مسؤولون أميركيون بحثوا مع معارضين سوريين استرتيجية لإضعاف النظام السوري

ساترفيلد يلح على أهمية تشكيل حكومة لبنانية تستطيع إجراء انتخابات نزيهة بوجود مراقبين دوليين

TT

علمت «الشرق الأوسط» من مصادر موثوقة في الخارجية الأميركية، أن لقاء غير معلن جمع أول من أمس في مبنى وزارة الخارجية، بين مسؤولين أميركيين يمثلون البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية، مع معارضين سوريين مقيمين في الخارج، لبحث وسائل إضعاف النظام السوري.

وأكد مكتب إليزابيث تشيني، نائبة مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، عقد اللقاء بحضور إليزابيث تشيني، لكن المكتب رفض الإجابة على استفسار «الشرق الأوسط» عما دار في الاجتماع، أو أسماء المسؤولين الأميركيين الآخرين الذين حضروه.

وأشارت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن جون حنا، المسؤول في مكتب نائب الرئيس ديك تشيني، حضر اللقاء، إضافة إلى ممثلين عن مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأميركية.

ومن المعارضة السورية تسربت أسماء المعارضين زهدي الجاسر ومحمد خوام وموفق بني المرجة وحسام الديري وسلمى الديري والكاتب بسام درويش، إضافة إلى رئيس حزب الإصلاح السوري، فريد الغادري.

ووفقا لمعلومات «الشرق الأوسط»، فإن ممثلي المعارضة السورية كانوا يدفعون إلى تبني سياسة تغيير النظام في سورية، في حين أن المسؤولين الأميركيين ركزوا على إضعاف النظام. كما طرح في اللقاء موضوع محاسبة مسؤولين سوريين حاليين وسابقين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الشعب السوري، والعمل على مصادرة أموالهم، بحجة أنها من ممتلكات الشعب السوري.

وفي اتصال هاتفي أجرته «الشرق الأوسط» مع رئيس حزب الإصلاح السوري، فريد الغادري، لم ينف حضور اللقاء، غير أنه رفض الخوض في تفاصيله، أو تأكيد أسماء الحاضرين الآخرين، وقال «سنواصل عملنا السياسي على الصعيد الحزبي وعلى صعيد التحالف الديمقراطي السوري، الذي يجمع أكثر من 15 حزبا سياسيا ومؤسسة اجتماعية». وأضاف: «وسوف نواصل العمل مع الحكومة الأميركية ومع الاتحاد الأوروبي»، مشيرا إلى أنه تلقى دعوة من البرلمان الأوروبي للحديث عن اتفاقية الشراكة بين أوروبا وسورية في بروكسل نهاية الشهر الحالي، في مؤشر على أن الدول الأوروبية أيضا بدأت تهتم بما تطرحه المعارضة السورية من مطالب للضغط على النظام في دمشق.

من جهة ثانية اعتبر نائب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد ساترفيلد عقب اجتماعه برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري امس، ان تشكيل حكومة لبنانية «امر ملح وضروري» على ان تكون «قادرة على اجراء انتخابات (نيابية) حرة ونزيهة بوجود مراقبين دوليين».

وأعلن ان واشنطن «تأخذ بجدية» تقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية بشأن اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري، مشيراً الى ان توصية التقرير بلجنة تحقيق دولية «هي موضع دعم» من الادارة الاميركية، وان الامر سيناقش في مجلس الأمن في الايام القليلة المقبلة.

وكان ساترفيلد، الذي وصل الى بيروت مساء الاربعاء الماضي في مهمة تتعلق بالوضع اللبناني تستمر ثلاثة اسابيع، استهل لقاءاته بزيارة البطريرك الماروني نصر الله صفير اول من امس. وامس زار الرئيس بري في مقر رئاسة المجلس النيابي في بيروت. وادلى عقب اللقاء بتصريح قال فيه: «كان البحث مستفيضاً مع الرئيس بري حول الوضع اللبناني الراهن والوضع في المنطقة. وسجلت النقاط الأساسية للولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وآمل ان يطبق القرار 1559 بشكل كامل».

وأضاف: «اعتقد ان الامر الملح من اجل مصلحة الشعب اللبناني هو تشكيل حكومة قادرة على اجراء انتخابات حرة ونزيهة بوجود مراقبين دوليين من اجل مستقبل افضل للشعب اللبناني من دون اي تهديد او استفزاز او تدخل خارجي. وهناك تحديات عدة تواجه الشعب اللبناني. وان تشكيل الحكومة ضروري الآن للتحضير للانتخابات النيابية التي تشكل مدخلاً لمساعدة لبنان، وهي امر أساسي لمساعدته. وان نوع الحكومة وتشكيلتها امر خاص عائد للبنانيين».

وعن موقف الادارة الاميركية من تقرير لجنة تقصي الحقائق حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قال ساترفيلد: «اننا نأخذ التقرير بجدية بالغة. وان التوصيات في التقرير، بما في ذلك لجنة التحقيق الدولية، هي موضع دعم من قبلنا. وسنناقش هذا الامر في مجلس الأمن في الايام القليلة المقبلة».

وسئل ساترفيلد عما عناه بتصريحه بعد زيارته البطريرك صفير ان على الاحزاب في لبنان التي تؤيدها ايران وسورية ألا تتدخل في شأن الشعب اللبناني، فقال: «ما اقصده هو انه يجب ألا يحصل تدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، وألا تجري اعاقة للأمن والاستقرار في لبنان من قبل اطراف خارجية. ويجب ان يتاح للبنان العيش بعيداً عن التدخل الخارجي».

وانتقل ساترفيلد لاحقاً الى منزل الرئيس السابق للحكومة سليم الحص في محلة عائشة بكار ببيروت. وفيما لم يدل المسؤول الاميركي بأي تصريح عقب اللقاء، قال الرئيس الحص: «بحثنا في الاوضاع العامة في لبنان. ومعلوم ان لاميركا مواقف معينة مما يجري على الساحة اللبنانية. وكان من الطبيعي ان يكون محور هذا اللقاء تطورات الموقف والاوضاع اللبنانية. وركزنا على الجانب الخارجي والموقف الاميركي مما يجري على الساحة اللبنانية. وموقفنا معروف من هذه القضايا».

وعن دعوة ساترفيلد «حزب الله» والقوى الموالية لسورية وايران الى عدم التدخل في شؤون الشعب اللبناني، قال الحص: «حزب الله حزب لبناني محترم. وله الحق في التحرك كما يشاء ويدلي بمواقفه ككل القوى الاخرى العاملة في الساحة السياسية». واوضح ان البحث مع ساترفيلد لم يتطرق الى موضوع سحب سلاح «حزب الله».

وعن تقرير لجنة تقصي الحقائق حول جريمة اغتيال الرئيس الحريري، قال الحص: «كان هذا التقرير نتيجة مهمة سميت تقصي الحقائق ولم تسم تحقيقاً. ولذلك ركز التقرير على بعض النواحي السياسية وعلى خلفيات الوضع في لبنان وليس على الجريمة بالذات. والتقرير لم يحدد المسؤول عن الجريمة ومن ارتكبها او حرّض عليها او خطط لها». ورأى «ان اخطاراً أمنية تهدد الوضع في لبنان نتيجة التردي والانقسامات السياسية. واننا ندعو الى معالجة الوضع والتصدي للاخطار او استباقها بحلول سياسية».

وسئل الحص ما اذا كان يرى ان الولايات المتحدة تتدخل مباشرة في لبنان، فقال: «آمل ان لا يكون التدخل مباشراً في لبنان، لأن لبنان سيد نفسه. ونعلم ان الحركات التي انطلقت في لبنان في الآونة الاخيرة كلها تدعو الى الحرية والاستقلال والسيادة. وهذا يعني ان اي دولة وحتى اميركا لا يجوز لها ان تتدخل في الشؤون اللبنانية لان ذلك يتنافى مع ما ننادي به من حرية وسيادة واستقلال».

ورداً على سؤال آخر حول ما تضمنه تقرير لجنة التقصي الدولية، قال الحص: «سبق ودعوت القيادات الأمنية لان تستقيل لتوفر على البلاد المزيد من المعاناة من باب الاحساس بالمسؤولية الوطنية. واليوم اكرر دعوتي الى القيادات الأمنية، بعد هذا التقرير، لان تستقيل من موقع الاحساس نفسه».

وأصدرت «الاحزاب والقوى السياسية في لبنان» امس بياناً ردت فيه على كلام ساترفيلد عقب لقائه البطريرك صفير اول من امس. وجاء في البيان: «لقد كشف ساترفيلد الخطة والاجندة الاميركية لاجتياح لبنان والسيطرة على قراره السياسي وصولاً الى نزع سلاح مقاومته وعزله عن سورية والمترافقة مع التقرير المنحاز المفبرك للجنة الامم المتحدة للتقصي حول قضية اغتيال الرئيس الحريري».

من جهته، وصف وزير الدفاع اللبناني عبد الرحيم مراد وجود ساترفيلد في لبنان في غياب السفير جيفري فيلتمان بأنه «بدعة».

وتساءل في مؤتمر صحافي عقده امس: «لماذا جاء ساترفيلد؟ ولماذا هذه الاجتماعات المتكررة والمشبوهة؟ ولماذا هذه الزيارات والتصريحات وهذه الاوامر التي تصدر عن السفارة الاميركية؟».

وأضاف مراد: «نحن نطالب بالسيادة والاستقلال وعدم التدخل في شؤوننا. أليس وجود ساترفيلد تدخلاً في شؤوننا؟ وهذه المخابرات الموجودة في السفارات الاجنبية أليست تدخلاً خارجياً في شؤوننا؟ ان البلد يقاد من عوكر (مقر السفارة الاميركية)، وهذا مرفوض». الى ذلك اعربت واشنطن أمس عن دعمها للاقتراح الذي تضمنه تقرير الامم المتحدة عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري والقاضي بتأليف لجنة تحقيق دولية، وجددت دعوتها الى انسحاب سوري من لبنان.

وجاء في بيان لوزارة الخارجية الاميركية ان «الولايات المتحدة تدعم بشدة توصيات تقرير فيتزجيرالد والامين العام للامم المتحدة بتشكيل لجنة دولية مستقلة تقود التحقيق».

واضاف البيان الذي تلاه الناطق الرسمي المساعد باسم الخارجية ادم اورلي ان تقرير فريق الامم المتحدة برئاسة بيتر فيتزجيرالد «يظهر اسبابا جدية ومقلقة» في ما يتصل باغتيال الحريري في 14 فبراير (شباط) الماضي.

ويحمل التقرير دمشق مسؤولية تصاعد التوتر السياسي قبيل التفجير الذي اودى برئيس الوزراء اللبناني السابق الذي كان يعارض الوجود السوري في لبنان، ويشدد ايضا على وجود عيوب كبيرة في التحقيق الذي اجرته الاجهزة اللبنانية.

ولفت البيان الى ان التقرير «يبرز مجددا اهمية الانسحاب الكامل والفوري للجيش السوري ومخابراته من لبنان، وذلك تطبيقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559».

وقال اورلي ان «الشعب اللبناني يستحق حكومة تؤمن له انتخابات نيابية حرة ونزيهة من دون اي تدخل خارجي وفي حضور مراقبين دوليين».