمان) أثناء إعلان حالة الاستثناء، بمنحه صلاحية التشريع في القضايا التي لم يبن عليها الاستثناء، بدل تركه (البرلمان) قائما بدون عمل يذكر. وإعادة النظر في دور مجلس المستشارين، من حيث اختصاصاته وتركيبته، معتبرا أنه حاليا يعيق العمل التشريعي، لكونه يمارس نفس اختصاصات مجلس النواب.

وانتقد الفاسي ما سماها الهجمة الشرشة ضد الأحزاب، لتهميشها بدعوى أهمية جمعيات المجتمع المدني، التي حياها بالمناسبة على مجهودها، مشيرا الى أن معركة الاصلاحات الدستورية خاضتها الأحزاب السياسية برزانة، مذكرا بدور أحزاب الكتلة الديمقراطية، في هذا الشأن.

من جهته، جدد المحامي عبد الرحمان بن عمرو، من حزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي (يسار راديكالي معارض) التأكيد على أهمية إحداث المجلس التأسيسي من شخصيات معروفة بنزاهتها وكفاءتها في الفقه الدستوري لاعتماد التعديلات الدستورية بتشاور مع الفاعلين السياسيين وعرضها على استفتاء شفاف.

ودعا بن عمرو، الى تضمين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في الدستور، حتى لا يظل، حسب قوله، مسيجاً بالسرية من قبل واضعيه، مضيفا أن حزبه وبعض القوى الديمقراطية تسعى الى دستور ديمقراطي يحترم بالمطلق استقلال السلط بعضها عن بعض.

وانتقد بن عمرو اختيار رئيس الوزراء بدون سند انتخابي، واصفا إياه بالمتناقض مع المبدأ الديمقراطي، وقدم مثلا بحكومة إدريس جطو الذي عين عام 2002، مع انه لم يتقدم للانتخابات ولا يتوفر على حزب. وانتقد بن عمرو كذلك ما وصفه بسطوة وزير العدل على القضاء وعلى المجلس الأعلى للقضاء في التعيين والعزل، واعتبر تعيين الموظفين الكبار في المؤسسات العمومية غير دستوري لكونه يبيح الإفلات من العقاب في حالة ارتكاب خروق.

وانتقد محمد زيان، امين عام الحزب الليبرالي (يميني معارض) بحدة تشبث الأحزاب السياسية بما سماه شعارات القرن 20 التي لا تتوافق والتحولات العالمية في القرن 21، ملحا على ضرورة الحديث ليس عن استقلال السلط بعضها عن بعض، وإلا اعتبر ذلك استبدادا بل على أهمية توازن السلط ضمانا للديمقراطية.

وسخر زيان من الحديث عن المجلس التأسيسي لإعداد الدستور وتوسيع صلاحيات مؤسسة رئيس الوزراء، قائلا: «إن ملك المغرب لا يتوفر على سلطات واسعة تحرم رئيس الوزراء من ممارسة سياسته ولكنه يمارس الاختصاصات الواسعة لخدمة البلاد لضعف شخصيات رؤساء الوزراء بالمغرب، ولكون الرجل المناسب لا يوجد في المكان المناسب لتدبير الشأن العام» حسب قوله.

وطالب محمد الساسي، المنسق الوطني لجمعية الوفاء للديمقراطية (يسار راديكالي)، بضرورة إعداد دستور جد مفصل يتضمن الإشارة الى التيارات الجديدة كما هو الشأن في بلدان عدة ضمنها هولندا، مبرزا دور الجمعيات الحقوقية والبيئية، حتى لا تتغير السياسة في مجال حقوق الإنسان بتغير الحكومات.

وحث الساسي على أهمية تجاوز ما وصفه بـ«الازدواجية» في تدبير المجال التنفيذي بين المؤسسة الحكومية ومؤسسة المجلس الوزاري، مقترحا أن يتم التنصيص في الدستور على أن المغرب بلد اسلامي بدل دولة اسلامية حتى لا يخضع المغاربة لمنطق التصور الأصولي المستشري حاليا، والاحتفاظ بإمارة المؤمنين للملك كسلطة دينية رمزية للقيام بدور التحكيم، مطالبا السماح للعاملين في القضاء والأمن بإحداث إطار نقابي للدفاع عن حقوقهم.

وقال محمد بولامي، عضو المكتب السياسي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد (معارضة)، إن أي تعديل دستوري يجب أن يخضع لمنطق التوافق والتعاقد والملاءمة مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، موضحا أن الحكومة لوحدها حق تحديد السياسة العامة للبلاد كي تخضع للمساءلة إبان الانتخابات، والعمل علي ايجاد آليات دستورية لحماية المال العام من النهب والاختلاس. واقترح محمد العوني، عضو حركة المطالبة بدستور ديمقراطي والتي تضم ممثلي شبيبات الأحزاب، إحداث نظام جهوي ديمقراطي يتمتع بصلاحيات تدبير الشأن المحلي في استقلال عن السلطة المركزية.

وكان لعمر بريطل، من حزب التجمع الوطني للأحرار (مشارك في الحكومة) رأي مخالف، أكد من خلاله على ضرورة استنفاد مضامين الدستور الحالي وتطبيقه بشكل سليم. وقال بريطل إن ما يواجهه المغرب من مشاكل على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية يتطلب الانكباب على الإصلاح السياسي وليس الدستوري.